جلب الموظف الكادح إلى مدينة نابولي شيئًا ما يُشبه الفرحة، ليست تحديدًا الفرحة التي يشعر بها المشجع عند فوز فريقه ببطولة، لكنها فرحة تتعلق بالنشوة بعد كل 90 دقيقة يلعبها الفريق، فرحة أن يروا نابولي يقدم كرة قدم يتحدث عنها المنافسون قبل المشجعين، وأن يروا رجلًا يحب نابولي، يدافع عن مصالحه، ويصرح بصوت زاعق وهو متجهم الوجه عندما يتعلق الأمر بالمساس بالعدالة، إنه ماورتسيو ساري، الذي ترك ذلك كله وذهب إلى تشيلسي.
ساري مشجع نابولي قبل أن يكون مدربًا للفريق، ذلك الموظف الكادح الذي كان ينهي تعاملات العملاء بجدية، صاحب الملامح الناضجة منذ الصغر، كان يملك داخله عشقًا متأصلًا للكرة والإبداع التي بداخلها، ظل ملاصقًا للمكتب وهو يعمل في يديه كوب الاسبريسو وفي اليد الأخرى سيجارة، كان هو اختيار الملياردير الروسي رومان إبراموفيتش ليكون مدربًا لتشيلسي في الموسم المقبل.
هو الرجل الذي لم يحلم يومًا بأن يصبح صاحب الملايين، ولا أن تتحول أفكاره وفلسفته لواقع متجسد فيه، ليس في أحد أبطاله ولا معشوقيه من المدربين، لا، بل فيه هو، في شخصه.
ساري كمدرب، كان يعامل لاعبيه كأنهم زملاءه في البنك، فلا يجدد ضررًا من أن يُحضر لهم البيتزا بعد نهاية كل مباراة، أيضًا طالما تعامل مع الصحفيين كأنهم أصدقاءه، فلا يجد حرجًا في التلفظ بكلمات نابية وكأنه يقف مع شلته في الشارع، وهو ما أوقعه في كثير من المشاكل، حيث وصفه البعض بأنه نابولتيانو (من مدينة نابولي) ولا يجيد التحدث بالشكل اللائق كمدرب كرة قدم أنيق ومحترف، لكنه لم يكن يعبأ بذلك، إنه الشخص الذي يدخن ما يقرب من 3 علب سجائر في اليوم الواحد، والذي يعتبر الحكام والمسئولين عن اللعبة ألذ أعداءه، لأنه يريد العدل المطلق في كل مباراة، وفي كل وقت.
متى كانت البداية؟
تخرج الشاب ماورتسيو من كلية الاقتصاد والمحاسبة في توسكانيا، التي ترعرع فيها، ولكنه ظل مخلصًا لميدنته التي يعود أصوله إليها، نابولي، حيث كان أصدقاؤه يشجعون ميلان، يوفينتوس، إنتر ميلان وفيورنتينا. لكنه ظل وفيًا لنابولي، بلد أجداده.
أمضى فترة شبابه متنقلًا بين عدة وظائف وكان يجد في الكرة متعة ضئيلة مناسبة في فترات الاستراحة والركود، كانت لديه ملاحظات على المباريات وقرارات المدربين. عرف أن الوميض الذي يظهر على عينيه وهو يُحدث زملاءه في المكتب في بنك مونتي دي باسكي في سيينا لن يخفت أبدًا، وفي عمر الثلاثين كان يلعب الكرة في بعض فرق الهواة، لكنه قرر أن يأخذ الخطوة التي كانت برأسه وهي أن يمارس التدريب، في 1990 فقضى شبابه وهو يُقسم يومه ما بين العمل في بنك توسكانيا في فلورنسا، وما بين التدريب في المساء.
في 1999 قرر أن يتخلص من وظيفته (رغم أنه ترقى إلى أن أصبح مديرًا للبنك) وأن يُركز حصرًا على عمله كمدرب. خطوة جريئة منه، فبعد تسعة أعوام كان لا يزال مدربًا لفرق الهواة، لم تطأ أقدامه بعد أي أرضية ملعب تجري فيه مباراة بين فريقين محترفين، ولكن الوظيفة التي شغلها في العام 2000 فتحت له باب الأمل لزيادة دخله وذلك بعد أن أصبح مدربًا لسانسورفينو في الدرجة الرابعة.
