كثير من الإنجازات والوعود بلا تفاصيل مزعجة؛ هكذا يمكن تلخيص فحوى حوار أدلى به الرئيس عبد الفتاح السيسي لرؤساء تحرير الصحف القومية (الأهرام والأخبار والجمهورية) ونُشر الجزء الأول منه اليوم الأربعاء.
وبدت أسئلة الحوار ودية. وخلت من أي استفسارات عن قضايا غير محببة للنظام. كما خلت الإجابات من التفاصيل المزعجة لتفسح المجال للحديث عن الإنجازات والإشادة بأركان النظام. مع تمرير رسائل أخرى قرأتها "المنصّة" بين سطور الحوار.
شعبية الرئيس
من سطوره الأولى، بدا الحوار احتفاليًا. يُركّز على شخص الرئيس وشعبيته. بدأ بسؤال عن واقعة صفّق وهلل لها أنصار السيسي، وهي حديثه مع المواطن "حمام" خلال افتتاح مشروعات بالصعيد، لدرجة أن المحاورين وصفوا ذلك الحديث في سؤالهم بقولهم: "لا تعي ذاكرتنا مشهدًا كهذا بين مواطن مصري وحاكم".
وبالتالي، صار مفهومًا أن يَرِد في إجابة الرئيس عبارة مثل : "أنا لا أدير علاقة بين حاكم ومحكومين، إنما مع أهلنا".
وبنفس الحسّ الدعائي جاء السؤال الثاني؛ الذي لم يحمل استفهامًا قدر ما جاء دفاعيًا ضد من يرون أن حديث الرئيس ومواطن "المراشدة" مُعدّ مسبقًا.
كان سؤال المحاورين :"لعل من حسنات لقاء قنا أن كثيرين أدركوا أن لقاءاتك غير مُرتبة، وأن الأسئلة والمواقف عفوية".
حتى عندما وجه المحاورون سؤالاً صريحًا للرئيس عن احتمالية انخفاض شعبيته، تبرعوا في السؤال نفسه بطرح خيار آخر يحمِل في طياته نفيًا لتراجع الشعبية. وكان نص سؤالهم: "هل تشعر بأن مسألة غلاء الأسعار أدت إلى انخفاض الشعبية، أم أن وسائل التعبير الجماهيرية عنها قد خفتت بالقياس لما كان عند نزول الناس إلى الشارع للمطالبة بترشّحك لانتخابات الرئاسة؟".
لكن مع هذه الصياغة الهادئة للسؤال، حوّل الرئيس مسّاره- في الإجابة- إلى اتجاه آخر يوحي بأن شعور المواطنين الآن، لا يعدو كونه ضيقًا من الأسعار.
قال الرئيس: "الناس تفهم وتشعر، ممكن يكون المواطن متضايقًا من الغلاء وسوء الخدمات، لكنه يعلم بأن التركة ثقيلة وصعبة....".
الوقت والجهد والأعباء كانوا نقاط انطلاق لأحاديث مباشرة وغير مباشرة عن فترة رئاسية ثانية. والسؤال الخامس من الحوار كان واضحًا تمامًا في رسالته. قال المحاورون:"هل تشعر بعد مضي 3 أعوام أن العبء أكبر مما تتصور؟ هل تشعر بأن المواطن يُحمّلك في أقل من 36 شهرًا مسؤولية إصلاح ما جرى في 36 عامًا، بل يُحمّلك مسئولية تعويض ما فات على مدى 50 عامًا مضت، خلال فترة رئاسية واحدة؟".
وفي الإجابة عليه، لم يذكر السيسي صراحة أمر الترشح لفترة رئاسية ثانية. تحدث عمّا أنجزه النظام خلال 3 سنوات، وعقّب بقوله: "مدة 4 سنوات للانتهاء من المشروعات الكبرى، ليست مدة طويلة، لأن التحدي كبير جدًا".
دور الشعب
النقطة الثانية التي أطلت من بين سطور الحوار تتعلق بالمهام الجسام التي رآها واضعو الأسئلة مُحملة على كاهل الرئيس وحده، والمسؤوليات والتضحيات التي يجب أن يتحملها الآخرون.
ففي إجابة أول أسئلة الحوار، اعترف السيسي بوجود تقصير في كثير من مرافق وخدمات الدولة؛ لكنه كما عوّد مخاطبيه في أكثر من مناسبة، قرر عدم تحميل المسؤولية للأجهزة المعنية بمفردها، بل قال:"إنكم تطالبونني بأن أُجابه وأن أتصدى وأن أحافظ على هيبة الدولة، لذا لابد أن تقف الدولة كلها على أظفارها لاستعادة حق شعبها".
وجاءت صياغة بعض الأسئلة لتمهد حديث الرئيس عن ضرورة ألا يتحمل وحده المسؤولية. مثل السؤال الخامس الذي ذكرناه سابقًا وجاء فيه: ".. هل تشعر أن المواطن يُحمّلك في أقل من 36 شهرا مسئولية إصلاح ما جرى في 36 عاما، بل يحمّلك مسئولية تعويض ما فات على مدى 50 عاما مضت؟".
وبدا إصرار السيسي على عدم استثناء الشعب من المسؤولية واضحًا في إجابته عن السؤال الرابع المتعلق باستراداد أراضي الدولة، وإن صاغ هدفه في عبارات تدغدغ المشاعر.
