"الحق يا آبا الجيش بيهد البيت".. هكذا صرخت "هبة" ربة المنزل الثلاثينية مستغيثة بوالدها محمد أبو زيد في ذعر، حينما رأت البيت ينهار تحت وطأة "لوادر الحكومة"، بهذه الكلمة تحديدًا، وصفت هبة هادمي بيتها: "الحكومة".
صراخ هبه اختلط ببكاء طفليها وأصوات التحطيم، في مشهد لن يُمحى من ذاكرتها أو من ذاكرة أطفالها بسهولة.
فجر السادس من يوليو/ تموز الماضي، حاصرت قوات الأمن والجيش "جزيرة الوراق" من ستة اتجاهات، لتنفيذ القرار الإداري الصادر من وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في مطلع الشهر ذاته، بإزالة 700 حالة تعدي بالجزيرة. 700 منزل ذهب الجيش والشرطة لإزالتهم ذلك اليوم، دون سابق إخطار أو إنذار.
لكن هجوم الجيش والشرطة على الجزيرة قوبل بدفاع مستميت من قاطنيها، أسفر عن سقوط قتيل من الأهالي، وإزالة بضعة منازل، فضلا عن إصابات متفرقة بقوات الأمن. باختصار كانت معركة حقيقية.
تقع جزيرة الوراق، بقلب نيل القاهرة في منتصف المسافة بين منطقتي شبرا الخيمة وإمبابة، على مساحة 1600 فدان. ويتجاوز عدد سكانها 70 ألف مواطن. وللجزيرة تاريخ طويل مع الدولة؛ كر وفر، وخطط غامضة، وقرارات عجب، كلها تشير إلى أن هناك سياسة تتخذ من التدرج وسيلة لتفريغ الجزيرة من ناسها والاستيلاء عليها.
عين الوريث
في شتاء 1998، تأسست جمعية "جيل المستقبل" برئاسة جمال مبارك، الذي بدأ دوره السياسي يتنامى في ذلك الوقت، غير مخفٍ لتوجهاته الاقتصادية النيوليبرالية. كانت توجهات الجمعية -التي مثلت ظهيرًا سياسًا لنجل الرئيس- جلية، عندما احتشدت فيها أسماء مثل: معتز الألفي، أحمد المغربي، جلال الزوربا، رشيد محمد رشيد، وأحمد عز.
بدأت مجموعة رجال الأعمال تلك في التحرك السريع لبسط رؤيتها ومصالحها على البلاد والعباد، لكن طموح الجيل الصاعد مدعومًا بقوة نفوذ نجل الرئيس، تضارب بقوه مع رجال الحرس القديم، الذين رأوا في ما يحدث "تهديدًا لاستقرار البلاد"، فضلاً عن كونه خَصمًا من نفوذهم، وكانت جزيرة الوراق إحدى نقاط الصدام المبكرة.
ففي الوقت الذي بدأ فيه لُعاب الحرس الجديد يسيل على الجزيرة؛ وجه كمال الجنزوري، رئيس الوزراء حينها، ضربة استباقية، مُصدرًا القرار رقم 1969 لسنة 1998 باعتبار الجزيرة محمية طبيعية، أي لا يجوز البناء عليها أو إقامة أية مشاريع استثمارية بها.
ظن كبار الحرس أنهم وضعوا حدًا لأطماع مجموعة جمال مبارك في الجزيرة، لكن الجنزوري نفسه لم يصمد طويلا، وغادر منصبه في أكتوبر/ تشرين أول 1999 بعد عام تقريبا من تدشين جمعية "جيل المستقبل"، وأشيع وقتها أن جمال مبارك ومجموعته هم من وقفوا وراء الإطاحة به، رغم أنه كان يحظى بثقة مبارك الكبير.
رحل الجنزوري وأتي "عاطف عبيد" الذي توافقت قراراته مع توجهات وأطماع أهل البيزنس، لتعود "الوراق" مرة أخري في مرمى نيران الوافدين الجدد على عالم السياسة، ويُصدر "عبيد" في 2001 قرار رقم 542 بتخصيص جزيرة الوراق كمنفعة عامة، ما يعني قانونًا نزع ملكيات الأفراد الذين يسكنونها.