15 سنة عاشها ماورتسيو مجهولًا بالكامل، ما بين العيش مع فرق الهواة والتعامل مع التنقلات الصعبة لملاعب غير مؤهلة، وإمكانيات صعبة، فكر ماورتسيو في عام 2002 أن يأخذ بعض الوقت للاستراحة ولكن تلك أصبحت حياته ووظيفته، بقى ملتزمًا بأفكاره وطريقته في تحضير المباريات، وتدريب لاعبين متواضعين على لعب كرة قدم سريعة، وتدريبات فنية وشروطًا عالية ومرهقة كان يخضع لها لاعبوه لإتقان السيطرة على المباريات، وكانت النتائج عادية وغير ملحوظة.
ظل سنوات طويلة في الظلمات، إلا أن الوضع أصبح روتينيًا لا يطاق، فدرب فريق سانجيوفانيزي في الدرجة الرابعة، وفي سنته الثانية حقق أولى إنجازاته وهي تصعيد هذا الفريق إلى الدرجة الثالثة ليبدأ البعض في ملاحظته، وبدأ اسمه في الظهور على صفحات الجرائد، بعد أن فقد شبابه، وظن أنه سيظل مدربًا يبحث عن لقمة العيش فقط، ولكن الصعود الصعب حدث وبعد إقصائيات طويلة.
في البدء كان دانتي
سمع عنه رئيس بيسكارا في هذا الوقت داتي باتيرنا، وكان وقتها فريق الدلافين في حالة تخبط مستمرة، حيث بقي في الدرجة الثانية بصعوبة شديدة في موسم 2004/2005، سمع أنه مدرب قوي الشخصية، ولأن الموسم الجديد 2005/2006 كان على وشك البداية، ولم يكن بيسكارا اختار بعد مدربه الجديد، لم يجد باتيرنا حرجًا في الرهان على هذا المدرب، ولكنها كانت بالنسبة لساري صاحب الـ46 عامًا، فرصةلن تتكرر، إن ضاعت فقد ضاع كل شيء، وإن فسدت أفكاره خلالها فسوف تكون بمثابة الضربة التي لن يستفيق منها أبدًا، وربما سيقرر حينها العودة اإلى عمله القديم.
تمسك ساري بفرصة دانتي ووجد أن كرة قدم عالية المعايير سيكون من الأسهل نسبيًا تقديمها في الدرجة الثانية مع لاعبين لديهم عطاء فني وقدرات أكثر سخاءً مع لاعبين شبان جائعين، لا ليسوا مثل لاعبين الدرجات الثالثة والرابعة الذين قضى معهم جزءًا كبيرًا من حياته، حقق مع بيسكارا المركز الحادي عشر وكانت نتيجة أكثر من ممتازة، لكن رئيس بيسكارا دانتي وجد بشكل أو بآخر أن عليه بيع عدد من اللاعبين الذين ظهروا بصورة لافتة للنظر للتغلب على بعض المشاكل الاقتصادية، وأن ساري لن يستمر، ليظل ساري بلا عمل حتى سنحت له فرصة جديدة بعد إقالة أنتونيو كونتي من تدريب آريتزو، لتكون أول مرة سيخلف فيها ساري كونتي.
دوامة آريتزو
وصل ساري إلى آريتزو في نوفمبر/ تشرين الثاني، وقاد الفريق في 11 مباراة قبل أن يقرر الرئيس بييرو مانشيني أن يستعيد كونتي لأن اللاعبين كانوا معتادين أكثر على اللعب بخطة الـ3 مدافعين، وظل يُبدل ما بين كونتي وساري حتى هبط آريزو في نهاية المطاف، ولكن ساري ترك ذكريات سعيدة هناك، كانت أبرزها التعادل مع يوفنتوس ونابولي في تورينو وسان باولو.
