"صوت الأمة خاضت مغامرة بنفسها داخل أكبر مستشفى حكومي القصر العيني القديم، تقمَّصت خلالها المحررة دور طبيبة وارتدت البالطو الأبيض واستخدمت أدوات طبية، حيث استخدمت السماعة وجهاز قياس الضغط وسماعة الكشف، استأجرتهم بمبلغ 50 جنيهاً، من داخل محل مقابل لـ«قصر العيني» القديم..."
بهذه الكلمات صدّرت صحيفة "صوت الأمة" المصرية يوم الجمعة الماضي تقريرًا حمل عنوان "مغامرة في قلعة «قصر العيني».. بـ50 جنيها فقط محررة «صوت الأمة» تصبح طبيبة". في التقرير المنشور باعتباره تحقيقًا صحفيًا، قامت الصحفية "دينا الحسيني" بارتداء "بالطو أبيض"، وتجولت داخل أروقة المستشفي وقامت بتوقيع الكشف على عدد من المرضى، ملتقطة صورًا واضحة لوجوههم مع زميلها المصور "عزوز الديب".
مغامرة صوت الأمة احتوت على أربع أخطاء مهنية جسيمة تخالف أخلاقيات العمل الصحفي، والقواعد الحاكمة للتخفي الصحفي. فمع وجود جدل مستمر وواسع النطاق بين الصحفيين والمختصين بمواثيق وأخلاقيات الشرف الصحفي، يُواجه هذا اللون من التحقيقات والتقارير الصحفية، رفضًا لمخالفته لقاعدة مؤسسة في مواثيق الشرف الصحفي، وهي حق المصادر في اتخاذ قرار بالاستجابة، وموافقتهم الواضحة على إظهار شخصياتهم أو وضع شروط للمشاركة في الموضوعات الصحفية.
ولكن عند اللجوء للتخفي فهناك شروط واضحة على رأسها ألا يكون لدى الصحفي أية وسيلة أخرى لدخول المنشأة (مستشفى أو مصنع أو مؤسسة حكومية) سوى التخفي في ثوب آخر وانتحال شخصية أخرى. وألا ينطوي هذا الانتحال على الإضرار بآخرين، وألا يتم عرض ما يفصح عن "شخوص الضحايا" دون إذنهم، وأن يفصح الصحفي للمصادر عن شخصيته قبل النشر ويحصل منهم على رد. وهي القواعد التي خالفتها جميعها الزميلة في صوت الأمة.
وتضع وكالات الأنباء والصحف العالمية قواعد داخلية يتحتم على الصحفي الالتزام بها أثناء عمله، ففي جريدة نيويورك تايمز الأمريكية تنص مدونة الصحافة الأخلاقية المتبعة داخل المؤسسة: أنه يجب على الموظفين "الصحفيين" الكشف عن هويتهم الصحفية للأشخاص - سواء كان وجهًا لوجه أو غير ذلك -.
ولفتت المدونة إلى أن التخفي يعني عدم إعلان الصفة الصحفية وفقًا للشروط المبينة، مع التشديد على الرفض التام لانتحال الموظفين العاملين بالمؤسسة صفة ضباط الشرطة، أو المحامين، أو رجال الأعمال، أو صفة أي شخص آخر عند عملهم كصحفيين.
ولفتت مدونة نيويورك تايمز إلى وجود حالات نادرة تلجأ فيها الصحيفة إلى عدم الإعلان عن الهوية الصحفية، كما في البلدان التي تمنع الصحفيين والمراسلين من دخول أراضيها، إذ تلجأ الصحيفة إلى استخدام صفة سائح أو زيارة عمل.
1- التخفي دون ضرورة ملحة
اختارت صحفية صوت الأمة لدخول مستشفى قصر العيني أن تتخفى في ثوب طبيب للتعرف على جوانب القصور في الممارسة الطبية داخل المستشفى. لكن دخول مستشفى قصر العيني والتجول في أروقته لا يشترط فيه أن يكون الزائر من العاملين بالمنشأة. وعليه كان للصحفية أن تتجول في المستشفى وتستكشف أوجه القصور فيها دون انتهاك القاعدة الرئيسة في التخفي الصحفي، وهي ألا يكون أمام الصحفي سبيل آخر لدخول المنشأة.
وقد أُجريت بالفعل تحقيقات صحفية في مصر حول انهيار الأمن والخدمات الصحية في المستشفيات العامة، دون اضطرار الصحفيين للتخفي. ومنها ما قامت به الصحفية هند غنيم في البديل، وحسن عبد الغفار في اليوم السابع، بينما التزمت جهاد عباس بشروط التخفي عندما لجأت إليه في تحقيقها المنشور بالوطن حول شبكات سمسرة المرضى بالمستشفيات الجامعية، فلم يكن هناك سبيل للوصل إلى شبكات تمارس أعمال غير قانونية إلا بانتحال صفة طالبة ماجستير.
