كبت الآراء- حتى السلبي والمؤذي منها- قد ينتهي لعواقب غير محمودة.. مثّلت هذه العبارة واحدة من نقاط عدة، ناقشها عدد من الصحفيين والنشطاء الحقوقيين والقانونيين، مساء اليوم، ضمن فعالية "تويت ندوة"، التي استضافتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
ونُظمت الفعالية، بمناسبة حلول يوم ميلاد الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، صاحب فكرة "تويت ندوة" ومُطلقها بعد ثورة 25 يناير، والذي يقضي حاليًا عقوبة بالسجن في قضية "أحداث مجلس الشورى"، ودارت حول حرية التعبير وحدودها، في ظل تصاعد قضايا النشر وازدراء الأديان.
وتقوم "تويت ندوة" على تبادل وجهات النظر حول فكرة ما، في وقت محدد بـ140 ثانية، أُسوة بالحد الأقصى لعدد كلمات التدوينة الواحدة على "تويتر"، وأدار نسخة اليوم منها الناشط السياسي وائل خليل، وضمت قائمة المتحدثين الصحفي حسام بهجت، والمحامية الحقوقية ماهينور المصري، والباحثة الحقوقية يارا سلّام، والمدير السابق لمؤسسة حرية الفكر والتعبير عماد مبارك.
معضلة المُطلق والمقيد
واستهل الندوة الحقوقي عماد مبارك، بإعلان تأييده لفكرة الحق المطلق في التعبير، كما تبناها أشخاص وجهات عدّة، من بينهم "منظمة المادة 19"، مع وضع استثناء واحد للآراء التي تتضمن تحريضًا صريحًا وواضحًا ومباشرًا على العنف.
وحتى في حالة خطابات الكراهية، أكد "مبارك"، أنه لا يجب الزج بصاحب الرأس إلى السجن، وعوضًا عن ذلك، لا بد من المناقشة حول مواجهة خطاب الكراهية، ولو بعقوبة تأديبية.
واستدعى الصحفي حسام بهجت- تعزيزًا لفكرة الحرية المطلقة للتعبير- جانبًا من آراء علاء عبد الفتاح، التي يؤمن فيها بضرورة عدم وجود "بوليس للقيم"، أو محاولة فرضها بقوة القانون، مُذكّرًا بالشعار الذي كان يرفعه المدون السجين حول أن الكلام لا يجب أن يذهب للمحكمة.
وأوضح "بهجت" أن مصطلح "خطاب الكراهية" في حد ذاته ليس موجودًا في القانون، وبالتالي لا يعامل باعتباره تحريضًا على العنف، وقال إن مصر في حاجة إلى نص تشريعي واضح وصريح بشأن معنى "التحريض"، الذي قد يؤدي للمعاقبة على خطاب ما، تمامًا كما هي بحاجة إلى تطبيق هذا النص في المحكمة بطريقة تبتعد عن أي هوى شخصي أو ضغوط مجتمعية.
لكن الصحفي والمدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أبدى اعتقادًا بعدم إمكانية تحقق هذا المطلب على المستوى القريب، بصورة تدفع إلى ضرورة خلق نقاش حول ما يمكن فعله للحفاظ على الحق في التعبير في ظل الظروف المتاحة.
أما المحامية الحقوقية ماهينور المصري، فأكدت أن القوانين مهما بلغ عددها، لن تنجح في القضاء على خطاب الكراهية والعنف، لافتة إلى عدم وجود منصّات تكفل انتشار الآراء المواجهة لمثل تلك الخطابات.
وأشار "مبارك" إلى بعض المعايير التي يمكن الاحتكام إليها لتحديد ماهية الرأي، وما إذا كان ما ورد به يصنف كتحريض أو خطاب كراهية، إذ تمثلت تلك المعايير في "سياق الحديث نفسه، والخطاب ومضمونه، وشخصية المتحدث والوسيلة التي استخدمها، وتأثير الشخص المتحدث على الفئة التي يخاطبها".
ثمن مجتمعي
أكد "بهجت" أهمية كفالة حرية الرأي والتعبير، من أجل صحة المجتمع، ولضمان حماية رأي الأقلية- الذي غالبًا ما يكون ضعيفًا- أمام رأي الأغلبية والآراء المقبولة اجتماعيًا، فيما ربطت يارا سلاّم هذه الحرية بالحق في المعرفة، تأكيدًا منها على أهميتها.