ساري كان يعرف ما يحتاجه في هذه اللحظة، إنه يريد ناديًا لديه مشروع ولديه الصبر لتنفيذ أفكاره وينتقي اللاعبين المناسبين، لكن هذا لم يحدث، ولم يجد ضالته في الدرجة الثانية بين الأندية التي تُغير المدربين بسرعة إن لم يحقق المدرب نتائج جيدة بشكلٍ فوري.
ظل ساري يتنقل من فريق لآخر لأجل الحفاظ على الراتب الثابت، فعليه قبل كل شيء أن يعيل زوجته وأطفاله، لكن أحوال مسيرته ساءت أكثر، حتى عاد لتدريب بعض فرق الدرجة الثالثة.
في 2010 ومع تدريبه لفريق أليساندريا في الدرجة الثالثة، كانت التوقعات تشير إلى أن ساري عليه الحفاظ على وظيفته بإبقاء فريق أليساندريا في الدرجة الثالثة، ورغم تواضع الفريق لكنه قدم كرة قدم لا بأس بها، رغم أن الفريق فشل في مهمته، لكنه ترك انطباعًا جيدًا، وعادت مسيرة ساري من السقوط للقاع إلى العودة للأنظار من جديد.
(إعادة إحياء)
عادت الحياة لتلعب لعبتها وتهدي ساري فرصة جديدة بعد 7 سنوات في الدرجة الثانية والثالثة، وبعد 25 عامًا من حياة متقلبة ووظيفة غير ثابتة، وذلك حين اتصل به رئيس إيمبولي ليعرض عليه وظيفة تدريب الفريق الأزرق بعد هبوطه للدرجة الثانية، إنه النادي الذي حلم به، إنه النموذج الذي كانو يرنو إليه، نادٍ هادئ وفي مدينة صغيرة به قطاع جيد من اللاعبين الشبان، ورئيس متفهم وسيتركه يعمل.
ترك ساري في كل مكان ذهب له بصمة وذكرى جيدة، لكن في صيف 2013 كان الميلاد الحقيقي له، فمع نادي إيمبولي تخلى عن ارتداءه الدائم للون الأسود، والذي جعله يبدو في نظر الإعلام كشخص غامض وكلاسيكي، ومع إيمبولي ارتدى الأزرق، ليبدأ بتأسيس أسطورته الحقيقية كمدرب لديه نظام صارم ورؤية خاصة وصلبة تتعلق بكرة القدم والتي لا تهتم كثيرًا بالنتائج، لأنه كان يلبس الأسود فقط في السابق، لا عتقاده بأنه اللون الأسود يجلب له الحظ.
حين ظن أنه الانهيار
9 جولات من بداية السيري بي لموسم 2012/2013، حقق فيها إيمبولي فقط 4 نقاط، إنه المركز الأخير في الجدول، اهتزت ثقته بنفسه، ظن ساري أن كل شىء قد انهار، ولكنه فوجئ بموقف الرئيس كورسي، الذي حثه على الاستمرار، كان الرئيس يعرف أن هذا الرجل يستحق فرصة وأنه لديه شيئًا جيدًا ومختلفًا عن باقي المدربين الذي تعامل معهم قبلًا.
ساري كان يريد أن يحقق المعادلة الصعبة، أراد أن يأخذ الفرصة لصناعتها لأول مرة، وتواجده في إيمبولي كان فرصة لذلك، انتعش الفريق ونافس على الصعود بقوة في نهاية الموسم لكنه خسر بطاقة الصعود في النهاية بعد الخسارة أمام ليفورنو في المباراة الفاصلة، ثم حقق مبتغاه في الموسم التالي بتحقيق المركز الثاني في السيري بي (الدرجة الثانية)، مع خط هجوم ناري متكون من ماكاروني وتافانو وسابونارا.
اعتقد كثيرون أن ساري أتى مع إيمبولي للدرجة الأولى ليهبط سريعًا، وأن كرة القدم التي يؤمن بها قد تكون ناجعة في بلاد أخرى، لكن في إيطاليا لن يحقق بها أي نتيجة، لذلك رشح المراقبين إيمبولي قبل بداية موسم 2014/2015 على أنه المرشح الأول للهبوط، فهو لا يملك إلا الكثير من اللاعبين الشباب، وبعض اللاعبين أصحاب الخبرة الذين لا يملكون إمكانيات كبيرة، في حين كانت تشكيلات الفرق الأخرى أقوى بكتير، لكن المفاجأة أن إيمبولي حقق المركز الخامس عشر، وعلاوة على ذلك، فإن ما قدمه من أداء كان يستحق عليه ترتيب أفضل.
