أكد شاهد عيان لـ المنصة وقوع "أعمال انتقامية" استهدفت مواطنين مصريين بعضهم ينشط في مجالات حقوق الإنسان، بسبب تعاونهم مع مقررة الأمم المتحدة للحق في السكن ليلاني فرحة عندما زارت مصر قبل نحو شهرين، وتسهيلهم تواصلها مع شهودٍ ووصولها إلى مناطق سكنية لم تضعها الحكومة المصرية في برنامج الزيارة.
وأوضح الشاهد الذي طلب إخفاء هويته بعد تعرضه لمضايقات أمنية بسبب مرافقته لمقرّرة الأمم المتحدة أن هذه المضايقات بدأت خلال زيارة المقررة الأممية إلى مصر والتي بدأت من أواخر سبتمبر/أيلول واستمرت حتى أوائل أكتوبر/تشرين الأول، واستمرت بعد مغادرتها.
وبعد الزيارة النادرة، إذ لا تسمح مصر عادةً لمقرري الأمم المتحدة بمثل هذه الزيارات، أصدرت فرحة تقريرًا ذكرت فيها إنجازات الحكومة في ملف السّكن، وذكرت ملاحظات جمعت أغلبها من خلال زيارات خارج البرنامج الحكومي نسّقتها مع حقوقيّين ومتعاونين محليين.
ولكن المسؤولة الأممية قالت في بيان لاحق إن من تعاونوا معها خلال الزيارة تعرّضوا "لأعمال انتقامية"، وهو ما ردت عليه وزارة الخارجية المصرية ببيان اتهم فرحة بعدم الحياد ونكران الإنجازات "غير المسبوقة للحكومة المصرية في ملف السكن"، وتبعه هجوم من صحف على فرحة وزيارتها وتقريرها.
ما ذكره الشاهد، يدعمه بيان صدر عن منظمات غير حكومية محليّة ودوليّة أشارت إلى أعمال انتقامية بحق السكّان المصريين الذين تحدّثوا مع فرحة حول ظروف سكنهم وتعامل الحكومة معهم في إطار خططها لتطوير مناطقهم التي تصنفها إما عشوائيّة (غير مخططة)، أو غير آمنة.
تحرش بالحقوقيين المتعاونين
يقول الشاهد لـ المنصة إن "جميع الحقوقيين الذين أبدوا قبولًا للتعاون مع فرحة ليلاني لتنسيق زيارات بعيدة عن البرنامج الحكومي الرسمي، تم تهديدهم والتحرش بهم من قبل الأمن" خلال فترة الزيارة.
ويضيف "وصل الأمر إلى إضافة اسم أحد المتعاونين مع فرحة إلى قضيّة التمويل الأجنبي لإثنائه/ها عن المساعدة في تنسيق أية لقاءات خارج البرنامج الحكومي، قبل أن يخرج/تخرج بكفالة بعد ساعات من التحقيق، وبعدها قُطع الاتصال بفرحة خوفًا من التهديدات".
بعد اجبار الحقوقي/ الحقوقية على قطع التواصل مع المقررة، تواصلت الأخيرة مع حقوقيين ومحامين حضّروا لها لقاءات بعيدًا عن جدول الأعمال الذي وضعته الحكومة المصرية.
يقول الشاهد "كانت الخطة تتضمن زيارة أربع مناطق هي الدويقة والحطابة والإسكان الاجتماعي في مدينة السادس من أكتوبر، و26 يوليو وجزيرة الورّاق، إضافة إلى لقاء بعض الشهود اللي عندهم مشاكل نوعية في السكّن زي مجتمع الـ LGBT"، يضيف "كان هدفها إن تقريرها يبقى حيادي".
يحكي الشاهد أن الحكومة كانت تفرض ما وصفه بـ "الحصار" على المقررة "اتفقت معاهم على تخصيص وقت لفرحة ليلاني دون مرافقة أمنية، وكانت الفكرة في استغلال هذا الوقت لإنهاء الزيارات غير الرسميّة"، لكن وبحسب الشاهد فإن "الأمن مارس تضييقًا على المقررة ومساعديها".
