تصميم أحمد بلال، المنصة، 2025
الكاردينال العراقي لويس ساكو بطريرك كنيسة الكلدان الكاثوليك هو الصوت المشرقي الوحيد في مجمع انتخاب بابا جديد للفاتيكان

من عزلة إلى عزلة.. متى نرى بابا عربيًا في الفاتيكان؟

منشور الثلاثاء 6 مايو 2025

من بين 132 كاردينالًا سيغلقون في الثالثة من مساء غدٍ الأربعاء مجمعهم المقدس في كنيسة سيستينا في روما، لاختيار بابا جديد للفاتيكان، وحدُه العراقي لويس ساكو، بطريرك الكلدان الكاثوليك، الذي يمثل العرب ويملك صوتًا انتخابيًا وفرصةً للجلوس على كرسي البابا، لكن عزلة الكنائس الشرقية في التصويت والانتخاب يزيدها صعوبةً.

فمع النهاية الوشيكة لفترة "الكرسي الشاغر"؛ وهي الفترة الانتقالية بين وفاة البابا واختيارِ مجمع الكرادلة، الهيئة العليا في الكنيسة الكاثوليكية، خليفتَه من بينهم، ستقطع دولة الفاتيكان الاتصالات داخلها حتى ظهور الدخان الأبيض معلنًا نهاية شغور كرسيِّ القديس بطرس، بعد عملية انتخاب معقدة.

ويتولى مجمع الكرادلة، الذي يضم 170 كاردينالًا، منهم 132 لم يتجاوزوا سن الثمانين يحق لهم التصويت أو أن يرشحهم آخرون، مهمة انتخاب البابا الجديد.

من عزلة إلى عزلة

شغل الكاردينال لويس ساكو بطريركية كنيسة الكلدان الكاثوليك منذ 2013، وقبل خمس سنوات ترقى لرتبة كاردينال بقرار من البابا فرنسيس في 28 يونيو/حزيران 2018، ليصبح عندها عضوًا في مجمع الكرادلة.

البطريرك لويس ساكو يتوسط أعضاء الجمعيات الكلدانية في فرنسا، 2 مايو 2025

لكن ساكو، الذي انحصرت فيه منفردًا كتلة الكنائس الشرقية، لم يكن بعيدًا عن التعقيدات السياسية في المشهد العراقي، بالأخص مع الأزمة السياسية التي واجهها العام الماضي بسبب خلافه مع حركة بابليون التابعة للحشد الشعبي، التي انتهت بانسحابه من المقر البطريركي في بغداد إلى أحد الأديرة في كردستان، بعد قرار الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد تقليص صلاحياته الإدارية.

يترك ساكو عزلته السياسية في بلده العراق، ليجد في مجمع الكرادلة عزلة أخرى؛ فغياب كرادلة المنطقة العربية عن هذا الحدث يعكس ضَعف التمثيل الكاثوليكي في المنطقة التي عانت من هجرات المسيحيين بسبب الاضطهاد، وهو الخطر الذي سبق وناقشه باستفاضة مجلس كنائس الشرق الأوسط.

حتى في الدول التي تشهد أقلية مسيحية كبيرة نسبيًا مثل مصر، لا يمثل الكاثوليك سوى فئة قليلة بين المسيحيين، رغم وجود كنائس كاثوليكية مختلفة أكبرها بطريركية الأقباط الكاثوليك التي تتبع التقليد السكندري. ولدى الأقباط الكاثوليك الحق في الاحتفاظ بعاداتهم الكنسية القبطية الخاصة مثل الصلاة باللغة القبطية. 

وفقدت الكنيسة القبطية الكاثوليكية مقعدها في مجمع الكرادلة منذ وفاة الكاردينال أنطونيوس نجيب عام 2022، لأن البطريرك الحالي إبراهيم إسحق لم يحصل على رتبة كاردينال بعد.

أما في لبنان، فينتمي الكاثوليك إلى الكنيسة المارونية وذلك نسبة إلى دير مار مارون الشهير، الذي شُيِّد تخليدًا لاسم الناسك القديس مارون الذي عاش في القرن الرابع الميلادي في مدينة قورش، وما زالت آثارها باقية شمال مدينة حلب بالقرب من أحد منابع نهر عفرين ويعرف المكان حاليًا باسم النبي هوري.

وتقع الكنسية المارونية في بكركي بلبنان ولها بطريركها الخاص وأساقفتها، ويعود تأسيسها إلى البطريرك يوحنا مارون عام 687 ميلادية في شمال سوريا. والكنيسة المارونية جزء من الكنيسة الكاثوليكية وتقر بسيادة بابا الفاتيكان عليها ويتولى خدمتها الكاردينال بشارة بطرس الراعي.

لكنها رغم ذلك ستغيب عن اختياره هذه المرة، لأن الكاردينال بشارة الراعي تجاوز عامه الثمانين، ومن ثَمَّ لا يحق له التصويت ولا الترشح.

على جانب آخر، أتاحت هجرات المسيحيين المشرقيين إلى أمريكا اللاتينية فرصًا لهم في الوصول إلى الكرسي الباباوي، إذ سبق للبابا فرنسيس أن عَيَّن أول كاردينال من أصول فلسطينية عام 2023، وهو المطران فرناندو ناتاليو شوملي غريب، رئيس أساقفة سانتياغو دي تشيلي، الذي يحق له التصويت والترشح.

