قال رئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي إن رئيس الجمهورية اعترض على 8 مواد فقط في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي يتضمن 552 مادة، معتبرًا ذلك دليلًا على "تماسك مشروع القانون ورصانته".
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي رد الشهر الماضي مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لمزيد من الدراسة، وهو القرار الذي قُوبل بترحيب واسع من قبل خبراء قانونيين وحقوقيين فضلًا عن مجلس النواب نفسه.
وأضاف جبالي خلال الجلسة العامة اليوم الأربعاء "الاعتراض انصب على ثماني مواد فقط من إجمالي 552 مادة، إن هذا يبرهن أن المشروع في مجمله متماسك ورصين وثمرة لتضافر جهود المؤسسات المعنية كافة"، لافتًا إلى تعاون المجلس مع عدد من المؤسسات لضمان نص تشريعي متكامل يواكب الواقع العملي ومتطلبات التطوير.
وعرج جبالي خلال الجلسة الأولى لدور الانعقاد السادس على الانتقادات الموجهة للمجلس عقب اعتراض الرئيس على بعض مواد المشروع الذي وافق عليه المجلس في أبريل/نيسان الماضي، ما أعقبه انتقادات أممية "لما يتضمنه من إقرار نظام للمحاكمات عن بعد دون ضمانات كافية، وتوسيع سلطة النيابة العامة فيما يتعلق بالحجز لدى الشرطة والحبس الاحتياطي، ومنحها سلطة تقديرية واسعة في منع المحامين من الحصول على ملفات القضايا، ومحاضر التحقيقات بدعوى مصلحة التحقيق".
وقال جبالي إن بعض الأصوات "لم تعط نفسها فرصة للتروي أو الاطلاع على المواد محل الاعتراض وانطلقت على عجل لتعلن أن مشروع القانون برمته غير منضبط وغير صالح وكأن مئات المواد المحكمة انهارت في لحظة أمام نزعة التشكيك والتهويل، وذهب آخرون إلى المناداة بتأجيل نظر المشروع لدور انعقاد لاحق أو المطالبة بإرجاء النظر فيه وإعادة النظر فيه من جديد وكأن أشهرًا من الجهد والحوار قد ضاعت هباء".
وشدد على أن الرئيس استخدم صلاحياته الدستورية في رد مشروع القانون للمجلس لإعادة دراسة بعض مواده إعلاًء للمصلحة العامة، وقال "هذا الاعتراض لا يعد رفضًا لمشروع القانون بل ممارسة دستورية طبيعية تستهدف تعليقًا مؤقتًا لمشروع القانون لحين إعادة النظر في بعض أحكامه تحقيقًا لمزيد من الضمانات".
وتعليقًا على الانتقادات، قال جبالي إن "النقد الموضوعي قيمة نبيلة نرحب بها ونصغي إليها، أما النقد الذي يذهب إلى التشويه والمناكفات لا يخدم الوطن ولا يحترم عقول المواطنين"، وأكد أن المجلس سيبدأ فورًا في دراسة التعديلات التي تحقق مزيدًا من الضمانات لحقوق المواطن.
وقرأ مذيع الجلسات الدكتور محمد معلوم تفاصيل كتاب رئيس الجمهورية الموجه للمجلس بضرورة إعادة النظر في عدد من المواد لتحقيق التوازن بين مقتضيات العدالة وضمان الحقوق الدستورية.
وتضمنت اقتراحات الرئيس تعديلًا على مادة النشر، ليبدأ العمل بالقانون مع بداية العام القضائي الجديد التالي لنشره في الجريدة الرسمية، وليس بمجرد نشره، نظرًا لما يتطلبه من إنشاء مراكز إعلانات هاتفية تتبع وزارة العدل وتجهيزها على مستوى أكثر من 280 محكمة جزئية.
وتضمنت الاعتراضات نص المادة 48 من المشروع، إذ اعترض الرئيس على غياب تعريف محدد للخطر الذي يجيز دخول المساكن، بما يفتح الباب لتفسيرات واسعة تمس بالحماية الدستورية لحرمة المنازل.
كما تضمنت الاعتراضات المادة 105 لعدم توافقها مع المادة 64 من ذات المشروع بشأن استجواب المتهم في حالات الضرورة، حيث لم تمنح النيابة العامة الحق في بعض الحالات المقررة لمأموري الضبط القضائي، بخلاف المادة 112 لأنها أجازت إيداع المتهم في جرائم معينة دون تحديد مدة قصوى ودون اشتراط أمر قضائي مسبب، وهو ما قد يمس ضمانات الحرية الفردية.
واعترض الرئيس أيضًا على المادة 114 لاقتصارها على ثلاث بدائل فقط للحبس الاحتياطي، بينما اقترح في كتابه استحداث بدائل إضافية تتيح مرونة أكبر لجهات التحقيق.
أما المادة 123، فاعترض على قصر عرض أوراق المتهم على النائب العام لمرة واحدة فقط أثناء الحبس الاحتياطي، بدلًا من العرض الدوري كل ثلاثة أشهر كما أوصت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، بينما اعترض على المادة 231 لضرورة النص على إمكانية العودة إلى الإعلان التقليدي حال تعطل الوسائل الإلكترونية، مع إلزام الإعلان خلال 24 ساعة.
فيما اعترض على المادة 411 لأنها تلزم المحكمة بانتداب محامٍ في غياب المتهم أو وكيله عند نظر الاستئناف دون منحه فرصة للحضور، بما قد يتعارض مع مبدأ كفالة حق الدفاع وأصل البراءة.
من جانبه، ألقى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بيانًا خلال الجلسة العامة معتبرًا أن ملاحظات السيسي على بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية "تجسد حرص القيادة السياسية على ترسيخ دعائم الحقوق والحريات بكافة صورها".
فيما أعلن جبالي عقد اجتماع عاجل ظهر اليوم عقب رفع الجلسة للجنة العامة للمجلس ودراسة المشروع المعترض عليه والمبادئ والنصوص محل الاعتراض، والمبادئ والنصوص الدستورية، وبيان رئيس مجلس الوزراء لإعداد تقرير بهذا الشان وعرضه على المجلس، موضحًا حضور وزيرا العدل والشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي لهذا الاجتماع الذي يضم رؤساء اللجان النوعية وممثلو الهيئات البرلمانية ووكليلا مجلس النواب ورئيسه.
وكانت منظمات حقوقية طالبت بضرورة إجراء مراجعة شاملة وكاملة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية، محذرةً من أن اقتصار التعديلات على عدد محدود من المواد لن يعالج "العوار الجسيم" الذي شاب القانون بأكمله.
وشددت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن المشكلة الرئيسية في القانون لا تكمن في مواد معيبة فحسب، بل في "فلسفته الحاكمة ذاتها"، واعتبرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أن اقتصار التعديلات وفقًا لما تداولته وسائل إعلام على 8 مواد فقط سيجعلها "شديدة المحدودية، ولا يعالج العوار الجسيم الذي تضمنته مواد مشروع القانون الأخرى".
ووسط مطالب تأجيل مناقشة مشروع القانون لدور انعقاد لاحق، وبدء مناقشته اليوم، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن اجتماع السبت المقبل لبحث التقرير النهائي الذي أعده مدير الجهاز التنفيذي للهيئة بشأن الإجراءات واللوجستيات الخاصة بانتخابات مجلس النواب المقبلة.