"كان حلمي أكون معيدة، لكن للأسف حتى لو فكرت أحوِّل لجامعة تانية لازم أبدأ من الأول؛ فأنا هرجع العريش.. بس وأنا خايفة"، تحكي طالبة بكلية الإعلام عن حلم يكاد أن يتسّرب من يدها، فقط لكونها تنتمي لأسرة مسيحية تعرّضت ضمن عشرات الأُسر التي تدين بالديانة نفسها للتهجير القسري من محافظة شمال سيناء، في فبراير/ شباط 2017، بعد استهداف المتشددين لهم وأقرانهم بالذبح وحرق الممتلكات.
اليوم، الأحد، بدأ العام الدراسي في كافة أنحاء الجمهورية بما فيها شمال سيناء، وبدأ الطلاب في الانتظام في دراستهم عدا صاحبة الشهادة وعشرات الطلاب الآخرين الذين عطلتهم إجراءات بيروقراطية عن الحصول على حقهم في التعليم، كما يكشف تقرير صدر اليوم عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. لجميع طلاب مصر، ما عدا هذه الطالبة وعشرات غيرها، عطّلهم عن الانضمام للصفوف الدراسية أسباب روتينية كشفها صادر اليوم عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
مطالب مُخيفة
انتقدت المنظمة الحقوقية تعامُل الأجهزة الرسمية مع ملف الطلاب المسيحيين المُهجّرين قسريًا من سيناء، إذ كشفت أن مسؤولين حكوميين طالبوا أولياء أمور تلاميذ بمراحل التعليم ما قبل الجامعي بالذهاب إلى العريش، وتقديم طلبات للنقل لمدارس بمحافظات أخرى، بينما طلبت من طُلاّب جامعة سيناء الخاصة، البالغ عددهم حوالي 80 طالبًا، العودة للدراسة بالعريش والإقامة بالمدينة الجامعية الخاصة بها.
وعلّقت المبادرة المصرية على هذا المطلب من الجامعيين بالقول إنه ينطوي على "مصاريف تفوق إمكانياتهم المادية"، في ظل وجود "نفس المخاطر التي [تهدد] بحياتهم"، حسبما بيّنت شهادات وشكاوى تضمّنها التقرير. فلا تزال التهديدات الصادرة عن تنظيم ولاية سيناء ضد مسيحيو العريش قائمة ولم يتراجع عنها التنظيم.
"إحنا فين؟"
واحد من المُعطّلين الآن، كان يدرس في كُلية الصيدلة بجامعة قناة السويس، قبل أن ينتقل لمحافظة سوهاج التي قد يغادرها إلى العريش مرّة أخرى "عرفنا إننا لازم نرجع السنة دي، رغم إنهم قالوا وقت ما سيبنا العريش إننا مش هنرجع تاني غير لمَّا الأمن يرجع، لكن فعليًّا مفيش أي كلام عن تغيير في الأمن".
حُرِم الطالب الذي كان يدرس في جامعة قناة السويس من فصول صيفية كان لزامًا عليه تحصيلها، وذلك ﻷنها كانت في العريش، والآن يبدو أن الأمر قد يتكرر "مش عارفين السنة الدراسية هتبدأ وإحنا فين. أنا شخصيًّا خايف أرجع العريش، وفي نفس الوقت مش عارف هأعمل إيه في مستقبلي".
المطلب الحكومي بالعودة للعريش لم يكن موجهًا لطلاب الجامعات الحكومية فقط، بل والخاصة أيضًا الذين يبدو موقفهم أصعب، وفقًا لما حكته والدة طالب بكلية تكنولوجيا المعلومات بجامعة سيناء، وقالت إن العميد أبلغ ابنها بأنهم "كلّفوا الجامعة كتير، ﻷن الدكاترة (الأساتذة الجامعيين) تبرعوا وقت الأزمة بالانتقال لمحل إقامة الطالب والتدريس له، وهو ما يرفضوه حاليًا".
حاولت السيدة تجنّب العودة بتحويل أوراق ابنها لجامعة خاصة أخرى، لتفاجأ بشرط إعادة الدراسة من عامها الأول، بدعوى أن هذا هو نظام الجامعات الخاصة، "أنا ابني في تالتة دلوقتي، حرام أخلِّيه يرجع يبدأ من الأول، وده كمان مكلف جدًّا، ﻷن مصاريف السنة الواحدة تصل إلى 25 ألف جنيه".
