حين انتفض النوبيون، قبل شهور قليلة، دفاعًا عن أرضهم القديمة "فورقندي"، المعروفة باسم توشكى، ضد طرحها للاستثمار ضمن مشروع المليون ونصف فدان، كانت النساء النوبيات حاضرات، بقوة ودون تردد، زودًا عن حق العودة.
وحين نظم النوبيون، وقتها، قافلة لزيارة توشكى، شاركت النساء في كافة التحركات، حتى حين تحولت القافلة لاعتصام على طريق "أسوان- أبوسمبل" الدولي، بل وواصلن الحراك حتى بعد فضّه أيضًا، لكن كل هذا لم يحميهن من "تمییز أبوي"، وثّقه مركز "نظرة" للدراسات النسوية، بورقة بحثية أصدرها اليوم.
وبناءً على شهادات من ناشطات ونساء نوبيات شاركن في القافلة، خلص "نظرة" إلى نتيجة تقول إن حضور النساء الملحوظ في القافلة، بل ومشاركتهن في أنشطة النادي النوبي العام، سواءً بسواء مع الرجال "لیس بالضرورة دلیلاً على إشراكهن في صنع القرار".
مشاركة مشروطة
انطلقت قافلة "العودة النوبية" إلى توشكى، يوم 19 نوفمبر/ تشرين ثان 2016، بعد حشد لها داخل القرى النوبية، شاركت فيه النوبيات، من الناشطات في الاتحاد النوبي وكذلك غير المنخرطات في العمل العام.
تحركت القافلة بحوالي "12 أو 13 سيدة، بين أكثر من 400 شخصًا"، وفقًا لتقديرات رئيس الاتحاد النوبي العام الحالي، محمد عزمي. وببدء الاعتصام، بدأ التمييز ضدهن، كما يتضح من رواية الناشطة آيات عثمان، التي بينت كيف كانت مشاركتهن محدّدة "مفیش قاعدة بتقول إن البنات ماتباتش، بس معروف إن البنات ماینفعش تبات في الاعتصامات. ممكن حد یقول لبنت مننا على الساعة 11 مش اتاخرتوا بقى؟".
بسبب هذا العُرف، قال السيدات، إن مشاركتهن في الاعتصام، صارت مرهونة بقدرتهن على التنقل یومیا إليه ومنه، والتي واجهها عوائق تعلقت بقیود خاصة بحریة الحركة أو برفض الأهل، كما بيّنت شهادة إحدى النساء المشاركات "مطلعتش یوم 19 نوفمبر، لأن اتضغط علیا من حد في الأمن یعرف قریب في عیلتي واتضایق جامد. بس أنا وجوزي متفاهمین، ولما شاف إن أنا متضایقة؛ طلعت تاني".
لعبت النوبيات دور كبير في الاعتصام، كان منه تحركهن الجماعي لخرق حصار الكمين له في ثاني أيامه، ووفقًا لـ"نظرة" فإن هذا تسبب في ربط مشاركة النساء بالإعاشة، إذ قال محمد عزمي"دور البنات ابتدى یتفعل بعد تاني یوم. مفیش أكل ولا شرب"، ويضيف "كلمت وفاء وسهام (ناشطتين بالاتحاد)، فعملوا قافلة فك الحصار، الناس كانت هتمشي، وبعدین الستات جم، رایحین فین ده احنا جایین ندعمكم".
أما المشاركات فلهن وجهة نظر مختلفة تمامًا، نقلتها للمركز النسوي الناشطة سهام عثمان "احنا عایزین ندخل أصلا الاعتصام، هي دي الفكرة مش الأكل. الفكرة دي (الإعاشة) اتضایقت جدا منها. إحنا أول یوم رحنا معاهم ودخلنا كبنات، ماكنش معانا أكل. احنا استخدمناها أداة تاني يوم. تالت یوم دخلنا كبنات، من غیر أكل ولا حاجة".
وتدعم سهام، النوبيةُ "م"، بقولها للمركز "ماكناش رایحین نودي الأكل بس، كنا عایزین نقعد معاهم"، وتبيّن السيدة عزمًا على الانخراط في التحركات المطالبة بحق العودة "أي حاجة جایة هشارك فیها. الستات متحمسة عن الرجالة. احنا وعیالنا اللي مظلومین. حالیا بقى كله متحمس، بس الستات هي اللي حاسة بالخنقة، وهي اللي تعبانة أكتر".
وتكميم أفواه
لم تقتصر مجهودات النوبيات على المشاركة الميدانية، إذ ضرب المركز النسوي مثالاً بالناشطة فاطمة إمام، التي كانت مسؤولة عن التدوین الإلكتروني ومتابعة خط سیر القافلة ونشر أخبارها.
وعلى الرغم من كل التحركات السابقة، إلا أن قرار فض الاعتصام اتُخذ في غياب أغلب الناشطات، واللاتي كشفن فيما بعد أنهن كن غير راضيات عنه، وامتد التمييز تجاههن إلى المؤتمرات التي انعقدت بعد الاعتصام.
ونقل "نظرة" عن، "ل.أ"، إحدى المشاركات في الاعتصام، وفي مؤتمر انعقد بحضور نواب منهم مصطفى بكري، ردّ رجال نوبيين على اعتراضاتها "ابتدوا رجالة كبار یقولولي متتكلمیش بصوت عالي، أنا بقولك أهوه، أنا عمك هضربك. قلتله أنا مالیش اعمام هنا ومحدش له ضرب علیا. أنا كنت متغاظة من قرار الفض".
وتكررت محاولات كتم أصوات النوبيات في مؤتمر ثان انعقد في توشكى، وعنه حكت "ن" للمركز النسوي، قائلة "ماكانوش راضیین الرجالة إننا نتكلم في المیكروفون. كنا بنكتب السؤال في ورق، والراجل هو اللي یقول السؤال".
مساواة بعيدة المنال
ولخصّت الورقة البحثية الصادرة عن "نظرة"، بناءً على الشهادات، ما تعرضت له النوبيات خلال فعالية قافلة العودة، في 3 ممارسات تميزية على أساس نوعهن، رأت أنها تمتد لمجال تنظيماتهن- إن وجدت- وهي "تمثيل النساء وآليات اتخاذ القرار، وتقاطع المجالين العام والخاص بصورة تحدّ من حراكهن، واستهداف الناشطات بالمجال العام سواء أمنيًا أو مجتمعيًا"، والصورة الأخيرة أوضحت الورقة بشأنها أن الناشطات "تلقين تهدیدات أو تعرضن لمحاولات تشهیر".
وخلص المركز النسوي، في ختام ورقته البحثية، إلى أن ما تتعرض له النساء من سطوة أبوية، حتى خلال مشاركاتهن بالمجال العام، "يحول دون المساواة التامة في التمثیل العادل واتخاذ القرارات"، وأكد أن الترحیب بمشاركة النساء، یتوقف عند رغبتهن في لعب أدوار قیادیة حقیقیة، مثل الترشح للمناصب القیادیة، أو المشاركة في التفاوض السیاسي، بل إن النوبیات- وبالأخص الأصغر سنا وذوات النشاط الملحوظ- يتعرضن إلى أشكال من الاستهداف والوصم الأخلاقي.