في يونيو/ حزيران 2015، ترك ساري يمبولي ووقع لنادي المدينة التي ولد فيها، نابولي، بعد أن رحل الإسباني رافائيل بينيتيز الذي حقق المركز الخامس مع نابولي في الموسم الفائت.
الفصل الأجمل، إنسانيًا وفنيًا
منذ اليوم الأول له في المركز التدريبي لنابولي، كان هدف ساري هو أن يستغل تلك الفرصة وتلك القفزة الكبيرة، فقد كانت المرة الأولى التي يدرب فيها لاعبين دوليين، ونجح ساري بالفعل في تقديم كرة القدم الأجمل معهم، ونجح في احتضان كل اللاعبين بما فيهم النجم الأرجنتيني جونزالو هيجواين، الذي جعله أساسًا لتطوير كرة القدم الخاصة به، مع وجود هامسيك كرمانة ميزان ومحرك رئيسي لانتقال الفريق بسرعة وسلاسة من الموقف الدفاعي للموقف الهجومي واختراق الخصوم.
ساري، الرجل الذي صعد كل درجة من سلم مهنته بمشقة شديدة، ووجد الشكوك أينما ارتحل، حتى عندما كان يدرب الفرق المغمورة لسنوات طويلة، والرجل الذي عانى كثيرًا في وظيفته كمحاسب، كان يسافر من لندن إلى زيورخ إلى لوكمسبورج ومن توسكانيا إلى نابولي وروما كجزء من وظيفته التي لم تكن تدر عليه الكثير من الدخل، هو نفسه الذي وجد صعوبة في التعامل مع رؤساء الأندية الإيطالية أصحاب الرأس الصعبة وأصحاب التحكمات ، والذي لم يتوافق معهم فكريًا، وجد نفسه أمام دي لاورنتيس، المنتج السينمائي الشهير، وملايين صاخبة تشجع نابولي، وجد نفسه أمام النجومية والشهرة دون سابق إنذار، ومدينة مليئة بالجنون الكبير لكرة القدم ولنابولي.
كشاعر متجول يشعر أن كل شىء بأمان، وهو في خطر
الأمر الذي جعله يرتعد عندما نزل الشارع لأول مرة، فقد فوجئ بعشرات المشجعين القادمين نحوه، وبصخب وفوضى في الشارع، وبتواجد الشرطة التي ركضت لتخلصه من قبضة المشجعين الفرحين برؤيته ولكنهم لن يتركوه في حاله، يختبر الرجل الذي طالما عاش ضئيلًا، للمرة الأولى أن يكون من تتعلق آمال الملايين به وبما يصنعه، بعد أن عاش حياته وسط الصغار أصحاب المشاريع والطموحات الضئيلة.
كان عليه أن يفهم أن ما قدمه في الموسم الاول، ومع كل مباراة يلعبها نابولي ويُمتع فيها الجمهور، أن هذا يزيد من الضغط عليه والطمع لديه ولدى النابوليتانو، لذا كان عليه أن يجعل نابولي كبيرًا، وأن يجعل جماهير نابولي تحلم بما هو أكثر من اللعب بشكلٍ جيد أو الوصول للبطولة الأوروبية، بل المنافسة على البطولات، ورغم أن هذا جعله في النهاية يُنهي مسيرته مع الفريق بخيبة أمل إثر فقدان حلم تحقيق لقب الاسكوديتو بعد صراع شرس مع يوفنتوس حتى نهاية الموسم الكروي 2017/2018، لكن في النهاية، فإنه أنهى مسيرته وقصته مع البارتينوبي والكل سعيد، هو والجماهير التي عاشت معه هذا الحلم، واسم نادي نابولي الذي عاد كبيرًا معه.
