"يا ترى رامز هيعمل المقلب في مين النهارده؟" هذه هي الجملة التي كثيرًا ما نسمعها أثناء إفطار رمضان للسنة السابعة على التوالي – منذ 2011 – في كل تجمعات المصريين، في إفطار العائلة أو بالقهاوي أو المطاعم.. إلخ. وربما نسمع بعد قليل جملة "هو رامز جاب مين النهارده؟" إذا لم يستطع الشخص أن يشاهد حلقة اليوم من برنامج "رامز تحت الأرض".
وبرنامج "رامز تحت الأرض" برنامج مقالب يقوم فيه رامز جلال بإرهاب أحد المشاهير، وأغلبهم من الفنانين، وقبل نهاية الحلقة يكشف رامز المقلب للنجم، بعد أن يُخرِج من النجم كل ما يستطيع إخراجه من مشاعر الهلع والرعب. في برنامج هذا العام يستدرج رامز النجم في سيارة إلى قلب الصحراء، ثم يوقعه في رمال متحركة، ويُظهِر له سحلية ضخمة من نوع تنين كومودو تقترب منه رويدًا رويدًا لتُلقي في نفسه الخوف من أن يكون فريسة لها، خاصة أنه يكون مكبلًا وغير قادر على الحركة بسبب الرمال المتحركة.
بعد الحلقة مباشرة يبدأ الجدل، ليحتل اسم الضيف مكانه ضمن "أهم الهاشتاجات" على الإنترنت، بينما تتناقل الألسن اسمه والمبلغ الذي طلبه للموافقة على إذاعة الحلقة وردود أفعاله أثناء الحلقة، وربما تأليف ردود أفعال ومواقف لم تحدث بينما يحكي المشاهدون لمَن لم يحالفهم الحظ للمشاهدة تفاصيل حلقة اليوم من مقالب رامز.
وللسنة السابعة على التوالي يلتحق برنامج مقالب رامز بقائمة الأعلى مشاهدة ضمن كل البرامج والمسلسلات التي يتم عرضها على شاشات القنوات العربية المختلفة في شهر رمضان الكريم.
رامز.. أمير الانتقام
في هذه المقالب، يندمج الجمهور مع رامز لا مع الضيف حيث يكون الضيوف هم "الآخر" بينما رامز هو "الأنا" التي استطاعت، أخيرًا، أن تنتقم من الآخر. ويتزامن برنامج رامز مع حالة من التفاوت والتباين والانقطاع بين طبقتين في شهر رمضان تنعكس آياتها على التلفزيون. طبقة تُشَاهِد (المتفرج) وطبقة تُشَاهَد (المُتفرَج عليه). طبقة ترزح تحت نير الأزمة الاقتصادية، والتي تعصف أكثر بالطبقات الدنيا والمتوسطة بعد ارتفاع سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري، وهروب المستثمرين الأجانب بعد حالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد بعد ثورتين متتاليتين، وأيضًا هروب المستثمرين المحليين بسبب الفساد المستمر من قبل الحكومات المتعاقبة، وطبقة أخرى تستمتع بحياتها في "الكمبوندات" الجديدة، التي تقع أعلى قمة العاصمة حيث تطل على الأحياء الأخرى من علٍ، بينما تتسع أرجاء المنازل والحدائق وتمتلئ بالأجهزة الكهربائية التي تمثل آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا، بالإضافة إلى امتلاكهم السيارات الفارهة والحديثة.
كل ذلك يتم عرضه عبر وسيط التلفزيون في المسلسلات والإعلانات والبرامج المختلفة، وعبر هؤلاء المشاهير الذين ينتقم منهم رامز جلال وكأنه يقوم بالمهمة التي تراود أبناء الطبقة الدنيا والوسطى والناجمة عن حالة من المزج بين التطلع والحقد بنفس الوقت. تطلع لهذه الطبقة عبر التشبه المستمر بهم، والحقد عليهم عبر النيل منهم بالطرق المتاحة، كالنيل من سمعتهم ونعتهم أنهم جميعًا "حرامية" أو فاسقون يشربون الخمر والنساء منهن مومسات.. إلخ، أو عبر رامز كوسيط.
التماهي هنا يكون مع رامز، الذي يُدرك جيدًا هذا الأمر فيستخدم ألفاظ وحركات أولاد البلد الشعبيين و"شقاوتهم"، لأنه يعرف جيدًا جمهوره، ويعرف أيضًا أن هذا الجمهور هو النسبة الأكبر من جمهور الوطن العربي. ويشعر المشاهدون من أبناء هذه الطبقة أن رامز "منهم وعليهم" وأنه يمثلهم في هذه اللعبة (المقلب).
