توحد هتاف الجميع حول المطالبة بالحريات والديمقراطية وإعداد البلاد للحرب واسترداد الأرض المحتلة.
في مايو 1968، انتفض طلاب باريس ضد السلطات في بلادهم مشعلين موجة عالمية من مظاهرات الطلاب والعمال، عُرِفت منذ وقتها بثورة الشباب. أنتجت هذه الثورة الباريسية روحًا نضالية تباينت مطالبها من دولة لأخرى.
ولكن في مصر، وقبل بدء ثورة الطلبة الباريسية، واصلت الحركة الطلابية المصرية نضالها التاريخي منذ ثورات الطلاب الأزهريين ضد حكم المماليك ثم مقاومة الاحتلال الفرنسي، وصولاً لانتفاضاتهم في 1919 و1936. فقبل ثورة الشباب بثلاثة أشهر، وفي فبراير 1968، انتفض الطلاب المصريون ضد السلطات الحاكمة وعلى رأسها جمال عبد الناصر، رافضين الأحكام الهزيلة الصادرة بحق قادة الطيران، فيما بدت تلك الأحكام للبعض صفقة لتقديم بعض الرؤوس على مذبح الرأي العام، فداءً للمسؤولين الحقيقيين عن الهزيمة في يونيو 1967.
في الذكرى الخمسين لثورة الشباب العالمية، يقدم عضو منظمة الشباب وقتها وأحد قادة المظاهرات، والقيادي اليساري عبد الغفار شكر، شهادته على غضبة الشباب في مصر 1968، والتي نجحت في تحقيق بعض أهدافها.
كانت هزيمة يونيو 1967 بمثابة نقطة تحول حاسمة فى مسيرة الشباب المصري، وبصفة خاصة أعضاء منظمة الشباب الاشتراكي، باعتبارهم القطاع الأكثر تنظيمًا، والذي تم إعداده فكريًا وسياسيًا وتنظيميًا ليقود باقي قطاعات الشباب. ولذلك؛ كان من الطبيعي أن يكون أعضاء منظمة الشباب هم الأسرع والأوسع تحركًا في رد الفعل تجاه هزيمة الجيش المصري في يونيو 1967.
أصابت الهزيمة أعضاء المنظمة بخيبة أمل كبيرة. وانهارت أمام أعينهم فى ساعات آمال كبار عاشوها لسنوات، وكان التفكير الغالب عليهم ضرورة إجراء تغيير واسع النطاق ومحاسبة المسئولين عن الهزيمة، وأن يكون لجماهير الشعب دور كبير فى مواجهة العدوان وتحرير الأرض المحتلة.
اقرأ أيضًا: مايو 68.. "الليلك" اللي فتَّح في حواري باريس
وشهدت الجامعات المصرية والنقابات العمالية والمهنية مناقشات واسعة حول الهزيمة وأسبابها، وضرورة محاسبة المسؤولين عنها، ووضع برنامج محدد لمواجهة نتائجها والتغلب على آثارها، وإعداد الجبهة الداخلية لمواجهة العدوان. واستمرت هذه النقاشات طوال عام 1967، وانعكست على مواقف الشباب من التنظيمات السياسية القائمة كالاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب الاشتراكي، والمطالبة بإجراء تغييرات جوهرية فيها؛ بحيث تكون قادرة على الوفاء بمتطلبات مواجهة آثار العدوان.
وفي 20 فبراير/شباط 1968 صدرت أحكام بحق قادة سلاح الطيران، اعتبرها الشباب أحكامًا هزيلة لا تتناسب مع حجم الجرم الذي ارتكبه هؤلاء القادة، والذي أدى إلى تدمير سلاح الطيران في المطارات (على الأرض ودون اشتباك)، وهو ما أدى إلى حرمان القوات المصرية في سيناء من الغطاء الجوي الذي يحميها من الطيران الإسرائيلي، وكان هذا الوضع هو السبب الأول والأكبر في إلحاق هذه الهزيمة النكراء بالجيش المصري.
وخلال ساعات من إعلان الأحكام، جرت مناقشات في الجامعات والمصانع وأماكن تجمع الشباب الأخرى، انتهت بانفجار المظاهرات صباح اليوم التالي (21 فبراير 1968)، وكان على رأسها أعضاء منظمة الشباب الاشتراكي في جامعتي القاهرة وعين شمس، وفي مصانع حلوان. ومن بين طلاب جامعة القاهرة الذين قادوا هذه المظاهرات أحمد عبد الحميد شرف الطالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعضو اللجنة المركزية للمنظمة، وأسامة الغزالي حرب الطالب بنفس الكلية ورشيق رفعت عضو اللجنة المركزية للمنظمة، والطالب في كلية الهندسة، وكذلك محمد فريد حسنين الطالب بنفس الكلية وعضو المنظمة (رجل أعمال حاليا).
اتجهت المظاهرة من جامعة القاهرة إلى مجلس الشعب حيث بدأت هتافاتها "غيّر غيّر يا جمال" وعندما وصلت إلى مجلس الشعب كان هتافها "أنور أنور يا سادات أين قانون الحريات" وكان السادات وقتها رئيسًا للمجلس. والتقت هذه المظاهرة أمام مجلس الشعب بمظاهرة أخرى قادمة من جامعة عين شمس، يقودها بعض أعضاء المنظمة مثل الطالب هاني الحسيني (كلية التجارة). وتوحَّد هتاف الجميع حول المطالبة بالحريات والديمقراطية وإعداد البلاد للحرب واسترداد الأرض المحتلة.
