اليوم، شُيّع جُثمان شاب قُتل دهسًا "بالخطأ"، تحت عجلات سيارة تابعة للأمن؛ ما أجج نيران غضب، التهمت كرسي الوالي ومقار شرطية.
لم يكد يمر يومان بعد محاولة الأمن، فض اعتصام نظمه مئات التونسيين، في ولاية تطاوين (500 كيلومتر جنوب العاصمة تونس)، للمطالبة بالحصول على وظائف؛ إلا وأعلن واليها محمد برهومي، على حسابه بفيسبوك، استقالته التي قال إنها "لأسباب شخصية وخاصة".
في اليوم الذي قدّم فيه والي تطاوين استقالته؛ شُيع جثمان مُحتج قُتل دهسًا "بالخطأ"، تحت عجلات سيارة تابعة للأمن؛ ما أجج نيران غضب، التهمت- حتى الآن- كرسي الوالي وعدة مقار شرطية.
المعركة الدائرة الآن بين المحتجين والنظام، لم يكن لها أية علامات قبل حوالي شهرين، فالبداية كانت باحتجاج سلمي، انتهى بتحوّل تطاوين إلى كرة لهب في وجه الحكومة التونسية، وذلك بعد عدة أحداث متلاحقة، ترصدها "المنصّة".
في سبيل وظيفة
بدأ الأمر عاديًا يوم 12 أبريل/ نيسان الماضي، حين تظاهر أكثر من 1000 شخصًا بمدينة تطاوين، في إطار إضراب عام، للتنديد بـ"التهميش، والمطالبة بالتنمية والوظائف". نفّذ المواطنون إضرابهم وتظاهرهم رغم وعود رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد، باتخاذ إجراءات لمعالجة مشكلاتهم.
وربما كان دافع المواطنين للتمسك بالإضراب، هو انتهاء زيارة وفد وزاري لمدينتهم، في 4 أبريل، دون تحقيق هدفها بوضع "خارطة طريق" يحصلون بناء عليها، على نصيبهم من "الثروة النفطية، والوظائف".
يشير معهد الإحصاء التونسي الحكومي، إلى أن البطالة بلغت بنهاية عام 2016، نسبة 15.5%، وترتفع بين حاملي الشهادات العليا لتصل إلى 30%، وفقًا لما أورده تقرير، نشرته في وقت سابق وكالة "الأناضول" التركية.
وبناءً على الأخبار المتداولة، يبدو حراك تطاوين محفزًا لمناطق أخرى في البلاد، إذ انطلقت بعده بأيام قليلة، احتجاجات ضد الحكومة، شهدتها مناطق مختلفة من البلاد، وعلى رأسها "الكاف، والقيروان، وسيدي بوزيد، والقصرين"، تبنتها جهات مدنية وأهلية مثل "الاتحاد العام لطلبة تونس".
خوف رأس المال
بعد شهر من الاحتجاجات، بدأ الخوف يطل برأسه بين قرارات المستثمرين، إذ أعلنت شركة "أو.إم.في" النمساوية للطاقة، في 5 مايو/ أيار الماضي، نقل حوالي 700 من موظفيها غير الأساسيين والمتعاقدين، من مشروعات بجنوب تونس، بعد "تهديد محتجين بإعاقة عملياتها".
صدر قرار الشركة، بعد أن جاهرت فعلاً بمعاناتها من نقص في الإمدادات، بسبب توقف حركة الأفراد والمعدات، عبر الطرق الواصلة بين المدينة المُحتجة وغيرها.
في ذلك الوقت، كان المحتجون يهددون بإغلاق طرق تستخدمها هذه الشركة، وكذلك "إيني" الإيطالية، للوصول إلى حقول الغاز والنفط.
وبمرور الوقت، صارت الاحتجاجات سببًا في مشكلات، أكبر من مجرد إغلاق الطرق، إذ أعلنت وزارة الطاقة التونسية، أنه إثر الاحتجاجات توقف الإنتاج في حقلي "باقل" و"طرفة"، المنتجين للغاز والمُكثفات، لحساب شركة "بيرنكو" للطاقة، والتي نسبت إليها أنباء في وسائل إعلام محلية في اليوم نفسه، قرارًا بتسريح عمالها.
نيران الاحتجاجات
أملاً في التهدئة، عرضت الحكومة 1500 وظيفة بشركات الطاقة، من بينها 1000 فورية و500 العام المقبل، وألفي وظيفة في قطاع الزراعة والمشروعات البيئية، إلى جانب 20 مليون دولار، لتطوير مشروعات في المنطقة، لكن هذا لم يجد صدى لدى المحتجين، باعتبار أن هذه الوظائف "ليست فورية".
ومع تعثّر مفاوضات الطرفين، المحتج والحاكم، توالت عمليات إغلاق منشآت نفطية، وكان التصعيد يوم السبت الماضي، بإغلاق محطة "فانا" التي تضخ النفط الخام لميناء الصخيرة، وهنا أثار الموقف حفيظة الجيش وتحرّك لفتح المنشأة، بمساعدة الشرطة التي حاولت فض الاعتصام بالقوة؛ فاندلعت الاشتباكات، وتأججت بدهس أحد المتظاهرين، حد بلوغ عنفها حرق مقّار أمنية.
والآن، بينما يجمع "برهومي" أوراقه من مكتب ولاية تطاوين، وفي حين وجه المتحدث باسم الحرس الوطني، خليفة الشيباني، أصابع الاتهام فيما تشهده من تصعيد لـ"جماعات تهريب"؛ تستمر الاحتجاجات رغم الاعتقالات. بل تفيد أنباء بخروج الاحتجاجات من تطاوين إلى العاصمة تونس، حيث مقرّ حكومة "الشاهد"، والتي تنكر استخدام الرصاص ضد المتظاهرين.