سحابة ترابية تلوث الجو، صوت معاول هَدم طَغت على ضجيج السيارات المارة، رجال على الأسطح في زيهم الرصاصي، يَقطعون جزءًا من تاريخ القاهرة، يحَّطمون آثرًا حَفظ بين جنباته وقائع زمن قيِل إنه "أصيل"، يحدث هذا وربما أكثر لفندق للكونتننتال في قلب القاهرة.
ما كادت شمس الأحد قبل الماضي تطل على سماء القاهرة، حتى شرعت معاول شركة إيجوث في هدم فندق الكونتننتال التاريخي بميدان الأوبرا بوسط القاهرة، في مخالفة قانونية، رغم أن المهلة الزمنية لرخصة هدم الفندق انتهت في 1 فبراير/شباط 2017، بعد مضي عام على إصدارها في فبراير من العام السابق، وذلك وفقًا لما ذكره جمال محيي، رئيس حي عابدين السابق، في تصريحات سابقة لموقع منطقتي.
من جانبه، ينفي المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، في تصريح تلفزيوني، الحديث عن هدم فندق الكونتيننتال، مشيرًا إلى أن ما يتم هو تجديد الواجهات وتعديلات داخلية، وفقًا للقانون والرخصة الصادرة له.
اقرأ أيضًا: قصة الفندق رقم 10
غير أن اللواء محمد أيمن نائب محافظ القاهرة للمنطقتين الشمالية والغربية في حديثه للمنصة يبرر بدء إيجوث عملية هدم فندق الكونتننتال رغم انتهاء رخصة الهدم، قائلاً: "ايه المشكلة.. فيه قرار صدر بالهدم ولم يتم.. ورخصة الهدم تم تجديدها"، ويتابع:"القرار صدر بالتنفيذ للخطورة".
لكن الدكتورة مونيكا حنا، رئيس وحدة الآثار والتراث الحضاري بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وأحد المهتمين بآثار منطقة وسط القاهرة، تعترض على طريقة هدم الفندق التي وصفتها بـ "العشوائية". موضحةً أن طريقة الهدم خاطئة، لأن بنود رخصة الهدم تتضمن الحفاظ على واجهة الفندق التاريخي كأثر، وهذا يتطلب إجراءات هندسية معينة، على سبيل المثال إقامة "شدّات – صلبات" وغيرها.
وتقول حنا في حديثها للمنصة، إنها ومجموعة من المهتمين بالآثار سيحررون مناشدة لرئاسة الجمهورية، فضلًا عن اتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد شركة إيجوث لوقف الهدم. متسائلةً حول مدى قانونية الهدم في ضوء انتهاء مدة رخصة الهدم قبل عام مضى.
وحول هذا، يعاود نائب محافظ القاهرة، اللواء محمد أيمن معلقًا أنه يجب إعادة إنشاء الفندق بنفس المواصفات والمعايير والاحتفاظ بالواجهة، "يعني مثلاً سور سلم – داربزين سلم – حديد مش عارف بتاع إيه.. وهكذا"، كل هذا سيتم إعادة تركيبه مرة أخرى.
ويحتوي قرار مجلس الوزراء أيضًا على ضرورة التفاوض مع أصحاب المحلات الذين يرغبون في الاستمرار في محلاتهم بتحرير عقود إيجارية جديدة بديلة وقيمة إيجارية بديلة، أو تعويض أصحاب المحلات الذين يرغبون في ترك محلاتهم، والحفاظ على الواجهة المُطلة على شارع عدلي مع استمرار تسجيل المبنى ضمن سلسلة الطراز المعماري المميز وإعادة البناء على أن يُحتفَظ بالشكل المعماري الحالي لباقي واجهات المبنى الأصلي، بناءً على موافقة رئيس اللجنة الدائمة لحصر المباني ذات الطراز المعماري المميز".
ويرد اللواء أيمن قائلًا "تم التأكيد على شركة إيجوث للقيام بذلك، وأنها في تواصل مع الأهالي من أجل ذلك". متابعًا أن الهدم سيتم بشكل مرحلي ولا ينتقل من مرحلة إلى أخرى إلا من خلال الحي فقط، وأنه سيتم هدم الطابقين الثالث والرابع فقط خلال هذه المرحلة، لأنهم يمثلون "الخطورة"، ثم يُنظر في الأمر من جانب الحي والمحافظة.
