حذّر محامون وحقوقيون من تمرير مشروع تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، الذي شرع مجلس النواب في مناقشته الشهر الجاري، دون تغييرات في صورته الحالية التي تتضمن موادًا قالوا إن من شأنها تقييد الحق في التقاضي، سواء فيما يتعلق بحقوق المتهم أو الدفاع.
وطالب المعنيون بالقانون، خلال مشاركتهم مساء أمس الأربعاء في "صالون الحقّانية الشهري"، الذي تُنظمه مؤسسة الحقانية للحقوق والحريات، وخصصته هذا الشهر لمناقشة التعديلات تحت عنوان "قراءة في حق التقاضي في مشروع تعديلات قانون الاجراءات الجنائية"، بإجراء حوار مُجتمعي حول القانون، بمشاركة مختلف الأطراف المعنية به، خاصة المحامين أو الحقوقيين، باعتباره قانون حاكم ومُنظم للعلاقة بين المواطن والسلطة، خاصة المخولّة بالتحقيق والتقاضي.
وبدأت اللجنة التشريعية بمجلس النواب، منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مناقشاتها لمشروع تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، الذي يشمل 270 مادة من أصل إجمالي مواد القانون البالغ عددها 560 مادة، وتتضمن استبدال 150 مادة واستحداث 44 مادة أخرى.
صلاحيات مُستحدثة
قال محمد عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء مؤسسة الحقانية للحقوق والحريات، خلال استعراضه لعدد من نصوص التعديلات المُقترحة على القانون، إن بعضها انعكاس لمواد الدستور التي توجب تطبيق نظام جديد في الإجراءات الجنائية في نطاق ضمانات وحقوق المتهم، فيما وصف بعضها بـ"الخطير"، لاسيما وأن منه ما يقيد الحق في التقاضي، وما يتعلق بالحريات وأوضاع المحتجزين في السجون بموجب الحبس الاحتياطي.
وتمثلت أبرز التعديلات في استحداث صلاحيات للنيابة العامة، في استخدام تدابير احترازية بجانب الحبس الاحتياطي، يُمكن أن تكون بديلة له، مثل "المنع من السفر، والإقامة الجبرية، والخضوع للمُراقبة في قسم الشرطة"، واستحداث درجتين للتقاضي للجنايات، عبر إنشاء دوائر إضافية للاستئناف، واستحداث نظام لحماية الشهود، يُتيح إخفاء بيانات بعضهم، لدواعي الأمان والسلامة الشخصية، أو خشية الوقوع تحت ضغوط وتهديدات.
وكان من بين التعديلات أيضًا، إتاحة إجراءات للطعن على المنع من السفر، مع وضع حدٍ أقصى لتطبيقه بسنتين فقط، وإلغاء علانية المُحاكمات عبر حظر النشر أو التصوير أو الحديث عبر المواقع الاجتماعية عن القضايا، خاصة المتعلقة بالإرهاب، ما اعتبره عبد العزيز "تمييزًا ضد المُتهم، الذي يُعدّ بريئًا إلى أن تثبت إدانته".
ومخاوف من "القيود"
لاقت بعض التعديلات المُقترحة إشادات من حضور الندوة، أحدهم المحامي الحقوقي طاهر أبوالنصر، الذي أثنى على تعديل استحدث نظامًا جديدًا للإعلانات القضائية عن طريق التليفون المحمول، وبيانات بطاقة الرقم القومي، وذلك في المادة "234 مُكرر"، قائلاً إن المحضرين سيصبحون مُلزمين، بموجب هذه المادة، بتقديم ما يُثبت تسليمهم الدعوى للمُعلن.
وعلى الرغم من هذه الإشادة، إلاّ أن أبوالنصر انتقد عددًا من التعديلات الأخرى، التي أطلقت يد النيابة والقُضاة في بعض الإجراءات، بصورة قد تنتقص من حق الدفاع، وتحرم المُحامين من الحصانة، أثناء أدائهم لعملهم، كما في التعديل المُقترح بحق القاضي في توقيع جزاء تأديبي، ليس على الجمهور بل من لهم دور وظيفي داخل قاعة المحكمة (المحامين)، إذا ما ارتكبوا "تشويش مُخل" أثنائها.
كما انتقد المحامي الحقوقي المادة الخاصة بالحبس الاحتياطي، الذي كان إجراءً يقيده النص الحالي للقانون بمصلحة التحقيقات، بينما تقترح التعديلات أن يصبح وفقًا لما تراه النيابة.
وقال عُضو المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق، خلال مشاركته في النقاشات، إن الحبس الاحتياطي "أصبح إجراءً عقابيًا وليس احترازيًا"، داعيًا إلى عقد نقاش موّسع حول القانون، في المجلس القومي لحقوق الإنسان، بحضور ممثلين عن مُنظمات المجتمع المدني ومجلس النواب. وأكد إسحاق أن المجلس القومي لن يتوقف عن إصدار توصياته بشأن ما تشهده الساحة من تشريعات، على الرغم من مستوى الاستجابة لها، إذ قال إن "كل التشريعات التي صدرت خلال الفترة الماضية، أصدر المجلس توصيات بشأنها وخاطب بها الجهات المعنية، ولم يتم اﻷخذ بها".
واثنى المُحامي بالنقض أحمد كامل، على درجتي التقاضي في الجنايات التي تستحدثها التعديلات، مُستدركًا "لكن المُشرّع، في ظروفنا الاستثنائية هذه، يٌعطي باليمين ويسحب بالشمال"، وذلك بسبب عدد من التعديلات التي قال إنها "تمثل عُدوان على حقوق المواطن/ المتهم".
وانتقد كامل تعديلات كالتي تحكم ضوابط الاستئناف في الحُكم الجنائي بقوله "شئ غريب جدًا توقيع حكم غرامة على المُستأنِف إذا لم تُقبل دعواه …. هذا عدوان شديد على الحق في التقاضي"، كما انتقد قصر الحق في ردّ الهيئة القضائية على مرّة واحدة فقط، بل وتغريم طالب الردّ "إذا رأت الهيئة أن طلبه مُغرض".
وانتهى حضور "الصالون" إلى اتفاق على ضرورة خلق مسارٍ موازٍ للتعديلات، بحيث تُقدّم للجهات التشريعية توصيات تضمن خروج التعديلات في أفضل صورة.