امرأة قطة catwoman تثرثر مع تنين مسن على قمة أعلى جبل في العالم عن ضرورة هزيمة التنين الشرير مُلتهم العوالم، يتجادلان حول الحفاظ على العالم الحالي، أو تدميره لتمهيد الطريق أمام خلق عالم جديد. ورجل يستخدم تكنولوجيا عتيقة ليدخل عقل مختطف طفله ليعرف مكانه، هذه مجرد أشياء عادية ستصادفها كثيرا في عوالم ألعاب شركة بيثسدا Bethesda.
شهدت ألعاب العالم المفتوح التي تتمتع بعناصر تقمُّص الشخصية Role Playing games انتشارا كبيرًا خلال الأعوام القليلة الماضية. ومع أن كثير من تلك الألعاب ترك بصمة مميزة لدى مجتمعات محبي ألعاب الفيديو، إلا أن شركة واحدة نجحت في اختطاف انتباه العديد من محبي هذا اللون من الألعاب، وهي شركة "بيثسدا".
في مقال لشيرلين بانج بعنوان "كيف نفهم سيكولوجية لاعب الفيديو"، تجمع كاتبة المقال خلاصة عدة دراسات أجراها باحثون حول الأسباب التي تدفع الناس للانهماك في ألعاب الفيديو على اختلافها، وبينها كانت دراسة لنيك يي، الذي وجد ثلاثة دوافع لدى اللاعب كي يُقدم على قضاء ساعات أمام شاشة الكمبيوتر ليمارس ألعاب الفيديو، على رأسها الشعور بالإنجاز والتقدم الناجم عن تخطي مراحل اللعبة، والدعم الاجتماعي الناتج عن التواصل مع غيره من محبي ولاعبي تلك اللعبة، وأخيرًا الهروب من ضغط الحياة اليومية من خلال الحياة في عالم مُغاير كليًا، هو عالم تلك اللعبة الخيالية.
من هنا يمكننا فهم النجاح الكبير الذي تحققه ألعاب العالم المفتوح التي تقدمها بيثسدا Bethesda وغيرها من الشركات، فتلك الألعاب تقدم لممارسيها فرصة الدخول في عالم خيالي، يتقمص فيه اللاعب شخصية بطل الحكاية، ويتفاعل مع العناصر والشخصيات الأخرى الموجودة في اللعبة وفقًا لقواعد هذا العالم التي قد تكون مختلفة جدًا عن عالمه الواقعي.
لماذا تميزت بيثسدا؟
من الناحية التقنية والرسومية، فما قدمته تلك الشركة لم يكن ملحميًا بالضرورة؛ لكن ألعابها حوت عدة عناصر دفعت متابعي سلاسلها إلى إدمانها.
إذا نظرت إلى تلك الألعاب ستجدها تقدم لك دائمًا عالمًا مفتوحًا شاسعًا، لا يزال لاعبو سلسلتي Fallout وThe Elder Scrolls يبحثون في أركانهما عن باقي أسراراهما.
هاتان السلسلتان مثلاً تقدمان للاعب عالمًا متنوعًا بيئيًا واجتماعيًا، مليئًا بالصراعات والأحداث المكتوبة باحترافية عالية المستوى تحترم عقل اللاعب ولا تعامله كطفل صغير، فشخصيات قصصها تشبه ما تراه في الواقع المُعاش، ففي عالمنا لا توجد شخصيات شريرة أو خيِّرة في المطلق، بل هناك أطياف عديدة من اللون الرمادي، فمن تراه شريرا لو اقتربت منه ستجد لديه مبررات مقنعة لتصرفاته.
وعلى العكس من هذا الاتجاه؛ يُقدِّم مطورو الألعاب المشابهة شخصيات أحادية: إما أبطالاً خيرين بلا شائبة من الضعف الإنساني، وأشرار بلا مبررات مفهومة أو واضحة.
بيثسدا إذن تقدم للاعب بطلاً يشبهه، ويمكنه أن يتوحد معه ويستشعر المواقف التي يمر بها عندما يتقمص شخصيته، ما يجعل اللعبة أكثر إثارة وجاذبية بالنسبة للاعبين.
ألعاب بيثسدا أيضا لا تمسك بيد اللاعب وتجبره على تنفيذ مهماتها وقصتها بشكل أو بترتيب محددين مسبقًا؛ بل توفر له حرية اختيار سيناريوهات متعددة، بطريقة لم يسبقها إليها منافسوها من مطوري الألعاب.