كما تنص المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب على أنه " لا يجوز لأحد إبداء مشورة طبية أو عيادة مريض أو إجراء عملية جراحية أو مباشرة ولادة أو وصف أدوية أو علاج مريض، أو أخذ عينة من العينات التي تحدد بقرار من وزير الصحة العمومية من جسم المرضى الآدميين للتشخيص الطبي المعملي بأية طريقة كانت، أو وصف نظارات طبية و بوجه عام مزاولة مهنة الطب بأية صفة كانت إلا إذا كان مصريا أو كان من بلد تجيز قوانينه للمصريين مزاولة مهنة الطب بها وكان اسمه مقيدا بسجل الأطباء بوزارة الصحة العمومية و بجدول نقابة الأطباء البشريين".
2- الإضرار بآخرين
تقول الصحفية في موضوعها: "فتحدثت معها على أن «هذا الدم هو دم طبيعي وهو من بقايا إجراء العملية» كمعلومة سابقة للمحررة، إلا أنها طالبت المريضة باتباع تعليمات الطبيب الملاحظ للحالة بالمشي في الطرقة لحين ظهوره، وطلبت من ممرضة إعطائها فولتارين المسكن للألام ولكن بعد الرجوع للطبيب المعالج."
بهذه الكلمات سردت صحفية صوت الأمة تفاصيل استجابتها لشكوى واحدة من المريضات التي تحدثت إليها باعتبارها طبيبة خلال"مغامرتها الصحفية"، وهذه واحدة من ثلاث حالات منشورة بالتقرير لجأت فيها الصحفية لتشخيص حالات المرضى وإعطاء نصائح طبية بناء على معلومات عامة -حسب نص تقريرها- حيث قامت بقياس ضغط الدم وفحص نبضات القلب، وتشخيص حالة بإصابتها بـ"الصفرا"، مرورًا بوصف حقنة لمريض. ذلك كله جاء "بحسب معلومات سابقة للمحررة".
3- انتهاك حرمة الحياة الخاصة
في عام 2000 قام مصور فيديو يعمل لبرنامج "Trauma: Life in the E.R" وهو برنامج طبي يُبث على شبكة TLC الأمريكية، بانتحال صفة أحد موظفي غرفة الطوارئ وارتدى زي العاملين بالمشفى، وقام بتصوير مريض كان لديه رد فعل سيء تجاه العقاقير المخدرة. بعد أن قام بالتصوير طلب من المريض التوقيع على استمارة "لا مانع من التصوير". وأخبر المصور المريض أنه سيستخدم هذا الفيديو للمساعدة فى تدريب أفراد المستشفى. وقع المريض على الاستمارة وفي اعتقاده أن المصور طبيب يعمل بالمستشفى، فوجىء المريض بعد ذلك بعرض الفيديو في برنامج "Trauma: Life in the E.R" أقام المريض دعوى قضائية ضد البرنامج التلفزيوني، واتفقت المحكمة مع حجة المريض بأنه كان في "منطقة الخصوصية الجسدية والحسية وكان لديه توقعات معقولة من العزلة" داخل غرفة الطوارئ في المستشفى واختتمت المحكمة بأن "خداع المصور يبطل موافقة المريض".
وبالعودة إلى "مغامرة" صوت الأمة، تظهر الصور المرفقة بالموضوع قيام الصحفيان بالتقاط صور واضحة لوجوه المرضى، والتي تُظهر أن التصوير تم بشكل خفي للمرضى دون علمهم، ولم تذكر الصحفية قيامها باستئذان المرضى في نشر صورهم قبل نشر التحقيق. ما يعني أنها قامت بالتصوير دون إذن مسبق لـ"ضحايا" وقامت بإظهار وجوههم ووجوه أسرهم، وهي مخالفة مهنية، ولم تحاول إصلاح الأمر بأخذ موافقتهم على النشر.
ولجأت صوت الأمة اليوم 27 مارس/ أذار لتغيير الصور المرفقة بالموضوع، المنشورة نسخته الأولى بتاريخ الجمعة 24 مارس، وقامت بوضع أشرطة على أعين المرضى وذويهم.
4- الكشف عن الشخصية وحق الرد
بحسب القواعد الصحفية المستقرة لأطراف القصة الصحفية حق الرد والتفسير. ومن شروط صحافة التخفي أن يكشف الصحفي لمصادره عن هويته قبل النشر.
ولم يظهر التحقيق تواصلا بين الصحفية وإدارة المستشفى للحصول على رد أو تعليق. كما أنها لم تكشف للمرضى الذين قامت بتوقيع الكشف عليهم عن هويتها الصحفية قبل النشر للحصول على إذنهم، وهي مخالفة مهنية رابعة.