"سيُمكن مع تحقق الشمول المالي، التعرف على مستحقي الدعم من عدمه بناء على معرفة دخول الأفراد وإنفاقاتهم، ﻷن كل التعامل سيكون إلكترونيًا".
بدأت في مدينة شرم الشيخ، أمس الخميس، أنشطة المؤتمر الدولي التاسع للشمول المالي، بعد دعوات ومساعٍ حكومية محمومة منذ شهور، من أجل التوسع في نشر ثقافة التعاملات المالية بالطرق البنكية الإلكترونية بين المصريين، تنفيذًا لمبادرة من البنك الدولي.
والشمول المالي هو توفير خدمات مالية لكل فرد أو مؤسسة في المجتمع حسب احتياجاتهم، مثل الحسابات البنكية (التوفير والجارية) وخدمات الدفع والتحويل والتأمين، عبر قنوات شرعية كالبنوك وهيئة البريد والجمعيات الأهلية، بأسعار مناسبة للجميع وبطرق سهلة وتراعي حماية حقوق المستهلك.
وتتبنى المؤسسات المالية للدولة تطبيق الشمول المالي بالقطاعات الرسمية، باعتباره أحد أهم ركائز دعم وتنمية الاقتصاد، وبلغ اهتمام هذه المؤسسات به حد وصف محافظ البنك المركزي طارق عامر للشمول المالي بأنه "مسألة عقيدة" لدى البنك.
"عقيدة" بلا مؤمنين
كان من بين التحركات التي قادها البنك المركزي لنشر هذه "العقيدة"، مبادرة أطلقها في أواخر أبريل/ نيسان الماضي، بمشاركة البنوك العاملة في السوق المصرية لإرساء مفهوم "الشمول المالي"، عبر حملة استمرت أسبوعًا للتوعية بأهميته، خرجت المؤسسات البنكية عن جدران مقراتها الرسمية إلى الجامعات والأندية ومراكز الشباب، لتشجع المواطنين علي فتح حسابات بنكية بدون مصاريف إدارية أو حد أدنى.
ولا يعد فتح الحسابات البنكية باﻷمر المنتشر بين المصريين، ففي عام 2015 أعلن عضو مجلس إدارة اتحاد بنوك مصر محمد الإتربي، أن المتعاملين مع البنوك يقدرون بنسبة 10% من المصريين، بينما لا تمتلك نسبة التسعين بالمئة الباقية حسابات بنكية.
وفي سياق الحديث عن فتح الحسابات البنكية على اختلاف صورها، تقول البنوك إن هدف الشمول المالي هو "خلق فرص لمختلف فئات المجتمع لإدارة أموالهم ومدخراتهم بشكل سليم وآمن، لضمان عدم لجوء الأغلبية للوسائل غير الرسمية التي لا تخضع لأية رقابة وإشراف".
لكن الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني يقول للمنصّة أمام الحديث عن إدارة المدخرات أو فتح الحسابات البنكية "نحن نتكلم عن بلد بلغت معدلات الفقر فيها رسميا 42%، فالناس أصلا مش لاقيه تاكل يبقى هتدخر؟ الشعب مش عارف يدبر احتياجاته الأساسية، ومش معاه أي فائض يحطه في بنك (ادخار)".
يعزز طرح "الميرغني" تقرير للبنك الدولي عام 2015، يفيد بأن نصف البالغين في أنحاء العالم، أو نحو 2.5 مليار نسمة، لا يحصلون على خدمات مالية رسمية، و75% من الفقراء لا يتعاملون مع البنوك، مُرجعًا السبب إلى "ارتفاع التكاليف، وبُعد المسافات، والمتطلبات المرهقة في أغلب الأحيان لفتح حساب مالي".
من هنا قد تجد "عقيدة" البنك المركزي صعوبة في الفوز بمؤمنين بها، في ظل مستجدات اقتصادية أبرزها تحرير سعر الصرف "تعويم الجنيه"، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والذي كان له أثر على تفضيلات المصريين في اختيار أوعية ادخار المال الشحيح إذا توفر، إذ يبادرون لتحويل أموالهم إلى عملات أجنبية (دولرة) أو ذهب أو عقارات.