من جانبه، يقول الدكتور السعيد حلمي رئيس الإدارة المركزية للآثار الإسلامية والقبطية بالقاهرة والجيزة في حديثه للمنصة، إن ملف فندق الكونتننتال لم يُعرض على وزارة الآثار، ولم تؤخذ وجهة نظرها في طريقة هدمه، لافتًا إلى أنه مُسجل ضمن التراث المعماري المميز وبالتالي المسؤولان عنه بشكل مباشر هما محافظة القاهرة وجهاز التنسيق الحضاري.
ويوضح حلمي أن رغم مرور 100 عام على بناء الفندق، إلا أن قرار الأمانة العامة لوزارة الآثار استثنته من الضم، لأنه يجب أن يكون هناك تقرير هندسي يضمن سلامة المنشأة وهذا لم يتوفر في الفندق. متابعًا أن وزارة الآثار اكتفت بأنه مُسجل ضمن التراث الحضاري المميز، وبالتالي يمكن الدفاع عنه وعدم التعرض له بالهدم، وأن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها محاولة هدم الفندق.
ويقول :"يعز عليّ جدًا هدم الفندق، رغم مرور 100 سنة على إنشائه، وعدم تسجيله كأثر، لأنه ممكن الاستفادة منه من خلال ترميمه والمحافظة عليه، لأنه من أبرز معالم القاهرة الخديوية التي بناها الخديوي إسماعيل". مشيرًا إلى بدء وزارة الآثار مؤخرًا في تسجيل مباني وقصور أسرة محمد علي ضمن سجلات الوزارة –باعتبارها آثار- وذلك بالنسبة للفترة التي تنحصر في المدة من 1848 وحتى 1952، وذلك لأول مرة في تاريخ مصر.
في حين يخالف الدكتور رأفت النبراوي عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة السابق، رأي وزارة الآثار قائلًا "طالما مر عليه 100 سنة ويحتوي على نقوش أو زخارف أو غيرها يصبح خاضعًا لقانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 الخاص بحماية الآثار".
وبحسب المادة رقم 1 من قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمُعدل بالقانون رقم 3 لعام 2010، يُعد أثرًا كل نتاج للحضارة المصرية أو الحضارات المتعاقبة ونتاج العلوم والفنون والآداب التي قامت على أرض مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى ما قبل 100 عام. وأن يكون ذا قيمة أثرية أو فنية أو أهمية تاريخية باعتباره مظهر من مظاهر الحضارة المصرية أو الحضارات الأخرى التي قامت على أرض مصر وله صلة تاريخية بها.
ويقول النبراوي في حديثه للمنصة، إنه طبقًا لمُتن القانون لا يجوز الهدم أو الترميم للكونتننتال؛ إلا بعد العرض على وزير الآثار والمتخصصين لإبداء رأيه حول الهدم. متابعًا "أي أثر ليس ملك مصر وحدها ولكنه ملك الإنسانية ويجب الحفاظ عليه".
وحول استثناءه من التسجيل بدفاتر وزارة الآثار، يوضح النبراوي، أن الوزارة لا تملك استبعاد أي أثر من سجلاتها، وأن ذلك يستلزم تحرير تقرير آثري وهندسي حول طبيعة فندق الكونتننتال وحالته المعمارية، ثم عرضه على اللجنة الدائمة المُتخصصة بالوزارة، وهي من تُبدي الرأي حوله، ومن يخالف هذه الإجراءات، يُعاقب قانونًا. لافتًا إلى وجود قصور من جانب وزارة الآثار حول تسجيلها المباني والفنادق والقصور خلال الفترة المعروفة باسم "فترة حكم أولاد محمد علي" التي تنحصر بين 1848 وحتى عام 1952.
التفاوض مع المستأجرين
صلاح شعشاعة، أحد مستأجري محلات فندق الكونتننتال، يقول في حديثه للمنصة، إن شركة إيجوث تُخالف مبادئ رخصة الهدم من حيث وجوبية التفاوض مع المستأجرين، لافتًا إلى لجوئهم للأجهزة القضائية بتحرير دعاوى ضد الشركة.
ويتهم شعشاعة، نائب المحافظ اللواء محمد أيمن بالوقوف بجانب شركة إيجوث في قرار الهدم، وذلك من خلال الاستناد إلى تقرير هندسي لمكتب شركة "إيكو" للاستشارات الهندسية التي يديرها الدكتور علي عبد الرحمن محافظ الجيزة السابق.
