أصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بعد نحو شهر ونصف من موافقة مجلس النواب على تعديل 8 مواد سبق وأن تحفَّظ عليها السيسي، في جلسة شهدت اعتراضات من نقيب المحامين وانسحاب الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي اعتراضًا على نص المادة 105 التي تتيح لعضو النيابة العامة استجواب المتهم دون حضور محامٍ في حالات "الخشية على حياته وفوات الوقت".
وقال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية إن التعديلات التي أقرها مجلس النواب على تلك المواد أزالت الاعتراضات الرئاسية بشأنها، حيث "يزيد الضمانات المقررة لحماية الحقوق والحريات العامة، ويستجيب لاعتبارات الواقع العملي، ويحقق إحكام الصياغة وغايات الوضوح التشريعي، ويحول دون وقوع اختلاف في التفسير أو إشكاليات في التطبيق".
وأورد البيان أبرز الأحكام المستحدثة في المواد محل الاعتراض بعد تعديلها، ومن بينها النص على العمل بقانون الإجراءات الجنائية الجديد بدءًا من أول العام القضائي التالي لتاريخ إصداره في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2026، وذلك حتى يتسنى للقائمين على إنفاذه من قضاة وأعضاء نيابة عامة ومأموري ضبط قضائي ومحامين الإلمام بالأحكام المستحدثة، وإتاحة الوقت أمام المحاكم لإنشاء مراكز الإعلانات الهاتفية المنصوص عليها في القانون.
واعتبرت الرئاسة أن "القانون بات يرسخ الحماية الدستورية المقررة للمساكن، وتوضيح حالات دخولها على سبيل الاستثناء وفق ضوابط محددة (الاستغاثة أو الخطر الناجم عن الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك)".
وفيما يخص تنظيم إجراءات حضور المحامين أثناء استجواب المتهم الذي يخشى على حياته، أكدت الرئاسة أن "القانون يزيد من الضمانات المقررة للمتهم الذي يتقرر إيداعه أحد مراكز الإصلاح والتأهيل أو أماكن الاحتجاز لحين استجوابه بحضور محاميه، وذلك من خلال تقييد أمر الإيداع بأن يكون في حالات وبمبررات محددة، ولمدة مؤقتة، وإخضاع أمر الإيداع لرقابة قضائية، ومنح المتهم المودع حق الطعن على الأمر القضائي الصادر بإيداعه أو بمد هذا الإيداع، وليس كما كان منصوص عليه من عدم وضع سقف زمني للإيداع".
وحسب الرئاسة، يتضمن القانون زيادة بدائل الحبس الاحتياطي لتكون سبعة بدائل بدلًا من ثلاثة، وذلك "لإتاحة الفرصة أمام سلطة التحقيق لاختيار الأوفق من بين بدائل الحبس الاحتياطي على نحو يفضي لتجنب اللجوء للحبس الاحتياطي إلا كإجراء أخير".
وجاءت بدائل الحبس الاحتياطي المستحدثة كالتالي: إلزام المتهم بعدم مغادرة نطاق جغرافي محدد إلا بعد الحصول على إذن من النيابة العامة، وإلزام المتهم بالامتناع عن استقبال أو مقابلة أشخاص معينين أو الاتصال بهم بأي شكل من الأشكال، ومنع المتهم مؤقتا من حيازة أو إحراز الأسلحة النارية وذخيرتها وتسليمها لقسم أو مركز الشرطة الذي يقع في دائرته محل إقامته، واستخدام الوسائل التقنية في تتبع المتهم حال توافر ظروف العمل بها، ويصدر بها قرار من وزير العدل بالتنسيق مع وزيري الداخلية والاتصالات، حسب بيان الرئاسة.
وأضافت الرئاسة أن "التعديلات راعت توصية اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بوزارة الخارجية بعرض أوراق القضية التي يحبس متهم على ذمتها احتياطيًا بصفة دورية على المستشار النائب العام كلما انقضت ثلاثة أشهر على حبسه أو على آخر عرض لها لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة للانتهاء من التحقيق، وليس لمرة واحدة كما كان منصوص عليه في مشروع القانون".
كما تضمن القانون، حسب رئاسة الجمهورية، "إتاحة ضمانات للمتهم بجناية الذي يحاكم غيابيًا حال تعذر حضوره أو وكيله الخاص في أي من الجلسات المحددة لنظر الاستئناف المرفوع منه، وذلك بإلزام المحكمة بتأجيل نظر الاستئناف لمرة واحدة لإتاحة الفرصة لحضوره، حتى يمكن من ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه إزاء خطورة الاتهام بجناية".
وكان رئيس الجمهورية اعترض على ثماني مواد من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ورده إلى لمجلس النواب الذي وافق عليه نهاية أبريل/نيسان الماضي، وذلك بعد انتقادات أممية وحقوقية محلية "لما يتضمنه من إقرار نظام للمحاكمات عن بعد دون ضمانات كافية، وتوسيع سلطة النيابة العامة فيما يتعلق بالحجز لدى الشرطة والحبس الاحتياطي، ومنحها سلطة تقديرية واسعة في منع المحامين من الحصول على ملفات القضايا، ومحاضر التحقيقات بدعوى مصلحة التحقيق".
وفي أكتوبر الماضي، وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بعد التصويت على المواد الثماني التي تحفَّظ عليها رئيس الجمهورية، وبينها المادة 105 التي تتيح لعضو النيابة العامة استجواب المتهم دون حضور محامٍ في حالات "الخشية على حياته وفوات الوقت".
وتنص المادة على أنه "يجوز لعضو النيابة في الأحوال التي يخشى فيها على حياة المتهم وكان ذلك لازمًا لكشف الحقيقة الانتقال لاستجوابه، وذلك بعد أن يطلب من نقابة المحامين الفرعية ندب أحد المحامين لحضور الاستجواب بالطريقة التي يتفق عليها بين النيابة العامة والنقابة العامة للمحامين، ولعضو النيابة أن يستجوب المتهم إذا لم يحضر المحامي في الموعد المحدد لحين حضوره ويحق للمحامي الموكل أو المنتدب حضور جلسة التحقيق إذا حضر قبل انتهائها والاطلاع على ما تم من إجراءات في غيبته".
وخلال جلسة الموافقة، رفض نقيب المحامين عبد الحليم علام تعديل المادة، أو إضافة أي نص يسمح بالتحقيق مع المتهم دون محام، كما رفض الاقتراح الذي قدمه النائب عاطف ناصر عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن ووافق عليه المجلس، والذي حاول خلاله تقليص حالات ضرورة التحقيق مع المتهم دون محامي، لحالة الخشية على حياة المتهم.
وتعرض القانون لاعتراضات حقوقية عدة، إذ وجهت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة الشهر الماضي مذكرة رسمية إلى الحكومة المصرية، حثتها فيها على اتخاذ خطوات "واضحة وملموسة" لمعالجة "الانتهاكات المستمرة" في عدد من الملفات الحقوقية الرئيسية، على رأسها عقوبة الإعدام، والتعذيب، وقانون الإجراءات الجنائية الجديد، وذلك في ضوء ما قبلته من توصيات خلال الاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي.
وفي فبراير/شباط الماضي، أصدر الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة/UPR، تقريره الخاص بمراجعة السجل المصري في حقوق الإنسان، متضمنًا 343 توصية حقوقية من 137 دولة، أبرزها مكافحة الإخفاء القسري وإنهاء تدوير المحتجزين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وضمان حرية الإعلام.