عقد تسعة وعشرون من خبراء حقوق الإنسان، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، اجتماعًا في إندونيسيا لوضع المعايير القانونية الواجب على السلطات والهيئات المجتمعية تبنيها، لإنهاء التمييز ضد المثليين ومزدوجي الجنس والعابرين جنسيًا وكفالة حقّهم في المساواة؛ فخرجت للنور وثيقة تحمل اسم المدينة التي استضافت الاجتماعات، عُرفت باسم "مبادئ يوجياكارتا".
وبعد أحد عشر عامًا من وضع الوثيقة، عادت "مبادئ يوجياكارتا" من جديد لواجهة العمل الحقوقي، حين أعلنت مجموعة مكونة من ثلاثة وثلاثين خبيرًا حقوقيًا من جنيف، الاثنين الماضي، إضافة تسع مواد جديدة للمبادئ الأصلية البالغ عددها تسع وعشرون.
وتأتي الإضافات الجديدة للمبادئ "عاكسة للتطورات الكبيرة سواء في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان، أو في فهم الانتهاكات التي تؤثر على الأشخاص من مختلف الميول والهويات الجنسية"، وترسم للأمم المتحدة وحكومات الدول المختلفة طريقًا للمُضي قُدمًا في إعادة تأكيد التزامهم بحقوق الإنسان، وفقًا لما يذكره الموقع الرسمي لمبادئ يوجياكارتا في بيان.
نقطة الانطلاق
قبل 11 عامًا، وضعت اللبنة الأولى لمبادئ يوجياكارتا، وذلك بصورة تفصيلية وشارحة للإجراءات الواجب اتخاذها لتفعيل المبادئ.
وحين أعلنت الوثيقة، خلال اجتماع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المُتحدّة في جينيف، مارس/ آذار 2007، قوبلت بالترحيب من منظمات حقوقية دولية مثل "هيومان رايتس ووتش"، التي رأت فيها "محطة هامة ومتقدمة في النضال لضمان حقوق الإنسان الأساسية والمساواة بين الجنسين"، وذلك لما تؤديه من دور كدليل إرشادي للتعامل القانوني مع المثليين ومزدوجي الجنس والعابرين جنسيًا، بصورة تتوافق ومعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان.
جاء ميلاد "مبادئ يوجياكارتا" مدفوعًا بقلق حقوقي مما يتعرّض له أشخاص في مختلف بقاع الأرض من "انتهاكات بسبب توجهاتهم وهوياتهم الجنسية"، وذلك بصور تختلف بين "القتل دون محاكمة، والتعذيب وسوء المعاملة، والاعتداء الجنسي والاغتصاب، واختراق الخصوصية، والاحتجاز التعسّفي، والحرمان من فرص العمل والتعليم"، وفقًا لما ورد في ديباجة المبادئ.
وأتى على رأس المبادئ الحق في "التمتع الشامل بحقوق الإنسان، والمساواة وعدم التمييز على أساس الهوية الجنسية أو النوع، الاعتراف بالشخصية القانونية دون إجبار على الخضوع ﻷية تدابير طبية من قبيل تغيير الجنس أو التعقيم أو العلاج الهرموني كشرط قانوني لهذا الاعتراف، الحق في الحياة وعدم حرمان أي شخص منها بسبب ميوله أو هويته الجنسية- بما في ذلك عدم جواز صدور أحكام إعدام بسبب هذا الأمر".
وشملت المبادئ كذلك الحق في "السلامة الشخصية، الخصوصية، عدم التجريد التعسّفي من الحرية، المحاكمة العادلة، المعاملة الإنسانية أثناء الاحتجاز، عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو الوحشية أو المُهينة، الحماية من جميع أشكال الاستغلال والاسترقاق والاتجار بالبشر. الحق في العمل، الضمان الاجتماعي وغيره من تدابير الحياة الاجتماعية، وفي مستوى كافي من المعيشة، وفي السكن الملائم والتعليم، وأعلى مستوى ممكن من الصحة، والحماية من الإساءات الطبية".
اقرأ أيضًا: "المصيدة".. انتهاكات السلطة لمعاقبة المثليين
وقصدت المبادئ، فيما يتعلق بالإساءات الطبية، عدم جواز إجبار أي شخص على الخضوع إلى علاج أو تدبير أو اختبار طبي أو نفسي أو احتجازه في مؤسسة طبية بسبب هويته أو توجهه الجنسي"، كما شملت عددًا من الحقوق المتعلقة بحرية التعبير والفكر، وأخرى قد يسلبها البعض منهم بسبب الهوية الجنسية مثل "تكوين أسرة".
وتؤكد وثيقة المبادئ ضرورة تمتع المثليين ومزدوجي الميول والعابرين جنسيًا بهذه الحقوق، دون النظر لهويتهم أو نوعهم أو ميولهم الجنسية، تمامًا كما تحظر التمييز ضدهم أو ارتكاب أي من الانتهاكات بحقهم بسببها، وهو ما جعلها تتضمن "الحق في التعويض والإنصاف الفعّالين، والحق في تحمل المسؤولية" وهذا الأخيرة مقصود به مساءلة من ينتهكون حقوق تلك الفئات.
بعيدًا عن مصر
وأضيفت يوم الاثنين الماضي تسع مبادئ جديدة لوثيقة يوجياكارتا، كان على رأسها الحق في "التمتع بمظلة حماية من الدولة ضد أي اعتداءات، وفي الاعتراف به قانونيًا، والحق في السلامة الجسدية والعقلية، والحق في عدم التجريم أو الخضوع لعقوبات على أساس الهوية أو الميول أو الخصائص الشخصية الجنسية".
كل البنود الخاصة بمبادئ يوجياكارتا، سواء القديمة أو الجديدة، تجعل منها وثيقة مثالية حقوقيًا في التعامل مع المثليين ومزدوجي الجنس والعابرين جنسيًا، إذا ما استرشدت بها السلطات أو الجهات المتعاملة معهم، وذلك في أي من البقاع المختلفة للعالم، والتي لن تكون مصر من ضمنها، ليس في الحاضر أو المستقبل القريب.
وتتبنى مصر سياسية غير متسامحة مع العابرين جنسيًا وبصورة أكبر مع المثليين جنسيًا، حد إطلاق حملات أمنية للقبض على المثليين أو من يشتبه في كونهم كذلك، في وتيرة متصاعدة ضدهم، وفقًا لما وثقته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، منذ حفل نظمته الفرقة اللبنانية "مشروع ليلى" في القاهرة، سبتمبر/ أيلول الماضي، رفع بعض حضوره علم قوس قزح، الداعي للتسامح مع البشر على اختلاف ميولهم الجنسية.
يقرّ الواقع بأن مصر لا تعترف للمثليين بحقوق، بل وبأن المعركة ضدهم تمتد من الجهات الأمنية إلى التشريعية، كما بدا من مشروع قانون تجريم المثلية الجنسية الذي يتضمن عقوبات مُغلّظة، وأحيل في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، للجنة التشريعية بمجلس النواب، مُقدّمًا من نائب حزب المصريين الأحرار رياض عبد الستار، بهدف "الحفاظ على المجتمع وقيمه الأصيلة والتعاليم السماوية" حسب تصريحات أدلى بها في وقت سابق لـ"المنصّة".
في مصر، يقف المثليون أو من يشتبه في مثليتهم ومعهم عابري الجنس أيضًا، في خانة الاتهام أمام الجهات الأمنية والتشريعية وكذلك الإعلامية، بصورة متصاعدة تجعل من تطبيق أي من "مبادئ يوجياكارتا"، أمرًا صعب التحقق.