ويقول الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور سرحان سليمان للمنصة، في تفسير هذا الاتجاه "إن العائد الاستثماري [مع العقارات والعملات الأجنبية والذهب] أعلى وأكثر استقرارا من الادخار العادي في البنوك، في ظل انخفاض قيمة العملة المحلية خلال العام الماضي، بعد أن تأثرت سلبا بالتعويم".
كما يشير "سرحان" لسببين آخرين لهذا العزوف عن التعامل مع البنوك وهما "اعتقاد البعض بوجود شبهة تحريم ديني لفوائدها، وتصديق البعض الآخر لشائعات عن مخاطر التعامل مع البنوك بسب الوضع الاقتصادي العام، على الرغم من أن ضامن أموال المتعاملين مع البنوك هو البنك المركزي".
ميكنة الحياة اليومية
شهدت أوائل العام الجاري صدور قرار رئاسي بتشكيل المجلس القومى للمدفوعات، لتحقيق أهداف كان على رأسها "خفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفي، ودعم وتحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية فى الدفع بدلاً عنها، والعمل على تحقيق الشمول المالى بهدف دمج أكبر عدد من المواطنين فى النظام المصرفي وضم القطاع غير الرسمى إلى القطاع الرسمي".
من هنا يتضح أن الشمول المالي ينطوي على جوانب عديدة، أبرزها تحويل غالبية التعاملات النقدي اليومية إلى المسار البنكي الإلكتروني.
ويوضح المستشار الاقتصادي وخبير الأسواق الدكتور وائل النحاس للمنصة أن قرار المجلس الأعلى للمدفوعات بتحويل التعامل المالي إلى هذا المسار، أي شبكة معلومات ببيانات بيع وشراء ومعاملات نقدية إلكترونية، تعاظم معه انتشار خدمات التحويل الفوري للأموال عن طريق الهواتف المحمولة والبيع والشراء عن طريق الإنترنت.
وكشفت إحصائية صادرة عن بوابة المدفوعات الإلكترونية "بيفورت" عام 2014، أن 20% فقط من المصريين يتعاملون في البيع والشراء ببطاقات الائتمان، بينما تحافظ نسبة 80% على ولائها للتعامل النقدي.
ويشير "النحّاس" إلى أن شمول الخدمات المالية يعني أن يصبح شقّي الخدمات المالية واقعًا متحققًا، ﻷن هناك خدمات مالية مصرفية مثل عمليات السحب والإيداع المعروفة، وخدمات مالية غير المصرفية مثل التمويل العقاري والرهن العقاري والتأجير التمويلي والفوري وتحويل الأموال، وأنه بوضع المواطن في هذا المسار؛ سيكون ممكنًا جمع المعلومات من أكبر تفاصيل لأصغرها في شبكة المعلومات.
فوائد.. عراقيل.. ومخاوف
وما الفائدة التي ممكن أن تعمّ من تحويل مسار غالبية التعاملات النقدية بهذه الصورة؟
يقول "النحّاس" إن الفائدة هنا تتمثل في أمور مثل كشف أي عمليات فساد أو رشاوى، ﻷن كل التعامل سيكون إلكترونيًا، وكذلك التعرف على مستحقي الدعم من عدمه بناء على معرفة دخول الأفراد وإنفاقاتهم.
في عام 2015، أصدرت وزارة المالية قرارًا يلزم المؤسسات الحكومية بصرف رواتب العاملين بالدولة ببطاقات ATM، ويقول الخبير الاقتصادي سرحان سليمان إن هذا القرار صار ملزمًا لحوالي 7 مليون موظف.
لكن "سُليمان" يشير إلى واحد من العراقيل الواجب تخطيها قبل تطبيق الشمول المالي، وتتمثل في قلة عدد الفروع البنكية وماكينات الصرف الآلي في المحافظات.
وأما أكبر المخاوف فأبداها الدكتور وائل النحّاس، وكانت حول معدلات الأمان للشبكات المعلوماتية أمام محاولات الاختراق والقرصنة، والتي كبّدت دولاً غربية خلال الأشهر الماضية خسائر بالمليارات، داعيًا في حالة عدم الاستعداد للتعامل بمعدل أمان عالي، إلى قصر المجهودات حاليًا على ضبط أداء سوق التحويلات النقدية المتنامية (خدمات الفوري، وشركات المحمول، وتحويل وشحن رصيد الهواتف)، كي لا تتحول لسوق عشوائية.