زيارات مقرري الأمم المتحدة لمصر نادرة، فهناك 11 طلبًا من مقرري الأمم المتحدة لزيارة مصر مازالوا معلقين، بحسب ما ذكره مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، في كلمته الافتتاحية للدورة الخامسة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان في 2017.
منذ العام 1996، ومقرر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب يقدم طلبات بزيارة مصر، إلا طلبه يقابل بالرفض، ولم يشر أرشيف الصحف لاستقبال مقررين حتى عام 2009، والذي سمحت مصر فيه لمقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، بالدخول. ومن بعدها استمر الرفض حتى جاءت زيارة فرحة.
تلويح بالتحرش
يقول الشاهد "أولى محطات زياتنا كانت منطقة 26 يوليو، مشينا جنب القنصليّة وكان في إزالة وتواجد أمني، استوقفونا وسألونا عن سبب عدم سير المقررة بالحراسة المخصصة لها، في البداية تركونا نذهب لوجهتنا، وبعد ربع ساعة من دخولنا للمنازل التي رتبنا مع أصحابها زيارة مسبقة؛ طلع الظباط وطلبوا الباسبورات، انتهينا من اللقاء لنجد حصارًا أمنيًا من قبل مجموعات أمنية رفضت تحركنا".
وأضاف "يبدو أن مصر أرادت تحسين سجلّها السيئ وعلاقاتها المتوتّرة مع الأمم المتحدة بسبب رفض دعوة مقرريها لزيارة مصر، لذلك اختاروا مقررة الحق في السكّن لأن دا الملف اللي الحكومة محققة فيه إنجازات، لكن زيارتها لم تسر كما تمنّى المسؤولون".
يرجحّ الشاهد في حديثه للمنصة أن المجموعات الأمنية كانت من أفرع مختلفة لقوات الشرطة، وذلك لأنهم طلبوا جوازات السفر لتصويرها ثلاث مرات وعلى لسان ثلاثة أشخاص مختلفين "أحد أفراد الأمن رفض رحيل المقررة إلا عند وصول الحراسة الخاصة بها، أو بعد توقيعها على تعهد بأنها مسؤولة عن حماية نفسها في مصر، وعندما ردت المقررة الأممية (على الضابط) بأن ما يقوله يوحي بأن البلد مش أمان، قالها طبعًا، إنتِ مش عارفة إن فيه تحرش؟"، انتهى الأمر بوصول حرس المقررة بعد ثلاث ساعات من الاستيقاف.
استمرت باقي الزيارة، بحسب الشاهد، في وجود الأمن طيلة الوقت، في الزيارات الرسمية وغير الرسمية على الرغم من اتفاق المقررة مع وزارة الخارجية المصرية على خلاف ذلك "تاني يوم أكملنا الزيارات كما هو مخطط، لكن المضايقات الأمنية لمنسقّي ومرافقي مقررة الأمم المتحدة استمرت".
يقول الشاهد إنه تعرّض شخصيًا للمضايقات الأمنية والتهديدات بأكثر من شكل، إضافة إلى تعرّض أحد المتعاونين من السكّان في إحدى مناطق الزيارة للضرب بمطواة من قبَل أحد المعروفين في هذه المنطقة بتعاونه مع قوات الأمن.
إضافة إلى ذلك، تم منع المقررة من دخول جزيرة الورّاق، وهي الزيارة الأخيرة ضمن برنامجها خارج الجدول الحكومي "اتصلت بي وأخبرتني أن الأمن أعطاها التصريح ثم ألغاه مرة أخرى، لكننا أقنعنا عدد من الأهالي بالخروج من الجزيرة لإجراء اللقاء". يقول الشاهد إن "المقررة تفاعلت مع التفاصيل التي حكاها الشهود من أهالي الجزيرة عن محاولات هدم المنازل غير المرخصة،" وهو ما اهتمت المقررة بذكر تفاصيله في بيانها الختامي الموجّه للصحفيين.
ذكر البيان الختامي للمقررة أن "الحكومة أكدت عدم تعرض من التقوا بي لأية أعمال انتقامية من قبل الدولة"، و"أشجع حكومة مصر على تقديم هذه التأكيدات إلى أولئك الذين يدافعون عن الحق في السكن" بحسب نص البيان، إلا أن ما حدث بعد الزيارة ويرويه الشاهد يؤكد عدم التزام الحكومة بتأكيداتها لفرحة ليلاني.