الاسم القديم لم يعد ملائما للمشروع المخملي، فقرروا تحويل "جزيرة الوراق" إلى "جزيرة حورس".. اسم تجاري بامتياز
قوبل القرار باندهاش من الجميع، إذ كيف تعتبر جزيرة بأكملها منفعة عامة؟ كان القرار عجيبًا، فلم يسبق للدولة أن أصدرت قرارًا مماثلا، وكانت قرارات نزع الملكية للمنفعة العامة عادة ما تقتصر على بيت أو اثنين، أو حتى منازل شارع تقرر تحويله إلى طريق عام.
لكن سكان الجزيرة قرروا مواجهة قرار رئيس مجلس الوزراء، ولجأوا إلى القضاء للطعن على القرار، وحكمت المحكمة ببطلانه فعلا، ليتنفس الأهالي الصعداء ولو لحين.
الكابوس يقترب
بعد عام من توجيهات مبارك، وتحديدا في أغسطس 2009، دخلت الخطة حيز التنفيذ، وكانت البداية في جزيرة محمد التي اكتشف ساكنوها أن قرارًا صدر عن رئيس مجلس الوزراء برقم 3310 لسنة 2008 باعتبار المنطقة "منفعة عامة"، ونزع ملكية العقارات والأراضي وإدخالها ضمن مشروع تطوير شمال الجيزة، فاعترض الأهالي ووقعت مصادمات، وتردد أن مبارك عنَّّف وريثه مطالبًا مجموعته من رجال الأعمال بـ"التفاهم مع الناس".
لكن يبدوا أن التفاهم مع الناس لم يكن يستأهل تعطيل مسيرة "التطوير" المنشود، ففي مطلع 2010، أعلن أحمد المغربي وزير الإسكان، عن الخطة الطموحة لتطوير جزيرة الوراق.
نظرة سريعة على الفيديو المصاحب لإعلان السيد الوزير تكفي لتدرك أن ما يتحدثون عنه ليس تطويرًا للجزيرة، وإنما استحواذ كامل عليها، وتفريغها من قاطنيها وتحويلها من رقعة زراعية يملكها حفنة من الفلاحين، إلى مركز مال وأعمال ومنتجع سياحي لمن يملك التكلفة الهائلة للتمتع به. حتى الاسم القديم لم يعد ملائما للمشروع المخملي، فقرروا أن تتحول "جزيرة الوراق" إلى "جزيرة حورس".. اسم تجاري بامتياز.
أما الأهالي؛ فحتما سيتم تعويضهم "إن شاء الله"
لكن قيام ثورة يناير قلب المناضد وعطل الخطط. دخلت البلاد في متاهات سياسية من ثورة لمجلس عسكري لحكم الإخوان، وصولا إلى 30 يونيو وما تلاها. أحداث متلاحقة واضطرابات لا تهدأ، وخلال تلك السنوات الثلاث، لم يكن هناك من يُحكِم قبضته على البلاد ليفكر في خطط طويلة المدى أو مشاريع ضخمة.
لكن ما إن استقرت البلاد تحت حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، حتى فُتِحَت الملفات القديمة، وخرجت المشاريع المعطلة من الأدراج، وعادت جزيرة الوراق وأهلها إلى حلقة النيران.
تموت "الورّاق" ويحيا "حورس"
وهكذا دخل الجيش إلى الصورة، ولأول مرة يجد الأهالي أنفسهم وجها لوجه أمام ضباط القوات المسلحة.
الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية كان أكثر المسؤولين صراحة في هذا الملف، فقد أعلن بوضوح في السابع من أغسطس/ آب 2014، أن مخطط تطوير جزيرة الوراق يهدف إلى تحويل الجزيرة إلى "متنزه سياحي" ثقافي ترفيهي تجاري على ضفاف النيل. وربما كانت تلك هي المرة الأولى والأخيرة التي يعترف فيها مسؤول حكومي بحقيقة نوايا الدولة تجاه الجزيرة.
في أكتوبر/ تشرين أول 2015، أعلن الوزير عن بدء تنفيذ مشروع محور روض الفرج الذي سيتم ربطه بالطريق الدائري الإقليمي، مُقرًا بأن وزارة الإسكان ستتولى أعمال نزع الملكية، فيما تقوم وزارة الدفاع بتمويل وتنفيذ وصيانة المحور الجديد بتكلفة استثمارية تبلغ 7 مليارات جنيه.