تكتيك ساري، وسر لقب"السيد 33"
اشتهر المدرب الإيطالي وخاصة في فترته مع نابولي بالتشدد فيما يتعلق بطريقة اللعب وخيارات تشكيلته المستقرة في أغلب الوقت دون تغيير، لكن ساري مر بمراحل عديدة وطويلة جدًا حتى يصل لهذا المعتقد - إن صح القول.
فساري ينتمي في الأساس للمدرسة التجريبية من المدربين، فطوال سنوات طويلة في الدرجات الأدنى في كرة القدم الإيطالية جرب الكثير من طرق اللعب والأساليب المختلفة، حتى أنه عندما وصل لإيمبولي، وبعد شهور أولى، قيل إن السبب في تذبذب نتائج الفريق في موسم 2012/2013 هو أنه يجرب الكثير من طرق واستراتيجيات اللعب، حتى أنه جرب حوالي 33 أسلوبًا وتوليفة مختلفة خلال فترة الإعداد.
السبب في هذا واضح، كان ساري طوال سنواته الـ23 قبل أن يتولى تدريب إيمبولي لا يملك الوقت والمساحة من الأندية التي عمل بها ليستقر على أسلوب لعب حقيقي، صحيح أن المبادئ الأساسية لديه، وهي اللعب بدفاع متقدم والتمرير من لمسة واحدة لم يتغير، لكن تمركز وأسلوب بناء اللعب والعمل الهجومي كان يختلف كثيرًا من فريق لآخر، وخاصة أن تولى تدريب بعض الفرق المتواضعة جدًا، حتى أن عمله في بعض الوقت كان بلا فائدة، وبلا أي ثمار.
تحول ساري بمرور الوقت للنقيض تمامًا، فبعد أن اعتمد مع إيمبولي طريقة الـ4/3/1/2 لـ3 سنوات، وصل لنابولي ليغير تلك الطريقة إلى 4/3/3 بعد الشهور الأولى له في ملعب السان باولو، ولم يتخلَّ عنها وعن العناصر التي ستضمن له تحقيق ما يريد من طفرة وقفزة فنية كبيرة جدًا خلال سنواته الثلاثة له في نابولي.
وبالفعل نجح في إقناع الجميع وإمتاعهم بكرة القدم ذات الأيدولوجية الواضحة، والقوية للغاية من الجانب الهجومي، والتي ينجح فيها في جعل فريقه يخرج الكرة بشكلٍ رائع ومثالي من الخلف حتى في حالة تطبيق الضغط العالي عليه من المنافسين، كما تحول اعتماده على الهجوم من العمق إلى الاعتماد على الأطراف، وتحركات لاعبيه كاييخون وإنسيني المميزة من الطرف للعمق وخلف المدافعين، إضافة إلى خط وسط أصبح يلعب كرة قدم سريعة ومن لمسة واحدة بمنتهي السلاسة، حتى تحول خط وسط نابولي وخطه الخلفي إلى آلة دقيقة للغاية تستمتع وأنت ترى لاعبين وبشريين قادرين على جعلها تعمل بهذه الكيفية التي لا تخطىء إلا في القليل جدًا من المرات.
الأمر الذي جعل مدرب مانشستر سيتي والاسم الأشهر في العالم بيب جوارديولا، يعلن على الملأ أنه عاشق لكرة قدم ساري، حتى انه اعترف لآريجو ساكي مدرب منتخب إيطاليا السابق: كيف يفعل فريق ساري ذلك؟، إن ما يفعلونه جنوني ولم أره أبدًا في أوروبا.
https://www.youtube.com/embed/JLPQSF7I7Gkما ساعد ساري في تلك المهمة القائد التاريخي لنابولي وقائد خط وسط هامسيك إضافة إلى جورجينيو الريجيستا الملتزم، إضافة للاعبي وسط أقوياء بدنيا مثل آلان البرازيلي وفي بعض الأوقات دياوارا أو زيلينيسكي.