إنجازات وملاحظات ورد حكومي
في بيانها الختامي بخصوص زيارتها في مصر، أشادت فرحة بإنجازات الحكومة المصرية على مستوى الإسكان الاجتماعي، ومحاولة الحكومة سدّ الفجوة بين دخول المصريين وتكاليف السكن الملائم، لكنها أضافت توصيات لطريقة تعامل الحكومة مع ما سمته "الأحياء غير النظامية"، خاصة فيما يتعلّق بإعادة تسكين أفراد هذه المجتمعات في مناطق بعيدة عن مجتمعاتهم الأصلية وبعيدة عن مناطق عملهم، وطالبت بالأخذ في الاعتبار عند وضع خطط تطوير هذه المناطق تصميمها بما يلائم أصحابها وطريقة كسبهم لمعايشهم، وإشراك السكّان في خطط التطوير بدلًا من اتباع سياسة الإخلاء.
كما طالبت المقررة الحكومة، في حالة وجوب نقل السكّان، بإعطائهم تعويضات مناسبة تكفي لإيجادهم أماكن سكن مناسبة تتيح لهم اختيار الموقع الجغرافي اللائق لهم وإيجاد سكن ملائم، وإعطائهم الحق في المشاركة في توقيت النقل كذلك.
النهج الذي اتّبعته الحكومة المصرية مع المتعاونين مع فرحة جعل المقررة تصدر بيانًا "توبّخ" فيه الحكومة المصرية جرّاء إقدامها على ما وصفته بحملة من "الانتقام" من مواطنين مصريين كانت قد التقت بهم أثناء زيارتها لمصر في بعثة أممية رسمية قبل شهرين.
وذكر البيان على لسان فرحة "أخفقت مصر في الالتزام بالتأكيدات التي قدّمتها لي بأن أحدًا لن يتعرّض للمضايقة، أو الترويع، أو الانتقام نتيجة لقائهم بي أو تقديم معلومات لي أو للوفد المرافق".
أثار البيان غضب وزارة الخارجية المصرية التي أصدرت بيانًا يرد عليه ويتهم فرحة بالكذب "تعمدت المقررة الخاصة بالسكن إخفاء بل وطمس إنجازات الحكومة غير المسبوقة في توفير السكن اللائق للمواطنين، وما اتخذته الحكومة من قرارات لإحداث نقلة نوعية في سياسات الإسكان لضمان المعيشة السكن اللائق والآمن للجميع دون تمييز".
وذكر البيان أن مصر دعت فرحة "في إطار الانفتاح الذى تبديه للتعاون مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، وللتعرف على الخبرات الدولية في التعامل مع التحديات التي تواجهها الدول لتوفير السكن اللائق. غير أنها فوجئت بسعى المقررة الخاصة لاختلاق الأكاذيب والافتراءات منذ اللحظة الأولى لوصولها للقاهرة وافتعال الأزمات في اللقاءات المختلفة".
ودلل البيان على ذلك بـ "تواصل المقررة المذكورة مع قناة الجزيرة، المعروفة بدعمها الفاضح للتنظيمات الإرهابية، بعد إصدارها للبيان الأخير مباشرة، في دليل على أنها مغرضة ومسيسة، وبما يكشف عما لديها من مآرب أخرى تتخذ من حقوق الإنسان والحريات الأساسية غطاءً وساترًا لها، خاصة مع تعمدها عدم الإشارة لأية جوانب إيجابية تتعلق بسياسات الإسكان في مصر، وعدم توفير أية بيانات عن ادعاءاتها، وهو ما لا يرتقى لأدنى معايير المهنية الوظيفية".
وطالب البرلمان المصري بعدها بأيام الخارجية بتقديم شكوى ضد المقررة لإصدارها تقريرًا عن حقوق السكن في مصر "ينحاز لأهداف شخصيّة".