والمطران غريب ينحدر من عائلة الشوملي من مدينة بيت ساحور، المجاورة لبيت لحم، وولد في 10 مارس/آذار 1957 بمدينة سانتياغو في تشيلي، وهو من المهاجرين الفلسطينيين المقيمين فيها، وجرى تكريسه أسقفًا عام 2006.

المرشحون الأوفر حظًا

جانب من تعزية وفد الكنيسة الكلدانية في مصر لسفير الكرسي الرسولي، 24 أبريل 2025

وفق تجارب انتخابية سابقة في الفاتيكان، لم تكن الكنائس الشرقية يومًا مؤثرة في أعمال التصويت أو الانتخاب.

وتميل كفة كنائس نصف الكرة الجنوبي نحو القارة اللاتينية التي تتمتع بتعداد كبير للمسيحيين الكاثوليك يفوق نظراءهم في المنطقة العربية وفي القارة السمراء الإفريقية، إذ تضم أمريكا اللاتينية أكثر من 70% من الكاثوليك حول العالم، بينما تنتشر البروتستانتية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ومناطق من الشرق الأوسط.

ورغم العدد الكبير للكاثوليك في أمريكا اللاتينية، فإن تمثيلهم في مجمع الكرادلة ضعيف نسبيًا قياسًا لأوروبا صاحبة نصيب الأسد في عدد الكرادلة ممن يحق لهم التصويت، خصوصًا إيطاليا الموطن الأصلي لبشارة القديس بطرس ومن ثم للكاثوليكية في العالم.

ويمثَّل الأوروبيون بـ53 كاردينالًا بنسبة تصل إلى 39% من إجمال الكرادلة المجتمعين، يليهم الآسيويون بـ23 كاردينالًا، ثم أمريكا الوسطى والجنوبية بـ21، وإفريقيا بـ18، وأمريكا الشمالية بـ16، وأوقيانوسيا بأربعة. وعُيِّن 108 كرادلة على يد البابا فرنسيس، و22 في ولاية البابا الأسبق بنديكتوس السادس عشر، وخمسة فقط في ولاية يوحنا بولس الثاني.

ومن بين من يحظون بفرصٍ قوية، يبرز اسم الكاردينال ماتيو زوبي، أحد المقربين من البابا فرنسيس، وهو رئيس أساقفة بولونيا في إيطاليا، ولعب دورًا للوساطة بين الروس والأوكرانيين لإنهاء الحرب، وهو متسامح مع مجتمعات المثلية حول العالم.

ومن آسيا يبرز اسم الكاردينال لويس أنطونيو تاجلي من الفلبين، وهو رئيس مجمع التبشير الجديد في الفاتيكان، وربما يكون أول بابا من قارة آسيا في مقابل اثنين من المرشحين الأفارقة هما الكونغولي فريدولين بيسونجو، رئيس أساقفة كينشاسا، وأحد المدافعين عن التقاليد الكاثوليكية، إضافة إلى الكاردينال الغيني روبرت سارة الذي يبلغ من العمر 76 عامًا مما يجعله خيارًا مستبعدًا وسيمثل التيار المحافظ إذ عيَّنه البابا بنديكتوس الذي يعتبر أحد أشهر أقطاب التيار التقليدي في الفاتيكان.

على الخط المحافظ نفسه يبرز اسم رئيس أساقفة نيويورك الذي يحظى بدعم ترامب، رغم استبعاد الكثير من المراقبين انتخاب بابا أمريكي أو إفريقي نظرًا للعناية البالغة التي توليها الكاثوليكية للتقاليد بالغة القدم وشديدة الصلة بالمركزية الأوروبية، حتى إن الكثير من المتابعين يرون الجذور الإيطالية للبابا فرنسيس بالتوازي مع نشأته اللاتينية السر في منحه فرصة الصعود للكرسي الباباوي.

وتتسع حظوظ التيار المحافظ مع ظهور اسم الكاردينال بيتر إردو من المجر، وهو رئيس أساقفة إستيرجوم- بودابست، ورئيس سابق لمجلس أساقفة أوروبا، بينما يرى أشد المتفائلين أن انتخاب الكاردينال الإيطالي بييرباتيستا بيتسابال رئيس أساقفة اللاتين في القدس المعروف بدعمه للفلسطينيين وبعلاقاته بالشرق الأوسط يمثل ضربة مفاجئة للتيارات التقليدية التي تؤمن بأن الكنيسة فوق المجتمع كما كان البابا بنديكتوس يردد.

في انتظار الدخان الأبيض

وسط كل هذه التكهنات يضرب الكرادلة جدارًا من العزلة حولهم في روما داخل بيت القديسة مارتا الذي يضم نحو 130 غرفة، وسيجري نقلهم بحافلات إلى كنيسة سيستينا لتبدأ اجتماعات الكونكلاف، وهي كلمة أصلها لاتيني وتعني "مع المفتاح" أو الغرفة المقفلة بالمفتاح.

وتعود جذور الاسم إلى تقليد بدأ في القرن الثالث عشر عندما كان يتم إبقاء الكرادلة في اجتماع من دون السماح لهم بالخروج، لإجبارهم على اتخاذ القرار بأسرع وقت ممكن والحد من التدخل الخارجي.

وتُجرى 4 جولات اقتراع يوميًا، اثنتان صباحًا، واثنتان بعد الظهر، ويجري حرق أوراق الاقتراع بعد كل جولة، ويشير الدخان الأسود إلى أن التصويت لم يُحسم، بينما يشير الدخان الأبيض، باستخدام مواد كيميائية خاصة، إلى انتخاب البابا الجديد، ويستمر المجمع المغلق قائمًا حتى يحصل مرشح على أغلبية الثلثين.