رفض الأساتذة الجامعيين التدريس للطلاب المُهجّرين خارج أسوار الجامعة، تكرر مع طالبة في كلية الإعلام تعيش حاليًا في محافظة بورسعيد، قالت إن رئيس قسم العلاقات العامة بالكلية، أبلغها في يوليو/ تموز الماضي، نيابة عن العميد، أن الأساتذة يرفضون الآن زيارة فرع القنطرة، حيث يلقون المحاضرات على المُهجّرين.
وفي الفترة التي اندلعت فيها أزمة المُهجّرين، قررت جامعة سيناء إيفاد أحد أساتذتها أسبوعيًّا إلى الطلبة في مقر الجامعة بمدينة القنطرة.
"كانوا بيِجوا مرة واحدة، وأنا كنت راضية طالما حاسة بأمان"، تقول طالبة الإعلام التي يصعب عليها العودة للعريش "بيت الجامعة غالي جدًّا. غير كده، مصاريف الكلية لوحدها كبيرة.هنجيب منين دلوقتي كل الفلوس دي؟".
كانت الطالبة قبل التهجير تقيم في بيت الكنيسة، وهو ما صار حلاً مستحيلاً ، تمامًا كحل السكن الجامعي الذي لا يمنعها عنه ارتفاع تكلفته وحسب "سمعت إن فيه مسيحيات قعدوا جوه سكن الطلبة لكن لبسوا حجاب، وأنا يستحيل أعمل كده".
لدى هذه الطالبة حُلم مشروع، لكن تحقيقه يتطلب تضحية كبيرة "بقالي سنتين بجيب امتياز وكان حلمي أكون معيدة، لكن للأسف حتى لو فكرت أحوِّل لجامعة تانية لازم أبدأ من الأول، فأنا هرجع العريش.. بس وأنا خايفة".
أوراق محفوفة بالمخاطر
أمام ما يعانيه الجامعيين، يبدو وضع تلاميذ التعليم الأساسي أبسط، فالتحويل متاح لأي مدرسة أخرى خارج سيناء، لكن طريقه محفوف بالمخاطر، كما ظهر من حديث سيدة قالت للمبادرة المصرية إن الإدارة التعليمية رفضت إنهاء أوراق تحويل ابنتها الطالبة بالابتدائية، من العريش للإسماعيلية "بيقولوا لازم نروح بنفسنا نعمل ورق التحويل. طيب إزاي وفيه خطر علينا كمسيحيين؟"
اتخذّت وزارة التربية والتعليم- خلال التهجير- قرارات بقبول كافة التلاميذ المسيحيين المُهجّرين في أقرب مدارس إلى منطاق سكنهم الحالية بدون أي أوراق رسمية، ولكن حان الآن وقت طلب تلك الأوراق.
فكّرت السيدة في إنهاء المهمة بتوكيل لمعارف لا يزالون يقيمون في العريش لإنهاء المعاملات الرسمية، لكن المسار تعطّل. وليست هذه المشكلة الوحيدة، فالسيدة لم تنس العبء المادي "عايزين نعرف هل فيه استثناء من المصاريف للأسر اللي سابت العريش. ﻷن المصاريف كبيرة علينا واحنا خسرنا مصدر دخلنا هناك، ﻷننا كنا شغالين أعمال حُرّة".
وأمام الشكاوى، جددت المبادرة المصرية مطالبها للمسؤولين بوضع خطة ملائمة ومحددة زمنيًّا، لضمان حماية من يرغب من المهجرين العودة إلى مدينة العريش، أو مساعدة مَن يريد البقاء في المناطق الجديدة التي انتقل إليها، مع توفير سبل الحياة الكريمة.
وطالبت وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم بتشكيل لجنة، لتذليل العقبات الإدارية أمام التحاق الطلبة بكليات مثيلة وفي نفس السنة الدراسية، ونقل ملفات الطلاب إداريًّا دون الحاجة إلى عودة أسرهم إلى العريش.