أعمال انتقاميّة لاحقة
بحسب الشاهد فإن المناطق التي شملتها زيارة المقررة خارج البرنامج الحكومي لزيارتها تعرّضت لإجراءات عقابيّة، وهو ما تؤكّده مواد فيلمية حصلت عليها المنصّة توضّح إجراء عمليات هدم في منطقة 26 يوليو بوسط البلد، ومنطقة الدويقة بحي منشية ناصر.
يدعم ما رواه الشاهد للمنصّة ما ذكرته فرحة في بيانها الصادر في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول "إنني أشعر بالصدمة لأن عددًا من أفراد الأُسر المقيمين في منطقتين قمت بزيارتهما قد تعرّضوا بعد انتهاء بعثتي للإخلاء القسري من منازلهم بالمخالفة لقانون حقوق الإنسان". واتهم البيان الأجهزة الأمنية باستعمال القوة المفرطة ضد السكان الذين رفضوا ترك منازلهم، وهو ما يدعم ما قاله الشاهد للمنصّة عن تعرّض المنازل فيما تبقّى من منطقة مثلث ماسبيرو، أو منطقة 26 يوليو "في بيوت اتهدت قبل ما سكانها يخلوها".
إضافة إلى ما رواه الشاهد عن تعرّض متعاونين معهم للإخفاء القسري والاعتقال والتحقيق معهم من قبل قوّات الأمن لمساعدتهم على تنسيق زيارات المقررة خارج البرنامج الحكومي، وتعرّض البعض الآخر إلى التتبع وأرسال رسائل تهديد على هواتفهم المحمولة تهدّدهم بالاعتقال "أحد المتعاونين بعد إخفائه قسريًا لمدة يومين، تلقى اتصالًا من الأمن الوطني يسأل عن كيفية معرفة مسؤولي الأمم المتحدة باحتجازه لدى قوات الأمن"، كما تعرّض مع المتعاونين المحليين مع المقررة ومنسقي زيارتها لهدم منازلهم.
موظفو الحي زاروا المناطق التي زارتها المقررة من أجل حصر أسماء ساكني هذه المناطق، وهو إجراء تقوم به الحكومة قبيل إعادة تسكين المواطنين في المناطق غير الآمنة وغير المخططة، حتى تلك المناطق التي، بحسب بيان المقررة، اتقفت الحكومة مع ساكنيها على تطويرها دون إعادة تسكينهم في مناطق بعيدة كمنطقة الحطّابة، والتي زارها موظفوا الحي لحصر ساكنيها.
وتشير الأخبار إلى أنه في بداية نوفمير/تشرين الثاني، تم إزالة بعض المنازل لخطورتها في منطقة الحطابة، وبدأ بالفعل حصر للأهالي، إلا أن محافظ القاهرة خالد عبد العال أجله بطلب من النائب البرلماني جمال الشويخي.
كما ربط الشاهد بين قرار نزع ملكية مساحة 100 متر على جانبي محور روض الفرج اللازمة لحرم الطريق، والأراضي الكائنة في نطاق مسافة 30 متراً بمحيط جزيرة الوراق اللازمة لتنفيذ منطقة الكورنيش وفي الستيلاء بطريق التنفيذ المباشر على الأراضي اللازمة لتنفيذ المشروع المشار إليه، دون انتظار حصر الملاك الظاهرين لها، على أن تتولى الهيئة المصرية العامة للمساحة حصرهم تمهيداً لتعويضهم، بتعاون أهالي الجزيرة مع المقررة، وهو القرار الذي صدر بعد زيارة المقررة بأقل من شهر في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو نفس الربط الذي ذكره بيان فرحة.
ويعاني أهالي 26 يوليو، بحسب الشاهد من انقطاعات مستمرة في المياه والكهرباء "الحياة هناك بقت جحيم، انقطاعات المياه ممكن توصل لثلاثة أيام، إضافة تكسيرهم البيوت والشبابيك والبلكونات عشان الناس تخلي"، وهو ما أكده أحد أهالي المنطقة للمنصّة في حديث هاتفي.
حاولت المنصّة التواصل مع محافظ القاهرة خالد عبد العال، والمتحدث باسم المحافظة خالد مصطفى ونائب المحافظ للمنطقتين الشمالية والغربية أيمن عبد التواب، ولم تتلقَّ أي رد.