الحلو، والمُر
تلقى ساري بعض الانتقادات القوية في نهاية موسمه الأخير مع نابولي، وللمفارقة كانت تلك الانتقادات في العام الذي نافس فيه نابولي وبجدية على اللقب لأول مرة منذ عهد مارادونا، لأن البعض كان يرى أن ساري عليه أن يستخدم جميع لاعبيه، وهذا فيه نوع من التسرع في الحكم لأن تشكيلة نابولي القوية فنيًا لم تكن تملك العناصر المناسبة والقوية على دكة البدلاء لكي تصنع معها عملية المداورة المطلوبة.
https://www.youtube.com/embed/EIV5Vf6r-q0 من أجل ذلك كله كان من المثير للإعجاب أن ينجح ساري بهذه المجموعة منافسة يوفنتوس الذي يملك فريقين ، فريق أساسي وآخر احتياطي لا يقل بكثير عن الأساسي، وكذلك في تفوقه على أندية تملك قوة اقتصادية ومراكز تدريبية أفضل بكثير، وبالإضافة لذلك كان المثير أن لاعبي نابولي الذي اعتمد عليهم ساري لـ3 سنوات لم يشعروا بأي كلل أو ملل من تنفيذ أفكاره بإجادة طوال هذه المرحلة والفترة الطويلة نسبيًا، وخاصة دون وجود تدعيمات كبيرة من الرئيس أوريليو دي لاورنتيس.
مغامرة لندن المقبلة، وأهم ملامحها
سبق لماورتسيو العمل في لندن كجزء من مهمته كموظف في بنك توسكانيا، لذلك فهو يجيد التحدث بالإنجليزية، ولن يجد أي معوقات في التأقلم سريعًا على الحياة هناك، العائق الحقيقي الذي سيجده هو مالك النادي الروسي رومان أبراموفيتش، الذي هو أسوأ من دي لاورنتيس رئيسه السابق في نابولي، من حيث تدخله في عمله، لكما فعل مع المدربين السابقين في تشيلسي جميعًا، لكن لا يتوقع أن يحدث هذا سريعًا، ربما بعد الموسم الأول على الأرجح.
تمتع المدرب القادم من توسكانيا والمولود في نابولي، بأنه وفي لبعض لاعبيه الأوفياء له، والذين ينفذون تعليماته بحذافيرها، مثل اللاعب كروتشي الذي لعب معه منذ أن كان فريق بيسكارا عام 2003 وحتى عام 2015 مع إيمبولي، حيث تواجد معه في معظم الفرق التي دربها ساري، وهذه الخصلة تواجدت لدى ساري في جلبه للسيد هوساي وزيلينيسكي وتونيلي وفاديفيوري الذي سبق وأن دربهم في إيمبولي معه إلى نابولي، وهي الخصلة التي يمكن أن تتأكد منها هذه الأيام مع ارتباط تشيلسي بضم أكثر من لاعب من فريقه السابق نابولي.
وإذا ما نظرت لتشكيلة تشيسي، سيكون الملاحظ أن تشيلسي به بعض اللاعبين الذين يُفضلهم ساري على صعيد الخصال، وربما يعتمد عليهم طويلًا ولن يقبل ببيعهم وأولهم سيسك فابريجاس الذين سيكون حلقة وصل ممتازة ما بين الوسط والهجوم، ومثل كانتي القوي في الافتكاك وعلى الصعيد البدني والمرشح للعب دور آلان، وبالتأكيد هازارد المرشح للعب دور الجناح وربما موراتا الذي يجيد التحرك خارج الصندوق مثل ديريس ميرتنس.
لكن من ناحية أخرى فإن هناك بعض اللاعبين المرشحين للرحيل مثل أنتوني روديجير، وربما يريد ساري تعويضه بخاليدو كوليبالي الذي قدم معه أداءً ممتازًا في نابولي، فهو لاعب يفهم طريقة لعب ساري، ويفهم دوره في تدوير الكرة بالشكل الأمثل مع الظهيرين للخروج بالكرة، وقراءة تحركات زملائه، وهناك لاعبين مثل فيكتور موسيس وباكايوكو قد يكون استمرارهم محل شك كبير نظرًا لأنهم يمليون إلى اللعب في المساحات والانطلاقات بالكرة، وهو أمر لا يحبذه المدرب الإيطالي.
