خلق جورج ر. ر. مارتن في روايات "أغنية الجليد والنار" ومسلسل "صراع العروش" واقعًا معقدًا رمادي اللون، لا نجد فيه هذه المواجهة الكلاسيكية بين الأبيض والأسود، لا يوجد أبطال مثاليون، كما لا يوجد أشرار بالمعنى التقليدي، ولكن هناك الكثير من الدم الفاسد الذي يجب التخلص منه لضمان استقرار وستروس.
منذ الحلقات الأولى، ووسط صراعات الملوك وكبار العائلات، نرى شخصيتين محوريتين، هما اللورد بيتر بيليش (ليتل فينجر) السياسي الشرير، الذي يرى كل شيء عبارة عن فرصة أو سلم للتسلق، ولا حد لطموحه، واللورد فاريس، الشخصية الغامضة التي تليق بضابط مخابرات عسكري. يسهل أن نضع الشخصيتان في البداية في تصنيف الشر، ولكننا نجد بيليش مستعدًا لمساعدة الآخرين، ونجد فاريس مخلصًا لوستروس وشعبها بغض النظر عن حاكمه
لكن مع نهاية الموسم السادس، وصلت الأحداث في مسلسل "صراع العروش" إلى نقطة يقف فيها أبيض ما ضد أسود ما؛ الحياة ضد الموت، مصير الإنسان والبشر في وستروس، مقابل الوايت ووكرز والأموات.
تم تقديم الوايت ووكرز حتى الآن بشكل يعزز هذه الثنائية الكلاسيكية، ولكن إذا نظرنا إلى الجانب "الأبيض" من المسلسل، لن نجده بهذه البراءة. طوال المواسم الماضية قدم المسلسل تفاصيل الصراعات التي تجري على الجانب الجنوبي من السور؛ قتل وتشريد وحروب وفساد، عالم يستحيل أن تتعاطف معه.
إذا لم تكن بشريًا وقررت متابعة مسلسل صراع العروش، ربما ستتحمس كثيرًا وتدعم الوايت ووكرز الذين سيضعون حدًا لفساد البشر. ولكن لأننا لا نثق في أن هناك غير بشري سيتابع المسلسل، سننظر إلى الأحداث من زاويتنا نحن.
ما نعرفه عن الوايت ووكرز قليل جدًا، بل حتى هذه اللحظة لا نعرف ما هي نواياهم، وإن كنا نظن أن هدفهم هو غزو العالم، لكن بحسب الأحداث، فإن الوايت ووكرز يستطيعون التحرك بسرعة، ويتحركون في كل الاتجاهات، ما عدا اتجاه الجدار الجليدي الذي يمنعهم من غزو العالم، لم نرهم ناحية الجدار ولو مرة واحدة. وما نعرفه أيضًا هو أن أطفال الغابة خلقوهم في البداية لمواجهة البشر الذين جاءوا من إيسوس واجتاحوا وستروس.
ينظر أطفال الغابة إلى البشر في "صراع العروش" بنفس الطريقة التي يرى بها العميل سميث، في ثلاثية Matrix، البشر، حين قال لمرفيوس: "أنتم البشر مرض.. سرطان هذا الكوكب، أنتم الطاعون ونحن العلاج"، فالوايت ووكرز بالنسبة لأطفال الغابة سلاح لتحقيق التوازن مرة أخرى للعالم، بعد أن سيطر عليه البشر. وتحقيق التوازن بالنسبة لأطفال الغابة في ذلك الوقت كان بالقضاء على الإنسان؛ العنصر الفاسد الذي أدى إلى عدم استقرار وستروس وقتل الحيوانات ودمر الغابات.
ولكن أطفال الغابة لم يستطيعوا السيطرة على الوايت ووكرز، وتحولوا من سلاح في أيدي الأطفال لمواجه البشر، إلى أعداء. لم نعرف بعد الأسباب الحقيقية التي جعلتهم ينقلبون على أطفال الغابة، ولكننا نعرف أنهم بدأوا يتصرفون كالبشر، وإذا نظرنا إلى الأمر من زاوية تطورية، سنجدهم كائنات تحاول فعل أي شيء لضمان البقاء على قيد الحياة.
اضطر أطفال الغابة للتحالف مع البشر قبل 8000 عام من تمرد روبرت براثيون، عندما عرف العالم شتاء طويلًا استمر لجيل كامل، وخرج جيش الوايت ووكرز من أقصى الشمال، وعرف العالم حينها حرب سميت باسم "حرب من أجل الفجر"، تحالف فيها كل شعب وستروس مع العمالقة وأطفال الغابة لهزيمتهم وإجبارهم على الرجوع إلى أقصى الشمال، الأمر الذي نتج عنه بناء الجدار الجليدي.
تحول الوايت ووكرز بعد هذه الحرب إلى الكائنات الأكثر توحشًا وغموضًا في عقول أهل وستروس، ومع مرور الزمن أصبحوا مجرد حكايات خيالية مخيفة بالنسبة للأطفال، ولكن ظل الشتاء مرتبطًا بوقوع الكارثة. في الواقع هناك وجهة نظر علمية ترى أن العصور الجليدية على كوكب الأرض تقوم بدور إعادة ضبط مناخ الكوكب، وإعادة التوازن فيه مرة أخرى، ربما لا يرقى هذا الرأي إلى كونه حقيقة علمية، ولكن هكذا تبدو مهمة الشتاء والوايت ووكرز في عالم وستروس الخيالي، أن يقوموا بدور إعادة ضبط هذا العالم المرتبك. وحتى لو لم يكن هذا هو هدف الوايت ووكرز المباشر، فعل الأقل هذا هو ما وُجدوا من أجله منذ البداية.
نعيش الآن واقعًا مشابهًا لواقع وستروس، مهددين بسبب التغيرات المناخية، نشعر أن "الشتاء قادم"، خاصة بعد تجاهل أكبر دولة في العالم لاتفاقية باريس للمناخ. كذلك نستيقظ يوميًا ونقرأ الأخبار ونترقب حربًا عالمية ثالثة؟ ونتساءل متى ستقع الكارثة.
في وستروس ستؤدي "الكارثة" إلى احتمالين، إما تحالف الممالك والعائلات المتصارعة وإعادة النظام للحياة ومواجهة الوايت ووكرز، وإما أن تفنى وستروس كما نعرفها.
الحرب القادمة في وستروس حرب مصيرية، ولكنها حتمية، ستخلص العالم من الارتباك الذي يمر به، يشبه الوضع ما قاله كليمنزا ذات مرة لمايكل كورليوني عن الحرب بين عائلات المافيا في فيلم The Godfather: "هذه الأشياء تحدث كل 5 أعوام أو 10 أعوام، هذا يساعد على التخلص من الدماء الفاسدة".