وأشارت ماهينور المصري، فيما يتعلق بالتعامل مع الآراء التي تحتوي على خطاب كراهية أو تحريض، إلى إشكالية فرض قيود على رأي معين، وما يخلقه من حالة من مظلومية لدى الشخص الممنوع رأيه، تخلق بالتبعية مؤيدين لهذا الرأي.
وأوضحت المحامية الحقوقية أن حل هذه الإشكالية، قد يتمثل في خلق منصات مضادة تواجه خطابات الكراهية، ويكون بينها الشعبي، ومن خلالها يتم العمل على التوعية وطرح الآراء على الناس، مشددة على ضرورة التفكير المتواصل في المواجهة بطرق غير عقابية، وأن الأولى بالمجهود الذي قد يُبذل في معركة لسن قانون يحمي من "الكراهية"، هو النقاش والمطالبة بمنصة توفر الحماية نفسها.
وأيد هذا الرأي "بهجت" عبر دفعه بخطأ فكرة سلب المنابر التي تطلق الآراء على اختلافها، قائلًا: "اترك المنابر جميعها مفتوحة، وامنح مساحة لمنابر أخرى، وكلا الطرفين بعد ذلك سيعمل على إضافة مساحات لنفسه على حساب الآخر".
وشدد "مبارك" على عدم وجود أي مسوغ لتقييد حرية الرأي والتعبير، ولو كان الخطاب قد أوقع أذى نفسي أو عاطفي على أحدهم، باعتباره مزعجًا، وحذر من أن كبت حتى الآراء المزعجة، قد يؤدي في النهاية لنتائج كارثية، وهو ما يستوجب منح الجميع فرصة لإعلان مواقفهم أيًا كانت.
وبناءً على وجهة نظر "مبارك"، طرح "بهجت" تساؤلًا من واقع الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة التي انتهت بفوز غير متوقع للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، على الرغم من خطابه الذي رآه كثيرون "عنصريًا"، وقال هنا هل كان يجب أن يتم تحجّيم وتقييد خطابات الكراهية العنصرية بين الأمريكيين، لنفاجأ في النهاية بنتيجة الانتخابات، أم ندعها تتدفق لندرك الواقع ونبدأ في التعامل معه؟
واقترح "بهجت" رفع ثمن التعبير عن رأي يشوبه الكراهية، كحل يشكل رادع لمطلقي تلك الخطابات، وفي الوقت نفسه يُغني عن اقتيادهم للمحكمة.
علاء يسأل عن "الحوفي"
لم تقتصر مشاركة علاء عبد الفتاح، في الندوة على الجانب الأدبي والمعنوي، باعتباره صاحب الفكرة، أو كون إقامتها اليوم احتفالًا بعيد ميلاده، فالمدون السجين شارك الحضور باستشارة تتقاطع مع حرية الرأي والتعبير، عبر سؤال نقلته عنه شقيقته منى سيف.
وطلب "عبد الفتاح" من الحضور إبداء الرأي حول اتخاذ إجراء ما تجاه الإعلامية نشوى الحوفي، عضو لجنة العفو الرئاسي عن السجناء، بعد ما أطلقته من تصريحات بحقه، بينما هو "مسلوب الإرادة" في السجن، وأكدت فيها استحالة وضع اسمه على قوائم العفو الرئاسي، لأنه "خلع مدفع دبابة وسرق سلاح ضابط جيش" خلال أحداث ماسبيرو، على الرغم من تبرئته من تلك التهم، ما يعد بمثابة "إذاعة أخبار كاذبة، وسب وقذف".
ولاقت الاستشارة آراء متباينة من قِبل الحضور، بين رفض اتخاذ أي إجراء سواء بمجرد الرد الشفهي أو حتى اتخاذ إجراء قانون، والذي تبناه عماد مبارك وماهينور المصري، بينما أيد حسام بهجت اتخاذ الإجرائين- الرد والدعوى القضائية- لا سيما وأن العقوبة في تلك الحالة، لن تكون سالبة للحرية.
واختتمت الندوة، بصورة أخرى تعكس التواجد الرمزي لـ"عبد الفتاح"، عبر ملصقات و"دبابيس" تحمل صورته وعبارة "سجنك مش عادي"، وزعتها شقيقته الصغرى سناء على الحضور.