وهكذا دخل الجيش إلى الصورة، ولأول مرة يجد الأهالي أنفسهم وجها لوجه أمام ضباط القوات المسلحة.
رئيس المجلس المحلي السابق مكرم محمد، قال إن المحور الجديد الذي سيعبر فوق الجزيرة استوجب نزع ملكية 150 فدان وما يقرب من 100 عمارة سكنية. وبعد جلسات مفاوضات تم الاتفاق على أن يتم تعويض الأهالي بما يقرب من 200 ألف جنيه للقيراط الزراعي، و850 جنيها للمتر السكني، وهو ما ارتضاه الأهالي وتم نزع الملكية وبدأ العمل بالمشروع دون أدنى مقاومة أو اعتراض.
لكن مع تقدم العمل في المشروع، اكتشف سكان الجزيرة أن الكوبري الجديد لا يوجد له منزل أو مطلع بالجزيرة، وهنا توجه وفد من الأهالي للعقيد أيمن صقر (مدير المشروع) ينشدون مطلبًا بدا لهم منطقيا: وهو أن يكون للكوبري مَنْزَل بالجزيرة ليستفيد منه سكانها، خصوصا أن الجزيرة معزولة تماما عن البر، ليرد العقيد صقر بكلمة واحدة: "بعدين".
يصف مكرم مقابلة السكان مع العقيد أيمن صقر قائلا: "كلام العقيد صقر ما كانش مطمئن، وعشان كده قدمنا طلبات للسيد رئيس الحكومة والسيد رئيس الجمهورية، نناشدكم شيئين لا ثالث لهما: أن يكون للكوبري منزل ومطلع بالجزيرة حتى يستفيد الأهالي منه، وأن يتم إيصال الصرف الصحي للقرية".
النقلة النوعية في قصة الوراق حدثت حين اشتبك الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيًا مع الملف قائلا "فيه جزر موجودة في النيل، هذه الجزر طبقًا للقانون المفروض ميبقاش حد موجود عليها".
فجر السادس من يوليو- أي بعد شهر تقريبا من كلمة الرئيس- حاصرت قوات الشرطة والجيش الجزيرة، لإزالة 700 منزل وصفتهم قوائم وزارة الإسكان أنهم مخالفين.
تصدى الأهالي للقوات التي تمكنت من هدم حفنة منازل فقط، لكن حدة الاشتباكات وسقوط قتيل من أبناء الجزيرة جعلا مدير أمن الجيزة يصدر أوامره لرجاله بالتوقف والتراجع فورا، وتأجيل الإزالات.
"بيوت ايه اللي عشوائية ومخالفة؟! إحنا أقدم من الحكومة يا عم، ومعانا عقود من أيام المحاكم المختلطة"، يقولها سيد عبد الباقي أحد قاطني القرية وهو يخرج صوره من عقد ملكية أرض كُتب بالفرنسية، يعود تاريخه إلى 1931 حاملاً شعار التاج الملكي.
"الجزيرة 1800 فدان، بها 60 فدان فقط أملاك دولة وأوقاف" يقولها مكرم محمد الرئيس السابق للمجلس المحلي مستطردا "الـ 60 فدان يوجد عليها محطتين مياه نقالي (متوسطة الحجم)، ومدرستين ومركز شباب، ونقطة شرطة، وعليهم بالطبع بيوت أهالي لكنهم يقطنونها من سنين". "المدهش بالنسبة لي" - والحديث ما زال لمكرم- "هو أن تصدر قرارات إزالة لمحطة المياه، ونقطة الشرطة، والجمعية الزراعية ومركز الشباب.. الدولة بتزيل أملاك الدولة" يقولها الرجل ضاحكا.
طلبات الجيش
صباح الثامن من أغسطس/آب الماضي، بدا الجو مرتبكا في فرع شركة "المقاولون العرب" على كورنيش المظلات، عمال النظافة يتحركون يمينا ويسارا، سيارات التأمين منتشرة، والقاعة الرئيسية يتم تجهيزها، كان جليا للجميع أنه يوم غير عادي.
