أحيانا يمضي الأمر هكذا؛ مقطع فيديو يتضمن مشاهد تمثيلية لشعائر دينية، هدف صانعوه كان التسلية، ينتقل المقطع إلى يوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي؛ فتُثار ضجّة بين مرتادي تلك المواقع، وسرعان ما ينتقل اﻷمر إلى القضاء، ويجد أصحاب الفيديو أنفسهم محل اتهام بـ"ازدراء الأديان".
وعلى الرغم مما يلي الضجة والهجوم من اعتذارات أو إقرار بأن الأمر بغرض المزاح، تمضي ورقة الادّعاء في مسارها من النيابة إلى المحكمة والتي في كثير من الأحيان تُصدر أحكامًا عقابية بالسجن، لم ينج منها حتى اﻷطفال.
ترانيم وصلوات
أقرب حوادث تُهمة ازدراء اﻷديان كانت باﻷمس فقط، حين ألقت الشرطة القبض على أربعة طلاب للتحقيق معهم بتهمة نشر مقطع فيديو على موقع يوتيوب، يتضمن سخرية من ترانيم وصلوات مسيحية.
وكان الطلاب أزالوا الفيديو "عقب استشعار تصاعد الموقف"، بل و"بثوا فيديو آخر يعتذرون فيه عما بدر منهم"، وفق ما ورد في بيان لوزارة الداخلية، نقل عنهم قولهم إن الفيديو كان "بغرض المزاح، ودون قصد الإساءة إلى الدين المسيحي".
قبل الواقعة الحالية بأعوام ثلاث، تحديدًا في 25 فبراير/ شباط 2016، كانت الإدانة بتهمة ازدراء اﻷديان من نصيب أربعة آخرين، يختلفون في تفاصيلهم عن القضية الحالية في أنهم كانوا أطفالاً مسيحيين، كانوا يسخرون من ذبح تنظيم الدولة الإسلامية للمسيحيين، ولم ينشره الأطفال بأنفسهم، بل قام بنشر الفيديو مدرس عثر على الهاتف، كانت النتيجة؛ حكم محكمة جنح أحداث بني مزار بمحافظة المنيا، بسجنهم خمس سنوات مع النفاذ، بتهمة "ازدراء الدين الإسلامي عبر السخرية من شعائر صلاة المسلمين".
ساعتها دار الجدل حول تلك القضية التي حملت رقم 350 لسنة 2015 جنح بني مزار، بين قائل إن ما فعله الأطفال يستوجب العقاب، وقائل إن ما فعلوه مُجرد سُخرية من داعش وليس من الدين الإسلامي، وهو ما لم يشفع لهم أمام جهات التحقيق.
بين القانون والدستور
تُساق قضايا ازدراء الأديان إلى المحكمة بقوة "المادة 98و" من قانون العقوبات، التي تنص على "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بلغ عدد قضايا ازدراء الأديان في 8 أشهر فقط، بين يناير/ كانون الثاني وأغسطس/ آب 2013، ثمانية عشر قضية، اختلف متهميها بين كُتّاب وأكاديميين وصحفيين.
وما تزال العديد من قضايا ازدراء الأديان منظورة أمام المحاكم حتى اليوم، وذلك على الرغم من محاولات شهدها مجلس النواب المصري لإلغاء المادة (98 و) من اﻷساس، وهو ما رفضه المجلس، بل وكان الرفض موقف الحكومة نفسها مُمثلة في وزارة العدل.
ويأتي الاعتراض على مادة ازدراء الأديان، باعتبارها متعارضة مع الدستور، الذي كفل في مواده 64 و65 و67 حرية الاعتقاد والفكر والتعبير وكذلك الإبداع الفني والأدبي، فضلاً عما ينصّ عليه في المادة 71 من عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية.
وعلى الرغم من ذلك، تلت محاولات إلغاء مادة ازدراء اﻷديان، فيما بعد، تقدم فريق داخل مجلس النواب بمقترح لتعديلها وتغليظ العقوبة، فيما فسّره مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إسحاق إبراهيم بأن سببه "الحالة العامة المحافظة في مصر؛ والتي تدفع البعض للترحيب بمثل هذه الدعاوى والسعي لتغليظ العقوبة، باعتبار اﻷمر دفاعًا عن الدين؛ وهو ما بدا في حالات الزيادة المضطردة في قضايا الازدراء منذ عام 2012".
مساحات للتأويل
يرى إبراهيم "المادة 98و" باعتبارها "اﻷقسى في عقوبة الازدراء"، قائلًا للمنصّة إن نصّها "يعاني من مشكلات كثيرة، إذ أنها لا تقدّم تفسيرًا للازدراء، ولا معايير لتحديد كون الفعل ازدراء من عدمه؛ ما يعطي مساحات لتأويلها، مع العلم بأنه يُفترض في المادة القانونية أن تكون واضحة ومحددة".
وأضاف الباحث أن ما يترتب على غياب المعايير في هذه المادة هو "وجود مساحة لجهات الأمن والتحقيق لاستخدامها، وغالبًا ما يتدخل في الأمر قناعات شخصية، فضلاً عن وجود مساحات في تحديد مدة العقوبة أيضًا".
واختتم الباحث بتأكيد أنه لا يفترض من اﻷساس أن تتواجد هذه المادة- 98 و- في القانون المصري، وذلك باعتبارها "تتعارض مع حقوق اﻷساسية للإنسان؛ ما يجعل من هذه المادة تُحاكم الأشخاص على أفكارهم ومعتقداتهم أكثر من كونها تردّع التجاوزات بالفعل".