جدد السودان اتهاماته للإمارات بـ"العدوان" عليه، وذلك على لسان مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس، الذي أدان خلال جلسة عُقدت الخميس الماضي، قيام أبوظبي بدعم وتمويل قوات الدعم السريع، التي قالت الأمم المتحدة إنها تلقت "تقارير مقلقة" عن تورط عناصرها في عمليات "إعدامات ميدانية" في شوارع مدينة الفاشر بعد أن سيطرت عليها يوم الأحد الماضي.
وقال إدريس إن الإمارات تزود قوات الدعم السريع "بالسلاح والمال والمعدات، إلى جانب حملات إعلامية ودبلوماسية تهدف إلى تبييض صورة هذه القوات"، التي اعتبرها "وكيلًا محليًا يخضع للسيطرة الفعلية من قبل الإمارات"، مطالبًا المجلس بالتحلي بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية في مواجهة هذا التدخل.
والأحد الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة الفاشر بعد معارك عنيفة انتهت بالاستيلاء على مقر الفرقة السادسة للجيش وآخر معاقله في المدينة، وهو ما أقر به قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في اليوم التالي، معلنًا انسحاب القوات "تجنبًا لمزيد من الدماء والضحايا".
وجاءت كلمة إدريس ردًا على كلمة مندوب الإمارات لدى المنظمة الدولية السفير محمد أبو شهاب، التي اتهم فيها الجيش السوداني بـ"إعاقة الجهود الإغاثية الإنسانية كافة"، وقال إن طرفي الصراع في السودان "لا يمكنهما تحديد ملامح مستقبل البلاد".
وتواجه الإمارات اتهامات من السودان بدعم قوات الدعم السريع وارتكاب إبادة جماعية في منطقة دارفور، وهي القضية التي رفضت محكمة العدل الدولية الحكم فيها بداعي عدم الاختصاص.
من جانبه، قال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك إن خطر ارتكاب مزيد من الانتهاكات والفظائع واسعة النطاق ذات الدوافع العرقية في الفاشر يتزايد يومًا بعد يوم، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة لضمان حماية المدنيين في المدينة وتأمين ممرات آمنة لأولئك الذين يحاولون الوصول إلى مناطق أكثر أماناً.
وقال المتحدث باسم المفوضية سيف ماجانجو في بيان أمس الجمعة، إن المعلومات التي تلقاها مكتب المفوضية تشير إلى أن أعداد القتلى خلال الهجوم على المدينة وعلى طرق الخروج منها وفي الأيام التالية للسيطرة عليها، قد تصل إلى المئات، مضيفًا أن روايات شهود تشير إلى عمليات إعدام ميدانية وقتل جماعي لمن باتوا عاجزين عن القتال.
كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قالت في تقرير نشرته الاثنين الماضي، إن مئات المدنيين العزل ربما قُتلوا خلال سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر المعاقل الكبيرة للجيش السوداني في إقليم دارفور، التي خضعت للحصار نحو 18 شهرًا، قبل أن تسقط يوم الأحد الماضي.
وذكرت المفوضية أنها تلقَّت "مقاطع فيديو مُقلقةً" تُظهر "عشرات الرجال العُزل وهم يتعرضون لإطلاق النار أو ممددون على الأرض قتلى، بينما تحيط بهم عناصر من قوات الدعم السريع تتهمهم بالانتماء إلى القوات المسلحة السودانية"، وكذلك تقارير عن إعدامات ميدانية لمدنيين حاولوا الفرار، يُعتقد أن دوافعها عرقية، إضافةً إلى استهداف أشخاص لم يعودوا يشاركون في الأعمال القتالية.
وأورد ماجانجو أن بعض الشهادات تحدثت عن مقتل بضع مئات من الرجال على أيدي مقاتلين من الدعم السريع رددوا عبارات ذات طابع عنصري قبل إطلاق النار، ما يعزز المخاوف من أن يكون الهجوم اتخذ طابعًا عرقيًا في سياق الصراع المتصاعد بدارفور.
في المقابل، نفى قيادي رفيع في قوات الدعم السريع، لم تفصح عنه رويترز، صحة تلك الروايات، واصفًا إياها بأنها "مبالغات إعلامية" من جانب الجيش وحلفائه لـ"التغطية على خسارتهم للفاشر"، وفق تعبيره.
وقال إن قيادة الدعم السريع أصدرت أوامر بالتحقيق في أي تجاوزات محتملة، وإنه تم بالفعل توقيف عدد من العناصر على خلفية انتهاكات مزعومة.
وتزامن ذلك مع موجات نزوح واسعة من المدينة، إذ اضطر عشرات الآلاف إلى الفرار سيرًا على الأقدام لعدة أيام باتجاه بلدة طويلة، بحسب المفوضية. وروى ناجون أن الطريق كان محفوفًا بمخاطر القتل والسلب والعنف القائم على الهوية.
وأشارت المفوضية إلى أنها تلقت شهادات من عاملين في المجال الإنساني تفيد بأن ما لا يقل عن 25 امرأة تعرضن للاغتصاب الجماعي داخل مأوى للنازحين قرب جامعة الفاشر بعد دخول قوات الدعم السريع إليه.
وبحسب ماجانجو، فقد "اختار المهاجمون نساء وفتيات واغتصبوهن تحت تهديد السلاح"، ما دفع نحو مئة أسرة كانت داخل المأوى إلى الفرار وسط إطلاق النار وترهيب كبار السن.
وفي بيان منفصل، قالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريك، إن الانتهاكات المبلغ عنها في الفاشر "لا يمكن تبريرها بأي حال"، داعية إلى تحرك عاجل لوقف العنف وحماية المدنيين، مضيفة "حياة الناس في السودان تعتمد الآن على اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذه الفظائع".
وخلال الأيام الماضية، تصاعدت المخاوف على مصير المدنيين في الإقليم، بعد تقارير واتّهامات لقوات الدعم السريع بارتكاب عمليات قتل جماعي وعنف ذي طابع عِرقي في الفاشر، إلى جانب مقتل خمسة متطوعين من الهلال الأحمر في إقليم كردفان.
وتعد الفاشر آخر عاصمة إقليمية كانت خارج سيطرة الدعم السريع منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، وظلّت محاصَرة لأكثر من 18 شهرًا. وخلال الحصار، وثّقت منظمات إنسانية نقصًا حادًا في الغذاء والدواء، ما أدى إلى تفشي الجوع والأمراض بين سكانها، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 250 ألف نسمة.