في أواخر مايو/ أيار 2015، تفجرت قضية إسلام عطيتو، الطالب بكلية الهندسة جامعة عين شمس، ووُضِعت وزارة الداخلية في مرمى اتهامات "الخطف والقتل خارج إطار القانون"، وأثار قتل إسلام ضجة طلابية بلغت حد تقديم اتحاد طلاب الكلية استقالته، احتجاجًا على موقفها من قضية زميلهم الذي كان حتى قبل يومين فقط من قتله يؤدي امتحانات نهاية العام الدراسي بينهم.
يعاود اليوم اسم "آل عطيتو" الظهور، على الأقل على المستويين الحقوقي والطلابي، بسبب الاختفاء القسري لأخيه الأصغر إيهاب- طالب الهندسة أيضًا، المختفي قسريًا منذ 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد أن داهمت قوات الشرطة منزله وألقت القبض عليه من داخله.
وبعد أيام من اختفاء إيهاب الذي لا يزال مكان احتجازه أو مصيره غير معروفين إلى الآن؛ اختفى اثنين من أبناء عمومته أثناء رحلتهما لمدينة مرسى مطروح، لتعلم العائلة بعد عناء البحث؛ أنهما في حوزة الأمن.
دعاوى ضد النظام
مثّلت كل تلك الوقائع، سببًا كافيًا للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، للتقدم بعدة دعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والنائب العام، ووزير الداخلية، ورئيس مصلحة السجون (بصفتهم)، بأرقام 2095 لسنة 71 شق عاجل، و2091 و2085 تباعًا، تطالبهم بالإفصاح عن مكان احتجاز الشبان الثلاثة، وأسباب احتجازهم.
يقول محمد عيسى المحامي بالمركز للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"المنصّة": إن إقامة الدعاوى القضائية سبقه تقديم المركز لبلاغات للنيابة العامة، وإرسال تلغرافات عدة إليها وإلى وزارة الداخلية للاستعلام عن وضع المختطفين الثلاثة، "لكن لا حياة لمن تنادي، ما دفعنا لتقديم دعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، لإلزام الداخلية بالإفصاح عن أماكنهم".
من المنزل والمصيف
قالت والدة إسلام وإيهاب عطيتو -وفقًا للبيان الصادر عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-: إن قوة أمنية اقتحمت منزل الأسرة، وألقت القبض على إيهاب، دون إظهار إذن ضبط وإحضار أو الإفصاح عن الأسباب، وحرّزت 3 حواسيب محمولة ومبلغ 13 ألف جنيه، وغادروا دون الإفصاح عن وجهتهم.
وأشارت الأم إلى أنها وزوجها تتبعا سيارة الميكروباص التي اصطحبت ابنهما، وعثروا عليها أمام قسم شرطة النزهة، وفيها وجدوا إيهاب "معصوب العينين ومقيد من الخلف"، وأن أسئلتهما قوبلت بصرف الميكروباص وتهديدهما وطردهما من محيط القسم. وأنهما حين عاودا السؤال عن الاإبن في القسم نفسه، نفى مسؤولوه وجود الشاب، ووجهوا الأبوين للسؤال في قسم مصر الجديدة، الذي أنكر وجود الابن أيضًا.
وورد للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بعد 3 أيام من القبض على إيهاب عطيتو، شكوى من ابن عمه، أحمد امبارك عطيتو، قال فيها إن شقيقه محمد، (25 عامًا) بكالوريوس تجارة خارجية، وابن عمه سعيد على عطيتو، (20 عام) طالب بالفرقة الثانية معهد الألسن، سافرا يوم 17 سبتمبر/ أيلول لقضاء عطلة الصيف في مرسى مطروح، وكانت الاتصالات منتظمة بينهما وبين الأسرة، إلى أن انقطعت يوم 20.
ويقول "عطيتو" إن البحث وإرسال التلغرافات لوزير الداخلية والنائب العام والشكاوى إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان كانت "بلا جدوى"، وانتهى الأمر بعلم الأسرة- لم يكشف البيان عن ملابساته ومصدره- أنه تم القبض عليهما عليهما يوم 20، وتم اقتيادهما ملثمين ومكتوفى الأيدى إلى مكان غير معلوم.
تلك المعلومة والشكوى، بالإضافة لواقعة القبض على إيهاب وإخفائه، دفعت المركز لتكرار الإجراء الذي اتخذه من قبل تجاه حالات أخرى مشابهة، يقول عنها عيسى لـ"المنصّة": "دي مش المرة الأولى اللي نقيم فيها دعوى أمام القضاء الإداري بسبب الاختفاء القسري، لأن هذا الموضوع شائك وظاهرة في ازدياد، فلا يكاد يمر أسبوع واحد دون ورود شكوى من اختفاء شخص، ويكون في آخر مشاهد وجوده رجال الشرطة أو ملثمين". مشيرًا إلى ظهور بعض الحالات في نيابات أمن الدولة.
ويشير المحامي الحقوقي إلى "أزمة حقيقية" في التعامل مع مثل تلك الحالات، بسبب غياب مفهوم الاختفاء القسري من النصوص التشريعية المصرية، بالإضافة إلى عدم التوقيع على الاتفاقية الدولية المناهضة له. مستدركًا: "لكننا نستند على المعايير الدولية والدستور المصري الذي نص على ضمانات لحقوق الإنسان لكل من يقبض عليه، من بينها إعلام ذويه ومحاميه بمكانه خلال 24 ساعة".
إقرأ أيضًا: الاختفاء القسري.. بحث عن الحقيقة وسط أكوام الإنكار
ويختتم "عيسى" بتأكيد التزام وزارة الداخلية بإجلاء مصير المختفين، حتى ولو كان اختفائهم لأسباب شخصية ودون ضلوع منها، وذلك إعمالاً لنصوص الدستور وقانون هيئة الشرطة الذي يفرض عليها حماية أرواح المواطنين.