الرجل في الأزرق
بعد أزرق إيمبولي، وأزرق نابولي، سيكون هناك أزرق تشيلسي، لكنها ستكون تجربة مُغايرة، من المنطقي أن يقوم تشيلسي ببعض التعاقدات في وسط الميدان لكي يتم توسيع قائمة الفريق التي يمكن لساري الاعتماد عليها، خاصة أنه سيكون مجبرًا على المداورة بين لاعبيه، لأن هناك الكثير من المباريات في إنجلترا ومسابقات الكؤوس التي سترهق العناصر الأساسية كثيرًا، وهنا ستكون المهمة الصعبة لساري، هل يستطيع أن يجعل هذا العدد من اللاعبين (أكثر من 20 لاعب على الأقل) قادرين على أن يتشربوا مبادئه في الشهور الاولى بالشكل المُرضي؟
التشكيلة المتوقعة مع ساري: كورتوا في حراسة المرمى- آزبليكويتا ظهير أيمن - روديجير (كوليبالي) - كريستينسين (ديفيد لويز) في قلب الدفاع- إيمرسون بالميري ظهير أيسر- نجولو كانتي - سيسك فابريجاس(جورجينيو)- (ماريك هامسيك أو لاعب وسط جديد يجيد لعب دور لاعب البوكس تو بوكس)- خط الهجوم: إيدين هازارد وبيدرو (ويليان) على الأطراف- ألفارو موراتا (أوليفييه جيرو) في مركز رأس الحربة.
من الممكن كذلك أن يُجرب ساري طريقة الـ4/3/1/2 وأن يجعل هازارد يلعب كصانع ألعاب صريح، وميزة هذه الخطة أنها تجعل اللاعبين أكثر قربًا لبعضهم البعض، وأنه تسمح للفريق أحيانًا باللعب على المرتدات، ولكنه سيحتاج حينها لاثنين من المهاجمين ، وأن يمتلك أحدهما على الأقل قدرات فنية أعلى حيث سيكون من الصعب أن يلعب موراتا وجيرو معًا، وهناك ترشيح لاسم جونزالو هيجواين الذي كان أكثر اللاعبين المُفضلين لساري في فترة نابولي، وإن كان المهاجم الأرجنتيني الآن أقل خفة ورشاقة من الماضي، ولكن الحصول عليه من يوفنتوس لا يبدو صعبًا بعد أن تعاقد هذا الأخير مع البرتغالي كريستيانو رونالدو.
على الرغم من تأخر إعلان قدوم ساري لتشيلسي، لكن نجح البلوز في الاتفاق على وصول لاعب وسط نابولي وأحد اللاعبين المميزين في تشكيلة نابولي في فترة ساري وهو البرازيلي-الإيطالي جورجينيو، وسيكون ساري سعيدًا بامتلاك لاعبًا مثله، قادر على ضبط ايقاع الفريق في عملية بناء اللعب من الخلف، وربما الهدف الثاني هو قلب دفاع قوي مثل السنغالي خاليدو كوليبالي أو الإيطالي الشاب دانييلي روجاني، وربما يكون هامسيك من ضمن الحسابات، فهو لاعب يعرف جيدًا كيف يعمل ساري، ولكن ربما لا يتحمل تشيلسي اثنين من اللاعبين فوق الثلاثين عامًا في نفس المركز، فبدون هامسيك هناك فابريجاس الذي لم يعد بنفس الجاهزية البدنية التي كان عليها في السابق. وكذلك ارتبط تشيلسي بالجناح الروسي السريع والشاب جولوفين بعد تألقه في نهائيات كأس العالم.
ستكون الفقرة القادمة صعبة على المدرب الإيطالي، وعلى ناديه، خاصة وأن نهاية سوق الانتقالات ستكون في 9 أغسطس/ آب المقبل قبل انطلاقة الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو ما يجعل فترة السوق مضغوطة وصعبة.
في النهاية سيكون من الممتع رؤية ساري في لندن، وفي الدوري الإنجليزي محملًا بأفكاره التي بناها طوال 3 عقود من الزمان، حيث سيكون عليه مواجهة العديد من عمالقة التدريب في العالم، ليثبت أن مدرسة التدريب الإيطالية مازالت قادرة على أن تأتي بالجديد والمختلف، بكرة قدم هجومية دقيقة، مُنظمة وناجعة.