من حفل غداء العمل الذي حضره السيسي على هامش مؤتمر ميونخ. الصورة: المتحدث باسم رئاسة الجمهورية- فيسبوك

نص كلمة السيسي في مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية 16/2/2019

منشور السبت 16 فبراير 2019
https://www.youtube.com/embed/wpwvyVAwY-c?start=41

شكرًا جزيلًا.

بسم الله الرحمن الرحيم،

السادة الحضور، اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالشكر إلى السفير إيشنجر رئيس المؤتمر، على دعوتي للمشاركة في هذا المنتدى المهم، ليس فقط بصفتي رئيسا للدولة، لدولة تتفاعل مع محيطها الإقليمي الأفريقي والعربي، وتضطلع بدور رئيسي في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية بمنطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية. 

وإنما أيضًا لكون مصر تسلمت منذ أيام قليلة الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي لعام 2019، وتتطلع كعادتها دوما للتعبير عن شواغل الشعوب العربية.. الشعوب الأفريقية الشقيقة الرامية لتحقيق الاستقرار والتقدم ودفع عجلة التنمية قدمًا. الحضور الكريم، ينعقد المؤتمر هذا العام وسط تحديات ومخاطر متزايدة ومتشعبة، من بينها استمرار بؤر التوتر والصراع على الصعيد الدولي، وتفشي مخاطر الإرهاب والتطرف، وتصاعد معدلات الجريمة المنظمة، وما يشكله ذلك من ضغوط على مفهوم الدولة الوطنية، وانهيار مؤسساتها بصورة باتت تزيد من تعقيد الأوضاع، وخطورتها على مقدرات الشعوب وأمنها واستقرارها.

وقد ضاعف من وطأة تلك التحديات ما يشهده النظام الدولي من استقطاب، وتصاعد في حدة المواجهات السياسية، إلى جانب تحديات، تحديات الطبيعة، كتغير المناخ، والتصحر ونقص المياه وغيرها، وهو ما يتطلب العمل على تعزيز الجهود الدولية، لأن تحديات العصر الراهن تفوق قدرة أي دولة أو تجمع محدود على مواجهتها، لكونها صارت لا تعترف بالحدود الجغرافية، وبات تأثيرها يشمل الجميع. تلك التحديات تظهر بوضوح في منطقة الشرق الأوسط، والقارة الأفريقية على حد سواء، فنحن نشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية، وصدامات عرقية ومذهبية، وهجمات إرهابية، فضلا عن مشكلات الفقر والبطالة، وضعف الإنتاجية، وتردي مستوى الخدمات المختلفة، وما يرتبط بها من أزمات اقتصادية وعدم استقرار الأسواق ​المالية، ومشروطيات التدفقات الرأسمالية، وتفاقم ظاهرة الديون.

وكلها مشكلات تتطلب تعاونا دوليا صادقا لحلها، يقوم على مراجعة وتقييم نماذج التعاون التقليدية، بما يسهم في إنهاء النزاعات والنهوض بعدد من المجالات ذات الأولوية مثل، ترسيخ مفاهيم الحوكمة الرشيدة وحماية حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، وتمكين المرأة التي تعد نصف المجتمع، بالإضافة إلى الارتقاء بمستوى التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية، والزراعة والتنمية الريفية، وخلق الوظائف وزيادة الاستثمارات والتجارة، وتعزيز الاندماج والتكامل الإقليمي.

السيدات والسادة، في ظل تلك التحديات، تتمحور أولويات الاتحاد الأفريقي لعام 2019 حول دفع التكامل الاقتصادي الإقليمي على مستوى القارة، عبر التركيز على زيادة الاستثمارات في مجال البنية التحتية، وتسهيل حركة التجارة البينية من خلال الإسراع بإدخال اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية حيز النفاذ.

فضلًا عن الاستمرار في وضع برامج وخطط التنمية المستدامة في إطار أجندة أفريقيا 2063 موضع التخطيط والتنفيذ المتدرج والفعال، وبناء القدرات الوطنية والإقليمية على ذلك الصعيد. ولعله من المهم في هذا الإطار، أن أشير إلى أن إحدى أولويات دول الاتحاد الأفريقي، ونحن على أعتاب عام إسكات المدافع بالقارة في 2020، هو ملف إعادة الإعمار والتنمية في فترة ما بعد النزاعات، بما يتيح تحقيق الاستقرار في مختلف ربوع القارة، من خلال بناء وتمكين مؤسسات الدولة الوطنية من الاضطلاع بمهامها.

واتصالا بذلك، تعمل مصر مع مفوضية الاتحاد الأفريقي على تدشين مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية، والذي تستضيفه القاهرة، ونتطلع لأن يكون أداة إقليمية فعالة في مساعدة الدول التي خرجت مؤخرًا من النزاعات المسلحة على تقييم احتياجاتها وبلورة تصورها الوطني لمسار إعادة الإعمار.

ومن هذا المنطلق، ترحب مصر بالتعاون مع جميع الشركاء الدوليين لإرساء منظومة الأمن وتحقيق التنمية.. التنمية المستدامة في القارة الأفريقية من خلال تدعيم سبل التعاون الذي يقوم على تعبئة الموارد كافة والاستفادة من الخبرات الممتدة أفريقيا ودوليًا. 