وفي حلوان بدأت المظاهرات في مصنع 36 الحربي بقيادة مقرر وأعضاء المنظمة في المصنع، ثم انضم إليهم عمال المصنعين 135 و365، وكلها مصانع للطائرات الحربية. وكان معظم المقبوض عليهم في هذه التظاهرات من أعضاء المنظمة.
وسرعان ما شملت المظاهرات جميع الجامعات المصرية ومعظم المصانع في كل أنحاء الجمهورية، مما اضطر جمال عبد الناصر إلى عقد اجتماع للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي، حيث استمع إلى تقرير شامل حول المظاهرات والشعارات التي رفعتها والمطالب التي نادت بها. وتعقيبا على هذا التقرير قال جمال عبد الناصر "من الواضح أن هؤلاء الشباب يريدون الديمقراطية وتغييرات في الحكم تحقق ذلك، وليس مجرد إعادة محاكمة قيادات الطيران".
وقام عبد الناصر بجولة في الجمهورية شملت جامعتي القاهرة والأسكندرية، ومدينتي المنصورة ودمنهور. وفي هذه اللقاءات الجماهيرية أعلن استجابته لمطالب الشباب بإجراء تحول ديمقراطي في نظام الحكم بعد تحرير الأرض المحتلة. وأصدر برنامج 30 مارس الذي يتضمن الخطوط العريضة للتحولات المطلوبة في نظام الحكم وفي المجتمع.
لكن ذلك لم يقنع الشباب، فقد تكررت المظاهرات في نوفمبر 1968 داعية إلى نفس المطالب. وكانت قياداتها من بين أعضاء المنظمة في ذلك الوقت منهم الأستاذ الدكتور محمد عصمت زين الدين، وأمين اتحاد طلاب جامعة الأسكندرية، وعاطف محمد الشاطر، ومحمد خيرت الشاطر، وعبد الحكيم تيمور الملواني الطلاب بكلية الهندسة بجامعة الأسكندرية.
واضطر جمال عبد الناصر إلى دعوة اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي للاجتماع لمناقشة الوضع وفي نهاية المناقشات قال "أنا في رأيي إن إحنا مش قادرين نقود الطلبة، ولازم نواجه الأمور بصراحة وبوضوح. فإذا لم نكن قادرين على القيادة، فيجب أن نحكم وأن نوقف نشاط المنظمة في الجامعات المصرية وإخضاعها لقيادة الاتحاد الاشتراكي. إن الأوضاع التي تمر بها البلاد تحتم علينا أن نقوم بواجبنا في الحكم ولا ننتظر إلى حين توفر القدرة على القيادة من خلال العمل السياسي".
وهكذا أدت هزيمة يونيو 1967 إلى تقليص دور منظمة الشباب الاشتراكي. ولم تعد للنظام قدرة على مواصلة إعداد الشباب فكريًا وسياسيًا وتنظيميًا للقيادة، فترتب على الوضع الجديد انسحاب معظم القيادات الفاعلة من المنظمة، والتحول إلى استخدام الاتحادات الطلابية في الجامعة لممارسة دورهم الوطني، واستخدموا ما توفر لهم من معارف وخبرات فى صياغة برنامج وطني ديمقراطي تقدمي للتحرير، تم طرحه في انتخابات الاتحادات الطلابية وكان أساس الانتفاضة الطلابية التي سادت الجامعات المصرية منذ عام 1971* إلى قيام الجيش المصري بالعبور إلى سيناء وتحرير الأرض المحتلة. ومن الجدير بالذكر ان هذا البرنامج يقوم علي:
ـ بناء اقتصاد الحرب، وتحقيق العدالة فى توزيع أعباء الحرب بين المواطنين.
ـ المشاركة الشعبية فى تحرير الأرض المحتلة بما فى ذلك الإعداد لحرب تحرير شعبية.
ـ تحقيق مزيد من الحريات السياسية، والديمقراطية التي تتيح فرص المشاركة الواسعة أمام الجماهير.
ـ تحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
ـ محاسبة المسؤولين عن الهزيمة وإحداث تغييرات جوهرية في القيادات القائمة وأساليب العمل.
وقد تغير موقف القيادة السياسية من منظمة الشباب الاشتراكي. نتيجة لهذا الاختلاف في الرؤية حول أولويات العمل الوطني، حيث غلَّبت القيادة السياسية منطق الدولة، بينما انحاز الشباب الاشتراكي لمنطق الثورة. وترتب على هذا الخلاف في المواقف تَصَاعُد المواجهة بين أعضاء المنظمة ودائرة الحكم لسنوات طويلة.
(*)- بدأ التذمر في أوساط الطلاب في عام 1971 بعد ما سُمِّي بثورة التصحيح والقضاء على مراكز القوى التي قام بها الرئيس الأسبق انور السادات، وتطور الأمر إلى صدام وانتفاضة حقيقية لطلاب في يناير 1972. واستمرت المظاهرات المُطالبة بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية وتحرير الأرض حتى العبور في 1973.