غلاف كتاب "العنف والإسلام" العنف والإسلام: سلطة النص والمجتمع ثقافة_ جابر طاحون منشور الخميس 27 أبريل 2017 بعد أيام قليلة من تفجيرات باريس عام 2015، أصدرت منشورات "سوي / seuil" الفرنسية كتاب بعنوان "العنف والإسلام"، وهو عبارة عن حوار طويل أجرته المغربية حورية عبد الواحد مع الشاعر السوري أدونيس. يكتسب الكتاب زخمه نتيجة الوقت الذي صدر فيه، في خضم تفجيرات إرهابية، وقلق من صعود اليمين الأوروبي وتطرفه، وإعادة النظر في جدوى الانفتاح على الآخر، إضافة إلى ثقل اسم أدونيس كشاعر وباحث ومثقف عربي مهم. ويأتي الكتاب استكمالًا لمشروع أدونيس الفكري، صاحب كتب " الهوية غير المكتملة" و"الكتاب الخطاب الحجاب" و"الثابت والمتحول"، وما ينادي به، من الاشتباك مع الثابت في الثقافة العربية، والانعتاق من سطوة التأثير الغربي على محاولات الحداثة العربية التي تعتمد على مفردات ونماذج غربية، والانعتاق من هذه السطوة وتجاوزها إلى حداثة عربية خالصة بعد نقد ومعالجة الميراث الثقافي. على طول الكتاب تظهر محاولة تفنيد العلاقة ما بين الميراث التاريخي للمنطقة العربية، والدين والنص القرآني تحديدًا، وسلطته وتأويله وعلاقة ذلك بالمجتمع. فالعالم العربي الذي – بنص تعبيره - سيّس الدين والمقدس، عاد إلي نقطة البداية لتكرار ما حدث في الماضي، والدعوة لتطبيق شريعة (بربرية) مرة أخرى، لأن مهمتها تتمثل في تطهير أرض الإسلام من أي شيء من شأنه أن يضر نقاوتها. الحداثة التي ينادي بها أدونيس ويبحث عنها، يُعَرِّفها بأنها مواجهة ونبذ وانقلاب. مواجهة هيمنة النص وسيادة المعرفة المسبقة: الدين كمؤسسة تفرض الواحدية وتغذي استبعاد المختلف وقمع المغاير. ونبذ كل رؤية مغلقة "تزيد الطين بلة" وتمد عمر الموقف الراهن، الحاضن للعنف. وانقلاب على عدة محاور: انقلاب معرفي في المقام الأول ثم انقلاب ثقافي وإبداعي، وذلك مَثَّلَته بعض الأصوات الهامشية التي لم تقو على مواجهة المتجذر ،ولم يتح لها أن تنتصر، بسبب الرؤية الدينية القائمة على عنف "بنيوي" يصعب أن تتأسس عليه حياةً مدنيةً. ويفصل أدونيس ما بين الحداثة بالنسبة للثقافتين العربية والغربية لاختلافهما الجذري أصلًا؛ فالعربية شيء، والغربية شيء. الله نفسه يكاد يكون مختلفًا في الثقافتين؛ الله المسلم مختلف كليًا عن الله المسيحي أو عن الله اليهودي. والعرب لا يفهمون الثقافة الغربية، فإن كانت الثقافة العربية تري أن الله هو الواحد الباقي والكل زائل، فالثقافة الغربية باتت تقول بموت الله. براءة النص العنيف من أبرز ما في الكتاب هو التمايز الذي يضعه أدونيس بين متن النص القرآني والإرهاب المستند للدين، رغم أنه لا يبرؤه تمامًا، ولكن رغم أن النص القرآني "نص عنيف جدًا"، فإنه لا يمكن أن يكون النص هو السند الوحيد للإرهاب، وإنا يجب النظر للإرهاب في سياق تاريخي؛ تاريخ الذين تعرضوا لاضطهاد واستغلال الاستعمار، والقمع من الأنظمة. ويرى أن هناك فترات في تاريخ المسلمين تم توظيف النص فيها بنفس طريقة توظيف "داعش"، ولكنه يسوق مثال أن "الزمان الأندلسي" لم يكن لينتج داعش. يشير أدونيس إلى أن كل مهمش في المنطقة لم يجد احتضان له أو احتواء أو رعاية، يلجأ للتطرف كسعي لإثبات حضوره أو لفت النظر إليه. والتهميش قد يكون اقتصاديًا أو معنويًا أو صورة من صور البؤس، والذي يؤدي إلى لحظة يتحول فيها العنف الفكري إلى عنف فعلي. أي أن التطرف لا يخلو من كونه ردة فعل. بالتالي لا يمكن فهم مسألة الإرهاب من خلال الاقتصار على النص المؤسس، بل الأمر يتطلب فهمًا واعيًا وإحاطة بكافة الظروف المعاصرة والأزمات التي تعصف بالمجتمعات، وتصدع القيم وضبابية الغاية بالنسبة لموقف الإنسان من الحياة والهوية التي قد تكون قاتلة. كل هذا يجب أخذه في الاعتبار، دون الارتكان لوجود النص الديني كمبرر وسبب. ولكن يبدو غريبًا أن يدين أدونيس عدم الانتقال إلى بناء مجتمع مدني واحد حتى في العالم العربي. غريب لأنه يدين الثورات ويراها باتت أكثر اتساخًا من الأنظمة، ويقوم بها ناس متطرفون وأن الحلول باتت أكثر سوءًا من المشكلات. وهو هنا لا يفصل بين الثوار الحالمين الراغبين في التغيير وما بين المرتزقة. إذن، يؤطِّر أدونيس لمسارين يجب أن يكونا متوازيين: مسار قراءة متفحصة للنص التأسيسي الذي أدي إلى نشوب ظاهرة العنف بهذه الطريقة، بما له أو عليه، ويقول إن كل واحد عليه أن يسأل نفسه، لماذا مات معظم الخلفاء قتلًا؟ ولماذا لم تتوقف تقريبًا الحروب العربية العربية؟ والمسار الثاني يترتب على المسار الأول ويسير معه؛ أي فصل الديني عن الدنيوي، واتخاذ المسار العلماني القائم والظافر بوضوح منذ بداية العصر الحديث والقطيعة التامة مع الماضي ونزع هالة القداسة عنه بالكامل. في النهاية، جاء الكتاب استهلاكيًا، ولا يضيف جديدًا، ويظهر بوضوح التكرار في آراء أدونيس التي عبّر عنها في كتبه السابقة وفي حواراته المنشورة، بل أنه يبدو في هذا الكتاب متراجعًا ومترددًا، ما بين الإدانة الواضحة للنص المؤسس وبين الدعوة لإعادة قراءته ووضع السياق التاريخي في الاعتبار. غير أنه كان متطرفًا في اعتبار الدين اعتقال للتاريخ لأن كل فكر له حضوره التاريخي واستمراريته ولا يمكن أن يكون ذلك اعتقالًا، وفي ذلك من إقصاء لبقية جوانب الدين وحضوره. لأنه حين المحاولة لتأسيس وعي فردي من جديد، يجب أن يكون الطرح شاملًا لكل الجوانب.