وقد كان بالفعل يومًا غير عادي، فاليوم سيشهد اجتماع اللواء كامل الوزيري رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة مع ممثلي أهالي جزيرة الوراق للتفاوض.
في تمام الساعه العاشرة، استقبل الوزيري 12 رجلا ممثلين عن أهالي جزيرة الوراق، وبدأ حديثًا وديًا أكد فيه على أن الدولة لم ولن تفكر يوما في إلقاء أحد بالشارع، وأن "ما نفعله لا يعدو كونه عملية تطوير، المستفيد الأول منها هم أهالي الوراق".
"حسين زيدان" أحد الذين حضروا الاجتماع يروي لنا تفاصيله قائلا "سيادة اللواء خلّص المقدمة و دخلنا في الجد، وهنا فوجئنا به يعلن طلباته:
1-سوف نأخذ 100 متر يمين ويسار الكوبري كحرم طريق، سيادة الرئيس كان قد أمر بنزع ملكية 150 متر يمين ويسار لكننا تعاطفا مع أهالينا سنكتفي فقط ب100 من كل جانب
2-سنأخذ 30 متر حول الجزيرة لنقيم الكورنيش
3-سنأخذ أيضا 120 متر للطريق الطولي والعرضي المزمع إقامتهما بالجزيرة.
أما التعويضات، فسوف ندفع أربعة ملايين ونصف مقابل الفدان الواحد هذا بالنسبة للملاك، أما المستأجرين فيمكنهم الانتقال لمشروع الريف المصري، وبالنسبة لقاطني العمارات التي ستزال؛ فسيتم تعويضهم بشقق في حي الأسمرات.
وقبل أن ينهي الرجل حديثه، أو بالأدق عرضه، كان الهمهمات الرافضة في الغرفة تتعالى، واختلطت الأصوات الغاضبة بدخان السجائر، وحمرة الوجوه، و"بدا أننا داخلين على حوار طرشان"، وهنا قال الوزيري "فكروا وأنا بنفسي نازل لكم الجزيرة".
الملاحظ هنا أن رواية من حضروا الاجتماع من الأهالي تتعارض كليًا مع ما نشرته أكثر من جريدة وأذاعته البرامج التليفزيونية من رواية شبه موحدة، مفادها أن المشكلة تم حلها وطلبات الأهالي استُجيب لها.
يواصل حسين زيدان "تركنا الاجتماع وعدنا للقرية وعرضنا الأمر على الأهالي الذين رأوا أن ما يحدث لا يعدو كونه عملية تمزيق للجزيرة. فبحسبة بسيطة يتضح أن الجيش يريد نزع ملكية ما يقرب من 500 فدان فتح كلام. طب هي الجزيرة فضل فيها إيه بقى؟"
برّ الوزيري بوعده وانتقل إلى الجزيرة، لكن قبل حضور العسكري المخضرم حرص كبار القرية على التأكيد على الشباب بضرورة ضبط النفس، "لا تطاوُل لا هتافات سياسية ولا شعارات مستفزة". وعليه تم إعداد سرادق بقلب الجزيرة، ورُصّت الكراسي واصطف الناس في انتظار اللواء وعرضه.
حضر الوزيري واعتلى المنصة، وجلس إلى جواره اثنان بلباس مدني، أحدهما أستاذ بكلية الهندسة والآخر لم يتعرف الأهالي عليه، وبدأ الرجل حديثه قائلاً "سيادة الرئيس يؤكد لكم أن أحدا لن يُضار أو يظلم في عهده في مصر كلها، وفي جزيرة الوراق تحديدًا"، ثم بدأ يشرح ما قاله تقريبا في الاجتماع الأول.
وحين انتهى الوزيري من حديثه، وقف الحاج يحيى الشحات وقال: "إذا كنتم تتحدثون عن تطوير الجزيرة فأهلها أولى بذلك التطوير، نحن لا نريد منك سوى الإفراج عن أبنائنا المقبوض عليهم من جنازة سيد الطفشان (الشاب الذي سقط قتيلاً خلال اقتحام قوات اﻷمن للجزيرة) وأن يكون لنا منزل ومطلع على الكوبري، أما تركنا الجزيرة فذلك دونه الموت". وانتهى الاجتماع كما بدأ، دون الوصول لنقطة اتفاق محددة.