لحظات التشفي العظمى
الأهم بالنسبة للمشاهد هي اللحظة التي يكتشف فيها المشاهير تورطهم في المقلب. المشاهد هنا لا يهتم إذا كان هذا الشخص يعرف بوجود مقلب أم لا. ولكن ما يهتم به هو حالة تخلي النجوم عن وقارهم ورزانتهم والقناع الذي يرتدونه أمام الناس وذلك حينما يقعون فريسة للخوف أمام رامز.
رامز يقوم هنا بتعرية النجم أمام المشاهد. تقوم هذه التعرية بإشباع أمرين في نفس المشاهد، وهما: رغبته في التلصص على النجوم، وهي رغبة معتادة ويتم إشباعها باستمرار عبر الصحافة الفنية و"البابارتزي"، وأيضًا رغبته في مشاهدة النجم وهو في حالة إذلال.
أحيانًا يتم تحقيق هذه العملية بالكمال المطلوب، وأحيانًا أخرى لا يتم تحقيقها بهذا التوازن، مثلما حدث مع الممثل الهندي شاه روخ خان، والذي قَلَب الموقف مقابل رامز، ويكون له اليد العليا في الموقف لا رامز، وذلك حينما حافظ على وقاره واتزانه وصرامته وتشبث بقناعه ولم يخلعه، ولم يستطع رامز أن يخلعه عنه أو يجبره على خلعه حتى وهو غارق في الطين. وبعكس موقف المشاهدين من كل النجوم الذين ظهروا مع رامز، قَدّر المشاهدون شاه روخ خان أكثر من أي نجم آخر معتبرين إياه نجمًا حقيقيًا لا يمكن مقارنته بالنجوم المصريين الذي يتخلون عن وقارهم بسرعة وبنزق مع أول موقف يهدد حياتهم.
رأي المشاهدون شاه روخ خان – حلقته هي الأعلى مشاهدة ضمن كل حلقات البرنامج – كنجم من طينة أخرى مختلفة تمامًا عن طينة بقية النجوم، وبالتأكيد مختلفة عن طينتهم هم أنفسهم. فهو لم يتخل عن كينونته المتعالية ويتدنى إلى شخص عادي مثلهم. بل حافظ على صورته الاعتبارية فلم يخف أو يصرخ أو يبكي أو يغضب مثل بقية النجوم، ليثبت أن شخصيته الاعتبارية هي نفسها شخصيته الحقيقة وأنها غير مزيفة. حافظ شاه روخ خان على أعصابه وعلى صورته فلم يخلع حتى نظارته الشمسية – وهو ما علّق عليه مشاهدو الحلقة كثيرًا في أحاديثهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة – فلم يستطع الطين أن يلطخه مثلما لطخ بقية النجوم، بل هجم على رامز وسَحَله وأوقعه بـ"مقص حرامية" بسهولة ويُسْر، ليجعل رامز يركع أمامه مستجديًا عطفه ورحمته وكأن شاه روخ خان يقوم بدور بأحد أفلامه حيث هو البطل وبقية الممثلين مجرد كومبارس.
أخيرًا، سيستمر رامز أو غيره في كسب المزيد من المشاهدين حول العالم عبر لعبة تعرية النجوم وإجبارهم (بطريقة حقيقية أو تمثيلية) على النزول إلى الأرض والعيش بين الناس لدقائق، مثلما لعبت عشرات البرامج قبل رامز نفس اللعبة حتى لو بأشكال أخرى؛ مثل منى الحسيني في برنامجها "حوار صريح جدًا" والذي كان يعتبر الأعلى مشاهدة في مرحلة ما قبل الفضائيات، أو طوني خليفة في برنامجه "أجرأ الكلام"، والذي كان يستخدم نفس طريقة تعرية النجم أمام المشاهد بالأسئلة الحرجة وصولًا لبكاء النجم كنوع من التطهر.
هذا التطهر الناجم عن البكاء أو عبر بحر الرمال المتحركة (في حالة "رامز تحت الأرض") يُحَوِّل رؤية المشاهد للنجم من الحقد إلى التشفي، وأخيرًا إلى الشفقة والتعاطف، وبذلك يساعد رامز جلال في إحداث نوعًا من "التوازن الزائف" في المجتمع بين الطبقات عبر برنامجه الذي يعتبر "مُسَكِّنًا" للفجوة المتسعة التي يهوى فيها كلا من المشاهد والنجم، بسبب الخطوات غير المحسوبة والمتسمة بالفساد والتي تتخذها الحكومات العربية المختلفة، والتي تزيد الطين بللًا فتُغرِق الجميع في رمال متحركة لا يمكن الفكاك منها.