من استوديو في التليفزيون الرسمي للدولة إلى زنزانة وإخلاء سبيل على ذمة قضية؛ تغيّر موقع الإعلامي خيري رمضان، بصورة مفاجئة. أما السبب فكان اتهامه بـ"الإساءة لرجال الشرطة"، وبها أُحيل لتحقيق صدر بموجبه قرارًا بحبسه 4 أيام، وهو الأمر الذي لم يكن رمضان يتوقعه ولا يُريده، لا هو ولا ما أثير معه من ضجّة لم يُنهيها قرار إخلاء سبيله الذي صدر ظُهر اليوم مُقابل كفالة 10 آلاف جُنيه.
الحلقة التي اتهم بسببها خيري رمضان بـ"إهانة الشُرطة ونشر أخبار كاذبة" تعود إلى يوم 18 فبراير/ شباط الماضي، أي قبل أسبوعين تقريبًا من القبض عليه، والذي أتى بعد أيام قليلة من وصف الرئيس ﻷي إساءة توّجه للجيش والشرطة بأنها "تساوي خيانة عُظمى".
الجيش والشُرطة، وبكلمة من الرئيس، اكتسبا مزيد من الحصانة، وخيري رمضان بواقعة حبسه قصير المُدّة صار نموذجًا لكل من "يُسئ" ولو بُحسن نيّة، ومن أزمته هذه التي تتشابه مع حالات أخرى سيق بسببها مواطنون إلى ساحات المحاكم بتهمة "الإساءة، الأكاذيب، نشر الشائعات، التأثير على المعنويات……." فقط ﻷنهم تحدّثوا في وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي، يُمكن استخلاص عِبَر ودروس مُستفادة وقواعد للنجاة في مُجتمع أغلب مؤسساته وشخصياته العامة مُفرطة الحساسية مُرهفة الحِسّ.
أولاً: إياك والمحصّنين
وهم هؤلاء الأشخاص أو تلك الجهات التي اكتسبت حصانة، لا عن محسوبية أو افتئات، بل عن استحقاق وجدارة، فهم- كما جرى العُرف- واجهة مصر التي لا يصح أن توجه لهم أي إساءة، حتى لو ظننت أنت بالخطأ أنها من قبيل ما يُسمّى بالنقد البنّاء أو الرأي، وأبرز من في قائمتهم:
- الرئيس: لا يُمكن توجيه إساءة ﻷب كل المصريين وراعيهم، ولا حتى لمؤسسته "رئاسة الجمهورية"، وكلما أمرتك نفسك بالسوء وقررت الحديث عنه، كُن رقيبًا على نفسك، وتذكر المقولة الشهيرة للكابتن حُسام حسن "اعتبره ابوك يا أخي".
- الجيش والشُرطة: لن نُكرر الحديث المُطول عن تضحياتهم أو وجهة النظر التي يتبناها الشُرفاء من أبناء الشعب من كون هؤلاء "بيموتوا علشاننا.. ولو مش عاجبك أنت انزل احمي الحدود"، فهم من الآن في ذمّة الرئيس وتحت حمايته، وبالقانون.
- القضاء: فالقاعدة الشهيرة منذ الأزل هي "لا تعليق على القضاء وأحكامه".
** تُطبق الشروط والأحكام فيما يتعلق أيضًا بالحديث عن أعضاء النيابة العامة.
- الأزهر: حتى لو قرر مدّ دوره بعيدًا عن أساس عمله الديني الدعوي، حتى لو انخرط في السياسة والمجال العام، أو أبدى رجاله أراءً أو فتاوى يراها البعض غريبة أو مُثيرة للجدل، فلا صحّ أن يُعامل معاملة المنخرطين في الحياة العامة، فأولاً وأخيرًا هو الأزهر. وتذكّر أن لحوم العُلماء مسمومة.
** تطبق شروط وأحكام الأزهر فيما يتعلق بالحديث عن دار الإفتاء أو شيوخ الفضائيات المتمتعين بشعبية، وبالطبع على الكنيسة.
- مجلس النواب: فبعيدًا عن كون مَن تحت القُبة أشخاص مسؤولين عن واحدة من السُلطات الثلاث الحاكمة للبلاد، إلاّ أنهم لا ينسون الإساءة. ما حدث للكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، إذ اختصمه رئيس المجلس بدعوى قضائية، مثالاً لا يُنسي.
