قبل العاشرة بقليل انتظم المصلون على المقاعد، وواصل الأب قراءته من كتاب الصلوات، مع اقتراب القداس الذي استمر نحو الساعتين من نهايته. خشعت القلوب استحضارًا لعظمة الله، قبل أن يدوي الصوت الذي حمل معه 26 روحًا إلى خالقها.
يارب ارحم
في الصورة التي نشرها الزميل روجيه أنيس، توقفت ساعة الكنيسة البطرسية صباح اليوم عند العاشرة إلا ثلاث دقائق، مسجلة لحظة الانفجار الذي أدى لمقتل 26 مواطنًا مسيحيًا مصريًا، معظمهم من النساء والأطفال، بعدما دست "جهة" زنة 12 كيلوجرامًا من المتفجرات في مقاعد النساء، بالكنيسة المجاورة للمقر البابوي بالعباسية بالقاهرة.
Time has even stopped...
Posted by Monica Hanna on Sunday, December 11, 2016
عقب الانفجار بدقائق؛ تحركت عربات الإسعاف لنقل المصابين، وتوالت بيانات وزارة الصحة التي تزايدت فيها أعداد الضحايا باضطراد من خمس ضحايا فقط حسب البيان الصادر في الحادية عشرة صباحًا، حتى وصل الرقم إلى 26 ضحية و49 مصابًا بحلول الثالثة عصرًا. وجرى نقل المصابين إلى مستشفيات الدمرداش ودار الشفاء والمستشفى القبطي والمستشفيين الإيطالي واليوناني، والتي تقع جميعها بمحيط منطقة العباسية.
وبينما توافد المتبرعون بالدماء على المستشفيات التي شهد أطباء بكونها غير مجهزة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من المتبرعين، كان محيط الكاتدرائية يشهد الوصول المتتابع لمسؤولين حكوميين، على رأسهم وزير الداخلية الذي واجهه أهالي الضحايا والأقباط الغاضبون بهتافات تتهمه ووزارته بالمسؤولية عن الانفجار، وبالتقصير والإهمال. الغضب نفسه ووجه به وزراء آخرون منهم وزير الأوقاف والمهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء.
أهالي ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية أمام مستشفى دار الشفاء @almanassabot pic.twitter.com/cLtk8Gp1X7
— Safaa Sorour (@safaasorour) December 11, 2016
وأغلقت أسر الضحايا أبواب الكنيسة في وجه مسؤولي الحكومة، مواصلين هتافاتهم الغاضبة التي تتهم الحكومة بالمسؤولية عن وقوع الضحايا. وارتفعت هتافات أمام الكاتدرائية منها: "الشعب يريد إسقاط النظام" و"سيسي بيه يا سيسي بيه الكنيسة اتضربت ليه" و"يا أبو دبورة ونسر وكاب إنت اللي بدعت الإرهاب". في الوقت الذي نادي فيه مواطنون أمام الكاتدرائية للتبرع بالدماء.
@Almanassa_AR @almanassabot الغضب يسود بين المتواجدين أمام الكاتدرائية pic.twitter.com/CnyBTCxyEN
— Safaa Sorour (@safaasorour) December 11, 2016
وانضم المحامي العام لنيابات شمال القاهرة والمحامي العام لنيابات أمن الدولة العليا، لفريق المحققين الذي حضر لمعاينة موقع الانفجار. بينما ارتفعت أصوات الأقباط خارج الكنيسة بالهتاف وبالصلوات والترانيم التي تطلب المدد والرحمة من الله.
ونفت مجموعتي حسم ولواء الثورة - اللتان دأبتا على إعلان المسؤولية عن العمليات المسلحة في محيط العاصمة- أن تكون لأيهما علاقة بالتفجير.
وقال بيان لواء الثورة: "تابعنا بأسف شديد حادث التفجير الذي تعرضت له الكاتدرائية بحي العباسية. ونحن إذ نتقدم بالتعازي لأهالي الضحايا، فإننا نؤكد أن منهجنا القويم يبتعد عن استهداف عموم المدنيين المغلوبين على أمرهم... أيًا كانت انتماءاتهم الدينية". أما حركة حسم، فوجهت الاتهام للسلطات بتدبير وتنفيذ الحادث، وكررت اتهام السلطات بالمسؤولية عن حادث تفجير كنيسة القديسين.
وقالت حسم في بيانها الذي نشرته بعدما رجح خبراء أمنيون تورطها في التفجير: "بعد إمعان مليشيات الاحتلال العسكري في قتل آلالاف الأبرياء في المساجد والشوارع والبيوت، ها هي أيديهم القذرة تمتد إلي الكنائس لتقتل المزيد من النساء والأطفال. يحدث هذا بينما عشرات الآلاف من الأبرياء والمظلومين أسرى في سجونهم، فهم إنما يأتمرون بأمر ظالم قاتل ولا يرقبون في أبناء شعبهم إلاً ولا ذمة"
خِراف ضالة
رغم إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي الحداد العام لثلاثة أيام، تواصلت غضبة المتظاهرين الأقباط ضد الحكومة أمام الكنيسة الواقعة داخل حرم الكاتدرائية المرقسية. وتمثلت تلك الغضبة في الهتافات المعادية للحكومة، وفي رفض استقبال الوفود الحكومية القادمة من الوزارات المختلفة لتفقد مكان الحادث، والتصريح لوسائل الإعلام المتواجدة حول رفض الحكومة لما يجري.