عِش المغامرة
في الجزء الرابع من سلسلة Fallout يبحث البطل عن ابنه المختطف. وبينما يتحرك اللاعب بعيني وقلب هذا الأب البطل؛ يجد نفسه في إحدى المهام غائصًا في ذكريات خاطف ابنه، يراه وقد كان رب أسرة عادي جدًا، يحيا في عالم متداع ويحاول حماية أسرته، إلى أن يفقدهم فيتحول لقاتل مأجور وخاطف أطفال، بعدما فقد إيمانه بكل شيء.
وفي The Elder Scrolls انت في عالم قروسطي خيالي غارق في الحروب الأهلية والخلافات السياسية الحادة والتمردات واحتلال خارجي للبلاد التي تدور أحداث اللعبة فيها، يتهدد هذا العالم خطر التنانين القادمة من عصور ما قبل التاريخ، والتي تهدد بالتهام العالم كله لخلق عالم جديد. ولك حرية الاختيار طبعا -كما أسلفنا- في تحديد ماهية بطلك الذي كونته وحددت صفاته باختياراتك.
نرى تلك الحرية والعمق في الشخصيات بالذات سلسلتي Fallout, The Elder Scrolls، فهما تعطيانك الحرية لتكوين شخصيتك عن طريق تحديد مظهرك وصفاتك أولاً، ثم تطلق يدك لتنضج هذه الشخصية بناء على تصرفاتك واحتكاكك مع عالم اللعبة. فمثلاً Fallout توفر لك مناخ ما بعد الكارثة النووية في أرض الولايات المتحدة.
تخوض اللعبة في عالم دستوبيا ما بعد حرب نووية شاملة، جعلت العالم عبارة عن خراب تتخلله مستعمرات بائسة تتقاتل على الموارد النادرة والمشعة. وبمجرد خروجك لهذا العالم لك مطلق الحرية في أن تكون قاطع الطرق، أو الشخص الضعيف الذي يحاول النجاة في ذلك العالم عن طريق قدراته على التفاهم والتفاوض وخفة يده. يمكنك أن تتعامل مع العالم وكأنك بطل خير أو شرير، وسيرد عليك العالم ويتغير بناء على أفعالك.
كل تلك الاختيارات المستمرة تختبر معدنك كإنسان، وتجعلك مع كل خطوة تتحمل مسؤولية اختياراتك بشجاعة.
في ألعاب بيثسدا يمكنك بناء العالم من حولك، بدءًا من بناء مستعمرات ليعيش فيها المشردون أو بناء بيت خاص لك. يمكنك أيضا اختراع أسلحة من الخردة الملقاة حولك في عالم اللعبة، والتي ستبلى مع الاستعمال المستمر إذا لم تهتم بحالتها.
لكن بيثسدا Bethesda أيضا تعلمت درسا مهما من ألعاب سابقة مثل The Sims أو Sim city حققت ما يُسمَّى بالاستغراق immersion، من خلال احتواء اللعبة على عناصر وأفعال يمارسها الإنسان في حياته اليومية كالنوم والأكل والتعب من المجهود الزائد، والتعرض للمرض والعدوى عند الاحتكاك بحيوانات مسعورة أو التعرض للإشعاع، أو حتى إدمان المخدرات وأثرها على أداء الشخصية في عالم اللعبة.
اصنع لعبتك
لكن كثير من الألعاب تقدم إمكانية الاختيار وبناء عالم اللعبة، فما المختلف الذي جعل من ألعاب بيثسدا بهذا النجاح؟
إجابة هذا السؤال هو إتاحتها للاعبين إمكانية إدخال تعديلاتهم على برمجة اللعبة نفسها من خلال الـ mods. فمن خلال أدوات توفرها الشركة، يمكن للاعبين ببعض الصبر والإبداع إدخال أي تعديل كان أو خلق أي محتوى جديد من خيالهم، بدءًا من تغيير أشكال الملابس والبشرة والمظهر والمباني والطبيعة والمناخ والظواهر الطبيعية وإضافة أماكن جديدة، إلى اختراع شخصيات وكائنات وقصص ومحتوى إضافي للعبة.
أظهر هذا الطور الكثير من الظواهر التي جعلت ألعاب الشركة وكأنها ألعابا لا تنتهي، فهي متجددة ومستمرة للأبد مع إمكانية إعادة اللعبة من جديد لتختار جنسا أو مظهرا جديدا، أو تتخذ قرارات مختلفة أو تدخل تعديلات من خلال الmods لتغير تجربة وعالم اللعبة تماما وتحوله إلى عالم موحش ومرعب أو حتى عالم مضحك ومسللي. أنت هنا تصنع لعبتك بنفسك، العالم ملكك لتشكله كما تريد.