قال الرئيس:"لدي ثقة كبيرة جدًا في شهامة ومروءة المصريين، وأن المصري لا يتخلى عن بلده، ولن يقبل أن تكون بلده دولة متواضعة أو هشّة، وغالبية المصريين مستعدين أن يعانوا، شريطة أن يكون ذلك من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم".
حتى في إجابة السؤال الثامن، المتعلق بالشعبية وتأثير ارتفاع الأسعار عليها، لم يتردد الرئيس في أن يقرن تحسين الأوضاع بشرط التحمل والتضحية..
وقال "التركة ثقيلة وصعبة، وتتطلب وقتًا وجهدًا وتضحية، والمواطن في قلب التضحية، ثم بعد حين، حينما يخرج من أزمة الأسعار، سيتساءل كيف خرجنا من ارتفاع الأسعار وسوء الخدمات....... هناك ضريبة مستحقة للانتقال للأفضل".
إنجازات ووعود
تُحيل نقطة المستقبل الأفضل إلى أخرى هيمنت على حوار الرئيس، لدرجة أنها وردت في أغلب إجاباته، وهي الحديث عن الإنجازات التي حققها والوعود بمستقبل أفضل.
وهنا لا يمكن إغفال حديث السيسي عن نفسه، ففي أكثر من إجابة تحدث الرئيس باعتباره مختلفًا عن الآخرين. دون أن يحدد هل يقصد هنا الرؤساء السابقين أم بعض المسؤولين الحاليين. فقال عن لقائه بالمواطن الصعيديّ: "البعض فيما مضى لم يكن يسمع، أو يتيح الفرصة لسماع الناس، لكي يُعطي انطباعًا بأن كل شيء تمام".
وعن تصرّفات بعض المسؤولين قال"أسلوب إدارتي لا يسمح لأحد بأن يُعطي انطباعًا غير حقيقي" وعن المشروعات قال "لعلكم لاحظتم عدم رضائي في أثناء الافتتاحات بقنا عن عدم التسليم".
حتى السؤال الخاص بأكثر القضايا جدلية، تحرير سعر الصرف، لم يجب عنه الرئيس فقط باعتبار القرار "سليم في توقيته" بل وأثنى على شخصه بقوله "لم يكن أحد آخر يستطيع أن يتخذه في هذه الظروف".
ربما ساعد الرئيس على تقديم إجابة كهذه لسؤال تحرير سعر الصرف صياغة السؤال، إذ بدأ بعبارة تأييد للقرار فقال له محاوروه: "مؤشرات الاقتصاد المصري آخذة في الصعود طبقًا لبيانات المؤسسات الدولية"، ما استتبع أن يكون بقية سؤالهم عن أن "البعض طالب بتأجيله (قرار التعويم)، لحين نضج تشريعات الاستثمار وعودة السياحة"، وليس رفض القرار التام، وحديث البعض عن عواقبه.
ومن الحديث عن الذات انتقل السيسي للحديث عن الإنجازات. ومنها ما ورد في إجابته عن السؤال السادس، بتفاصيل كثيرة عن مشروعات "المليون ونصف المليون فدّان، والـ100 ألف فدّان صوب، والمليون رأس ماشية" رغم أن السؤال كان عن ارتفاع الأسعار وتأثيرها على المواطنين.
وللتأكيد على إنجازات النظام، حملت إجابة الرئيس عن السؤال التاسع إعلانًا رسميًا بتقديم "كشف حساب للشعب في يناير أو فبراير 2018".
أمّا الوعود، فتعلقت بمشروعات مثل مدينة العلمين الجديدة، ومشروع حقل "ظهر" للغاز الطبيعي، والعاصمة الإدارية الجديدة، والتي حدد لها مواعيد للافتتاح أو التشغيل.
وعلى العكس منها، كان الوعد بتخفيف العبء عن المواطنين، بقوله في إجابة السؤال السادس الخاص بالأسعار، عبر "إجراءات حمائية نقدية وعينية، تستفيد منها الطبقة المتوسطة ومحدودو الدخل، لمواجهة خطوات الإصلاح الاقتصادي والتخفيف من آثارها"، التي لم يحدد لها أجلاً.
بلا تفاصيل مزعجة
على الرغم من تأكيده أن تحرير سعر الصرف "قرار سليم ولصالح الشعب"، إلا أن الرئيس تجنب الحديث عنه، ولو لتقديم أدلة على صحته، مثلما فعل وأسهب في تفصيل المشروعات، بل انتقل سريعًا للحديث في أمر فرعي يتعلق بالأسماك والبحيرات.
وهذا من جانب الرئيس، أما من جانب محاوريه الثلاثة، فكانت أسئلتهم خالية من أي أمور عالقة أو شائكة، فلا سؤال مثلاً عن "حقوق وحريات، أو معركة قانون الهيئات القضائية، أو إعادة هيكلة لأي من أجهزة الدولة، أو الأمن المائي المصري"، على الأقل في هذا الجزء من حوارهم.
لهذا، منحت الأسئلة للرئيس مساحة للإشادة بجهات مختلفة، على رأسها القوات المسلحة-في إجابة السؤال الرابع- والحكومة ورئيسها- في إجابة السؤال رقم 15.