من هتافات المتظاهرين أمام الكاتدرائية : الشعب يريد إسقاط النظام سيسي بيه يا سيسي بيه الكنيسة اتضربت ليه. يا وزير الداخلية إحنا بنرفض الهدية
Posted by Ishak Ibrahim on Sunday, December 11, 2016
وامتد الغضب إلى مهاجمة عدد من الوجوه الإعلامية المحسوبة على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذين حضروا لتصوير تقاريرهم التلفزيونية وسط حراسة أمنية مشددة. حيث تعرض مدير تحرير الأهرام والمذيع أحمد موسى لاعتداء المتظاهرين الأقباط الذين رفضوا السماح له بدخول الكنيسة أو الكاتدرائية، ما اضطره للانصراف في حراسة الأمن، وهو ما تكرر مع المذيعة ريهام سعيد التي تعرضت للاعتداء بالضرب والطرد وسط هتافات معادية، اضطرتها للمغادرة في حماية الشرطة.
كما تعرضت المذيعتان لميس الحديدي ومنى العراقي للاعتداء بالضرب المبرح، رفضًا لتواجدهما في محيط الكاتدرائية. وتم إنقاذ لميس الحديدي من أيدي الجماهير الغاضبة بعد تعرضها للضرب الشديد.
اول صور لضرب لميس الحديدي من امام الكاتدرائيه
Posted by Osama Hamamm on Sunday, December 11, 2016
وردًا على واقعة التعدي عليه ووقوع التفجير، دعا الإعلامي أحمد موسى متابعيه لإعادة التغريد على هاشتاج #نعم_للمحاكمات_العسكرية، الذي طالب المغردون فيه بإعدام المسجونين في قضايا سياسية، بينما طالب بعض المغردين على الهاشتاج نفسه بمحاسبة الشرطة ودعمها مهنيًا لتصبح قادرة على تأمين المواطنين.
ما قاله السِرب
تابعت المواقع الإخبارية التفجير على مدار اليوم بالفيديو والصور، واستطاعت اليوم السابع ان تنقل اللحظات الأولى عقب التفجير بكاميرا الفيديو، مظهرة الفزع والألم الذي اعترى الحاضرين بالكنيسة. وظهر في الفيديو نساء ترتدين الحجاب رغم عدم سماح قوات الأمن المحيطة بالكاتدرائية وبالكنائس –عادة- بدخول غير المسيحين خاصة في أوقات القداس، ما يشير إلى تراجع الأمن في اللحظات التي تلت الانفجار.
أما قنوات التلفزيون فقد نقلت في اللحظات الأولى عن المواقع الإخبارية للصحف، قبل أن تصل كاميراتها إلى موقع الحدث.
قناة النيل للأخبار اهتمت بنقل صور من الحادث، واستضافت تليفونيًا عدد من أعضاء مجلس النواب. وكان من الأسئلة الأساسية التي وجهها مذيع القناة إلى الضيوف: إذا كان هناك تقصير أمني تسبب في الحادث.
استعان التلفزيون المصري بذكرى المولد النبوي الشريف ليتحدث عن أهمية الوحدة الوطنية وتماسك مسلمي وأقباط المجتمع.
ورغم تحول تجمعات الأقباط في محيط العباسية إلى مظاهرات ضد السلطة، منددة بالتقصير الأمني إلا أن القنوات التلفزيونية المصرية لم تنقل أصوات المتظاهرين ولا طبيعة الهتافات، مكتفية بنقل الصورة دون الصوت، الذي نقله صحفيون متواجدون في موقع التفجير عبر حساباتهم الشخصية على تويتر، وعلى رأسهم بل ترو مراسلة التايمز الأمريكية في مصر.
"The people demand the fall of the regime" furious crowds are screaming at the police after rush - outside cathedral hit by bombing #Cairo pic.twitter.com/oBgJ7SSkBy
— Bel Trew (@Beltrew) December 11, 2016
البرامج الدورية في الفضائيات الخاصة، تحدثت جميعها عن الحادث. قناة سي بي سي استعانت بوجود الشيخ علي جمعة في برنامجه "والله أعلم"، ليندد بالإرهاب ويشير أن ما يفعله الإرهابيون انتحارًا وليس عملًا جهاديًا.
واستعانت قناة القاهرة والناس بنشرة المصري اليوم التي تحدث فيها أحد القساوسة من موقع الحادث، وطالب الأقباط بعدم القيام بمظاهرات "لأن هذا ليس أسلوبنا".
على شريط الأخبار في قناة "مكملين" المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، حرصت القناة على إظهار تنديد العديد من الأطراف بـ"الحادث الإرهابي"، إذ أظهرت إدانة الشيخ القرضاوي للحادث، بالإضافة إلى تبرؤ جماعة الإخوان من التفجير، وأشارات القناة إلى بيان الإخوان الذي يُحمِّل السلطة في مصر مسؤولية الواقعة. ولم تتمكن "مكملين" ومثلها قناة الشرق المحسوبتين على الجماعة من نقل صورة حية من الأحداث، واكتفتا ببث صورة التلفزيون المصري التي نقلتها الفضائية المصرية وقناة النيل للأخبار.