في بدايات التسعينيات ظهر فيديو مصور لأغنية "المليونيرات"، من كلمات رضا أمين، وألحان فاروق الشرنوبي، وغناء مدحت صالح، والتي تحولت كلماتها إلى شعار حياة لشباب التسعينيات، وامتد تأثيرها إلى شباب الأجيال التالية.
ويروي الشاعر رضا أمين أنه قد كتب هذه الأغنية، ولم يرغب في ظهورها لمدة 20 عامًا، لأنه اعتبر أنها تكشف شخصيته بشكل يخجله، ولكن إغراء مدحت صالح المادي جعلها تظهر للنور.
أصبحت "المليونيرات"، بكلماتها المتمردة والبوهيمية، عنوانًا للتمرد وكسر المألوف؛ فيكسر فيها رضا أمين العديد من تقاليد الطبقة الوسطى، فيدعو للإسراف عند توفر النقود، وعدم الخوف عند الإفلاس، في حين تحرص الطبقة الوسطى على توفير الأموال عند وجودها، وتخاف من الوصول إلى مرحلة الفقر.
ويزداد تحدي الأغنية بمدح الجنون، الذي هو "عين العقل"، بل وذم العقل، الذي يصفه بالداء، بل ويتحدى من يسمعه ويحفزه قائلا "تقدر تتجنن زيي؟" ليشرح له متعة جنونه، وهي السهر حتي الصباح، ورفض النصيحة، وإقامة الصداقات مع الجميع دون النظر إلى مستواهم المادي، "البيه صاحبي، والفقري".
ويقدم مثالا ليوم من الصعلكة، يحدد مواقيته عن طريق الوجبات الثلاث التي يتناولها؛ فهو يتعشى في باب الخلق، الحي الشعبي، ثم يقرر الذهاب إلى الإسكندرية، ليفطر هناك. ونتيجة لمغامرته غير المحسوبة، فلن يجد المال اللازم لتناول الغذاء، ولكن ذلك لا يمثل له مشكلة، فهو لن يلعن الأزمات.
نجحت الأغنية، التي قال كل صناعها أنها تصور حياتهم، وأحس الكثيرون ممن سمعوها بأنها تعبر عنهم، وتمنوا أن يعيشوا تلك الحالة من الصعلكة، وكسر القواعد، والابتهاج دون الخوف من العواقب.
"المليونيرات" هي أنجح أغاني الشاعر رضا أمين، ابن حي شبرا، وخريج كلية التجارة، والذي تعرَّف في شبابه على الشاعرين عبد الرحيم منصور، وأمل دُنقُل، والكاتب لينين الرملي، كما اقترب من صلاح جاهين، وتعرف على شاعر آخر في بداياته هو جمال بخيت. وكانت أول أعمال أمين هي أغنية "أحب أعيش" لعلي الحجار، وهي من ألحان حسين ومودي الإمام.
وهذه الأغنية تجربة موسيقية مختلفة؛ فهي تنتمي إلى أسلوب حسين ومودي الإمام في الموسيقى والغناء، الذي يبدو بعيدًا عن طريقة غناء علي الحجار، ولكن هذا التعاون أنتج عملًا مختلفًا.
ويبدو رضا أمين أيضا متمردا في هذه الأغنية. ولكن التمرد هذه المرة يظهر في العلاقات العاطفية، فهو حبيب محدد وواضح، قرر إنهاء العلاقة، دون لف أو دوران "جايلك علشان أنهي السكوت"، "لو تسمحي ما تحبنيش".
وتعترض الأغنية علي التعبير الشعبي "بحبك موت"، فهو يعتبره تعبيرًا عن زمن مضى، أما الآن ف"أحب أعيش"، فحب الحياة هو الأساس "قلبي هواه ويا الحياة". ولن يحب علي طريقة المآسي والمبالغات "بيحبوا موت". وفي تشبيه مبتكر يصف قلبه بمركب الأمل، وشوقه بالشراع، وأن هواها يتسبب بضياع المركب.
أغنية متمردة علي أغاني العشق التقليدية، التي يتردد فيها العاشق، ويخاف من الفراق، ويبحث عن أسباب وهمية مثل "العذول والعواذل"، فالعاشق هنا بروح جديدة، محبة للحياة أكثر من حرصها علي علاقة عاطفية غير مثمرة.
ساهم رضا أمين في نجاح العديد من المطربين؛ فقدم لعمرو دياب، في بداياته، "شوقنا"، و"خالصين"، ولحنان أنجح أغانيها "الشمس الجريئة"، و"أصعب بكا"، وقدم "تيجي نغني" لأنوشكا، في تجارب منها العاطفي، ومنها أغنيات تحاول الخروج عن الأغنية التقليدية، بكونها تصف البحر والحياة والدموع.
"مبسوطة"، أو "ماشية وساعتي مش مظبوطة"، هي الأغنية التي صنعت نجومية "سيمون"، وهي عبارة عن تعريب لأغنية Susanne Vega - Tom's Diner، فهي تعتمد على نفس اللحن مع كلمات مصرية.
وتظهر براعة رضا أمين في استطاعته وضع الكلمات على لحن غربي، وذلك دون أن يحس المستمع بغرابة في إيقاع الكلمات، أو بكونها مصطنعة لملاءمة اللحن. وقد استوحى رضا أمين الكلمات من أجواء الأغنية الأصلية، والتي تصف فيها المغنية ما يدور حولها وهي تشرب قهوتها، لتتحول الأغنية لوصف للشارع المصري من خلال عيون فتاة مصرية، وما يمكن أن يقابلها من مصاعب: "ع الرصيف واحد بيعاكس"، "وتقول عايزة يا إما هأزن"، أو أشياء جميلة، مثل "بياع جرايد".
ووسط كل ذلك هي واثقة من نفسها، ومن صوت حبيبها، الذي تحمله داخلها. في واحدة من أنجح الأغاني التي قُدمت بلحن غربي. وتظهر براعة رضا أمين في اختياره لقافية غير معتادة وصعبة؛ (فن – بيزن - في السن - الجن - لحن - يحن)، لتؤدي به لأغنية مميزة لا تزال في الذاكرة.
"لحظة صفا"، هي أغنية الختام لفيلم "الباشا"، من ألحان ياسر عبد الرحمن، وهي الأغنية التي تعبر عن تصالح المغنية مع مجتمعها ومدينتها، في نهاية الفيلم.
يرتبط جمال المدينة عند رضا أمين بالليل والسهر، فتبدأ الأغنية بانطفاء ضوء الفتارين، واختفاء الزحام، لتفصح المدينة عن جمالها المختبئ وسط زحام النهار، لتصبح اللحظة مناسبة للاقتراب من المدينة ومحبتها، بعيدا عن الشارع، الذي يغلق الأبواب في وجهنا عند الظهيرة، ليصبح ونيسا بعد منتصف الليل، يمنح الدفء والونس، ويعطي الأمل لخطوة جديدة، وحلم جريء، يقضي علي الخوف.
توفي الشاعر "رضا أمين" في ديسمبر/كانون الأول 2011، عن عمر يناهز 60 عامًا. ليغادر الحياة شاعرٌ أسهم بشكل بارز في أغنيات الثمانينيات والتسعينيات، بصوت مختلف، ومشاعر جميلة، وحب دائم للحياة والحرية والتمرد.