فالاستثمار في القارة الأفريقية يمثل استثمارا لمستقبلنا جميعًا، فعدد سكانها يزيد على المليار نسمة، ولديها من الموارد والإمكانات والثروات التي إذا حُسن استخدامها وتوظيفها، ستجعل من القارة الأفريقية قاطرة النمو الاقتصادي العالمي خلال العقود المقبلة.

السيدات والسادة، لا شك أن الإرهاب بات ظاهرة دولية لها مخاطر متعاظمة تؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات، وهو ما يستلزم من الجميع بذل جهود حثيثة و صادقة، لاقتلاع جذور تلك الظاهرة البغيضة التي تعد التهديد الأول لمساعي تحقيق التنمية، بما في ذلك تضييق الخناق على الجماعات والتنظيمات التي تمارس الإرهاب، أو الدول التي ترى في غض الطرف عنه، بل وفي حالات فجة تقوم بدعمه، وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ومطامع إقليمية. وجدير بنا في هذا السياق التأكيد أن عدم تسوية القضية الفلسطينية بصورة عادلة ونهائية، يمثل المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. 

فتلك القضية هي أقدم صراع سياسي نحمله معنا، إرثًا ثقيلاً على ضمائرنا منذ بدايات القرن العشرين، ولابد من تضافر حقيقي لجهود المجتمع الدولي، لوضع حد طال انتظاره لهذا الصراع، وفقًا للمرجعيات الدولية ذات الصلة والمتوافق عليها، وإعمالا لمبدأ حل الدولتين، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود الرابع من يونيو عام 67 وعاصمتُها القدس الشرقية، والتخفيف من معاناتهم اليومية، لأن ذلك سيشكل نواة الانطلاق الفعلية للتوصل إلى حلول ناجحة للصراعات الأخرى. إن من أهم القضايا الملحة كذلك على الساحة الأفريقية هي قضية الأمن في ليبيا، وهي قضية تتطلب منا جميعًا تقديم الدعم اللازم للمسار السياسي ولجهود المبعوث الأممي، والعمل على دعم وتمكين مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة العسكرية.

وقد حرصت مصر على تقديم العون للأشقاء في ليبيا لمساعدتهم على استعادة عافيتهم، وتوحيد المؤسسة العسكرية وبناء عملية سياسية مستدامة، بما ينعكس إيجابًا على الشعب الليبي والوضع الإقليمي في منطقتي شمال أفريقيا والساحل الأفريقي. ولا يفوتني في هذا السياق أن أتحدث عن قضية الهجرة واللاجئين، وما تتطلبه من معالجة تتسم بالشمول والابتكار، تأخذ في اعتبارها جذور الأزمة المسببة لها، الأزمات المسببة لها.. تأخذ في اعتبارها جذور الأزمات المسببة لها، وتسعى لتخفيف المعاناة الإنسانية المصاحبة لتلك القضية، خاصة وأن العبء الأكبر لعواقب النزوح واللجوء، يقع على عاتق دول الجوار، التي تستقبل الجانب الأكبر من المهاجرين والنازحين في أفريقيا.

وانطلاقًا من إدراك دول القارة الأفريقية لأهمية التعامل الفعال مع هذه الظاهرة، فقد انخرطت هذه الدول في عمليتي فاليتا والخرطوم، وشارك بعضها في وضع العهد الدولي للهجرة، كإطار منظم يتيح التعاون والعمل المشترك من أجل وجود حلول بناءة لهذا التحدي. كما ساهمت أيضا الجهود والمبادرات الوطنية في العديد من الدول الأفريقية في تعزيز التعاون مع تلك الظاهرة، ومن بينها الجهود التي بذلتها مصر، حيث نجحت في وقف أي محاولات للهجرة غير الشرعية عبر شواطئها منذ سبتمبر 2016.

كما دخلت في آلية حوار ثنائية مع عدد من الدول الأوروبية، لتأسيس تعاون ثنائي للتعامل مع تلك الظاهرة، ليس فقط من حيث تداعياتها، بل وبحث سبل التغلب عليها وعلى أسبابها، فضلًا عن استضافتها للملايين من اللاجئين الذين يعيشون باندماج كامل في المجتمع المصري، دون أي دعم خارجي ملموس، مع الحرص الكامل من جانبنا على عدم المتاجرة بهذه القضية التي تتعلق بجوانب إنسانية في المقام الأول. السيدات والسادة، إن إيمان مصر بأهمية الحوار الدولي اتصالًا بقضايا  الأمن والسلم، كان دافعا لنا لتدشين منتدى أسوان للأمن والتنمية المستدامة، والذي تعقد دورته الأولى نهاية 2019، ليكون منصة دولية لبحث سبل تعزيز الترابط بين السلام والتنمية، وبلورة تصورات مفاهيمية وأطروحات عملية لبرامج تنموية انتقالية لتعزيز ثقافة السلام، ودفع جهود إعادة البناء والإعمار في مرحلة ما بعد النزاعات. وختامًا، نستطيع تأكيد أن محور الأمن والسياسات الذي نهدف إلى تحقيقه بمفهومه الشامل، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، سيظل هو الأرضية المشتركة التي يتعين علينا جميعًا التركيز عليها والتعاون بشأنها خلال السنوات المقبلة. شكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


ألقيت الكلمة في مدينة ميونيخ، بحضور وزير الاقتصاد الألماني، ورئيس مؤتمر ميونخ، ورؤساء كبرى الشركات والبنوك.


خدمة الخطابات الكاملة للسيسي تجدونها في هذا الرابط