ثانيًا: احتياطات عامة
أما وقد علمت مَن لا يجب أن تمسّهم كلماتك، فالآن عليك أن تتبع بعض الخطوات والمحاذير، التي قد تُساهم في تجنّب العواقب الوخيمة.
- إياك والإساءة: وبما أنها أمر لا يُمكن تقديم تعريف مُناسب لها، بحيث يكون فاصلاً في التفريق بينها وبين النقد الذي يُفترض فيه أن يكون مُباحًا ﻷي جهة أو شخص أو جهة طالما كان موضوعيًا، أو بينها وبين الرأي.. فمن باب الاحتياط، كُن رقيب نفسك، ومن الآن اعتبر ما ستوجهه من انتقاد أو رأي بمثابة الإساءة.
- إياك وتصديق الأجانب، بل حتى مُجرد الاستماع إليهم: سواء كان الأجنبي وسائل إعلامية أو منظمات حقوق الإنسان، فكما نعلم جميعًا أن هذه الجهات ودونًا عن كل دول العالم، تفرّغت للتآمر على مصر وهدم استقرارها.
- اﻷرشيف الأبيض ينفع في اليوم الأسود: حين ألقي القبض على خيري رمضان، دافع عنه البعض- من بينهم زميلته لميس الحديدي- باعتباره "من أكثر المُدافعين عن الشُرطة".
- تعاطف بهدوء: القبض على خيري رمضان، كان لأنه تحدّث متضامنًا عن زوجة ضابط شُرطة، تواجه مصاعب مادية. وعلى الرغم من أنه هاجم مَن انتقدوا تخصيص رواتب مرتفعة للشرطة، وتحدث عن أفرادها بعبارات البطولة والفداء، إلاّ أن مُطالبته برواتب أفضل للشُرطيين أُخِذَت على محمل الإهانة.
** لا داعي لذكر أن التضامن مع سُجناء أو مثليين أو أتباع الديانات غير الإبراهيمية، غير مُحبّذ.
- لا تنس الأخ الأكبر: ولا يُشترط أن يكون تابعًا للدولة كما في رواية جورج أورويل، فاﻷخ الأكبر قد يأتيك في صورة مواطن على فيسبوك لم يعجبه حديثك، أو محام شبه مُتفرّغ لتقديم البلاغات.
- لا تحدّثني عن حقوق الإنسان أو الحُريّات: سواء التي يُقرّها الدستور أو المواثيق الدولية التي صدّقت عليها مصر، ليس فقط ﻷن الوقت - في أغلب الأوقات- غير مُناسب ، لكن ﻷنها موجودة بالفعل، ويكفي أننا كما يقول الشُرفاء من أبناء الشعب "لسنا مثل سوريا أو العراق".
- أياك وغضبهم: وهم هنا تعود على الجهات الرسمية. من باب العلم بالشئ، البلاغ الذي أُحيل بسببه خيري رمضان للنيابة العامة، كان مُقدمّا من وزارة الداخلية. تذكر أن وزيرة الثقافة، ومن باب الانتصار لمؤسسات الدولة، قدّمت بلاغًا ضد عرض مسرحي، وهذا يُحيلنا قاعدة أخرى هي: لا وقت للإبداع.. ليس الآن.
- لا تمزح: ليس ﻷن مصير الساخرين سيء، باسم يوسف وفريق SNL بالعربي مثالاً، لكن أيضًا ﻷن الوقت هو للعمل الجاد من أجل بناء الوطن، وليس للمُزاح. كما أن للمُزاح حدود، فما معنى أن تُطلق حملة اسمها "لا والنبي يا عبدو" تُطالب الرئيس بعدم الترشح مرّة ثانية.
ثالثًا: من أجل مُستقبل أفضل
- ترقّب افتتاح "أكاديمية تعليم الناس يعني إيه دولة"، والتي قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه سيفتتحها، ليُلحق بها كل مَن يُريد التصدي للشأن العام.
- اتّبع نصيحة الرئيس فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي، وهو القائل:
- أخيرًا، تذكّر أننا أبناء شعب مُُحافظ، لدرجة أن رئيسًا هو أنور السادات، أقر منذ عقود مضت "قانون العيب"، كان هدفه "حماية أمن المجتمع مما يسئ إلى الديمقراطية وينال من عائدها الطبيعي في خلق مجتمع الأنفع والأكرم والأسمى"، وبرلمانه ناقش مشروع قانون لتجريم إهانة "الرموز"