ويعلق الدكتور علي عبد الرحمن، رئيس مكتب شركة إيكو الاستشاري الهندسي المُكلف بوضع خطة هدم فندق الكونتننتال، بأن مبنى الفندق الحالي ليس هو المبنى الأصلي القديم، لافتًا إلى وجود اختلافات واضحة في الحوائط والجدران مما يدل على تداخل فترات البناء. بما يعني أن بعض حوائط الفندق الحاملة مبنية من الطوب المُصمت وأخرى من الطوب المُفرغ أو الطوب المُسلح، ناهيك عن اختلاف الأسقف التي يتكون بعضها من الخشب أو الحديد أو الصاج.
ويستدل عبد الرحمن في حديثه للمنصة على ذلك، ببعض الصور المُلتقطة للفندق والمُعدة في كتالوج خطة الهدم الذي أعده مكتبه الاستشاري.
ويضيف أنه مع ارتفاع المياه الجوفية في محافظة القاهرة على مر السنين، عانت أساسات الفندق من التَّملح، إضافة إلى سوء حال البناء نتيجة لسوء التصرف أثناء فترة تشغيله. متابعًا أن ما يؤيد ذلك انهيار بعض حوائط الفندق خلال الـ 10 أعوام الأخيرة.
ويوضح أن مكتبه الاستشاري وضع خطة للحفاظ على واجهة الفندق ناحية شارع عدلي طبقًا لقرار مجلس الوزراء، أثناء الهدم وثباتها في فترة الإنشاء وربطها بالبناء الجديد، مشيرًا إلى أنها تشمل الواجهة المطلة على شارع عدلي بما يتضمنه من شرفات وبلكونات ونوافذ وفتحات. ويقول إنه أبرم عقدًا منفصلًا مع إيجوث بشأن هذا الحائط، بعيدًا عن عقد مقاولة الهدم، ومن أجل ذلك سيُستخدم نحو 250 طنًا من حديد الصلب أثناء البناء للحفاظ على الواجهة.
كما أنه تم تقسيم الهدم على مراحل ثلاث، المرحلة الأولى تشمل هدم الطابقين الثالث والرابع وتشمل الجزء الأوسط غير المشغول من جانب المستأجرين، وإذا وُجد في المرحلة الثانية شاغلين للفندق سيتم التعامل معهم قبل الهدم، بحسب رئيس المكتب الاستشاري.
فضلًا عن توثيق كل مقتنيات الفندق الأثرية من قبِل لجنة بوزارة الآثار بالتعاون مع جهاز التنسيق الحضاري، وسيُعاد وضعها في أماكنها بالبناء الجديد للفندق، وفقًا للدكتور علي عبد الرحمن، الذي يتابع قائلًا:"خطة الفندق الجديد تم عرضها على جهاز التنسيق الحضاري الذي اعترض على بعض المحاور، إذ يجب المحافظة على نفس النسق المعماري والارتفاع، ويتم تعديلها من قبِل المكتب الاستشاري المعماري".
وسيتم بناء الفندق على نفس المسطح الحالي من الأرض الذي يُشَكل ما يشبه حرف "h" ولكن مع زيادة مساحة غرف الفندق لتناسب رخصة البناء "5 نجوم"، علاوة على ممر تجاري، بحسب رئيس المكتب الاستشاري، الذي رفض تقدير قيمة إنشاءات الفندق الجديد، متعللًا بأن تكاليف الفنادق الجديد لا تكون في الإنشاءات، ولكن في التشطبيات والأعمال الكهربائية، وأن نصيب شركته من التكلفة الكلية نحو 15% فقط من أعمال الإنشاء.
من جانبها، بررت شركة إيجوث هدمها الفندق، وذكرت في بيان لها أن ذلك يجري حرصًا على حياة المواطنين وتفاديًا لما وصفته بالخطر الداهم على المارة وأصحاب المحلات. مشيرةً إلى أنها بدأت في تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 12/1/16/4 بتاريخ 31/12/2016 وهو قرار رخصة الهدم الذي اعتبر العقار "آيل للسقوط".
وختمت إيجوث بيانها بأنها "ستقوم بتعويض مستأجري المحلات مع تعهدها بمنح المستأجرين عقود إيجارية جديدة لنفس المساحات" دون توقيت محدد أو التعرض لما ذُكر في قرار رخصة الهدم من مبادئ ثلاثة.