بالتزامن مع الأزمة، ظهرت معلومات تفيد بوجود مخطط جاهز أعدته شركة RSP الهندسية "لتطوير جزيرة الوراق". وصرح "رانجان كريشنان" مسؤول التسويق بالشركة لمحطة BBC أن الشركة وضعت تصميم تطوير الوراق بالفعل بناءً على طلب "أحد العملاء"، وأنهم لم يعد لهم علاقة بالمشروع بعد أن أنهوا التصميم وسلموه. وترددت شائعات أن "العملاء" المقصودين هم رجال أعمال إماراتيين.
حاولنا الاتصال بمقر الشركة في دبي للاستفسار عن هوية العميل الذي كلفهم بوضع ذلك التصميم، لكن الشركة رفضت إعطاءنا أية بيانات أو الحديث في الموضوع.
المفاجأة التي كانت في انتظار أهالي الجزيرة، أنهم اكتشفوا أنه ممنوع عليهم التعامل بالبيع أو الشراء على أملاكهم بها، فمصلحة الشهر العقاري ترفض تسجيل أي عقود لهم.
وبالبحث تبين أن هيئة الشهر العقاري تلقت خطابًا منسوبًا للواء كامل الوزيري رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، مؤرخ بتاريخ 17 يونيو/حزيران 2017، يطلب الخطاب صراحة من مصلحة الشهر العقاري إيقاف التعامل على أراضي جزيرة الوراق وكافة الجزر النيلية، مطالبًا في المراسلة الرسمية بموافاة اللواء ببيانات الأراضي المسجلة الواقعة ضمن مساحات الجزر النيلية. وجد الأهالي أنفسهم إذن أمام "عملية حصار" على حد تعبير أحد قاطني الجزيرة.
"هذا الخطاب باطل قولا واحدا" يقولها مالك عدلي المحامي معلقا على قرار اللواء كامل الوزيري، يشرح عادلي: "الدستور يحمي الملكية الخاصة، وهذا القرار عدوان صارخ على الملكيات بمنع أصحابها من التصرف بها. إضافة إلى ذلك؛ فإن هناك قانون ينظم عمل الشهر العقاري والتوثيق في مصر، أي تعديل فيه يجب أن يتم بموجب قانون جديد أو قرار من رئيس الجمهورية. أما السيد رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة فليس له صفة ولا حق في إصدار مثل هذه القرارات".
حاولنا الاتصال بالعقيد أيمن صقر، مدير المشروع، لعرض أسئلة ومخاوف الناس عليه، لكنه لم يستجب لاتصالاتنا، كما حاولنا التواصل مع مكتب اللواء الوزيري لعرض صورة القرار الممهور بإمضائه والتأكد من صحته أولا، وفهم أسباب القرار ثانيا؛ لكن لم تنجح مساعينا في الحصول على رد.
المدهش حقا، هو رد الفعل اللواء علاء حافظ نائب محافظ الجيزة والذي صرح لمحطة On live في السابع عشر من يوليو/ تموز الماضي، بأن: محافظة الجيزة سوف "تتحاور" مع أبناء جزيرة الوراق "العقلاء" للوصول لحل للأزمة.
اتصلنا بالمسؤول عن التحاور مع الأهالي، ففوجئنا به يقول "ما تسألش على جزيرة الوراق".. ليه يا فندم؟.. "هو كده اقفل الموضوع ده".
هكذا بكل بساطة طلب السيد اللواء نائب محافظ الجيزة منا أن نصمت "ونقفل الموضوع".
رحلة طويلة من أوراق وقرارات وقرارات مضادة، وتصريحات رئاسية يفصل بينها ما يقرب من عشرين عامًا وأربعة رؤساء جمهورية وحفنة رؤساء للوزراء، انتقلت فيها الوراق من كونها هدفًا لرجال أعمال تقليديين إلى محور اهتمام "عميل خفي"، يسعى لهدفه بمساعدة أقوى مؤسسات الدولة نفوذًا وتسليحًا. رحلة تصب كلها في تعزيز فكرة واحدة: الوراق؛ كغيرها من الجزر النيلية، بداية الطريق لأن يكون النيل لمن يدفع أكثر.