صفحة وزارة الخارجية المصرية على فيسبوك
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل جروسي في ضيافة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، 9 سبتمبر 2025

كيف جمعت القاهرة إيران ووكالة الطاقة الذرية على طاولة واحدة؟

سمر يحيى
منشور الخميس 11 أيلول/سبتمبر 2025

اجتمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل جروسي، أخيرًا وجهًا لوجه في القاهرة، وتوصل الجانبان إلى اتفاق بوساطة مصرية.

جلسا إلى طاولة واحدة في قصر التحرير لنحو ساعتين بعد لقاء أولي جمعهما بوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الذي انسحب لاحقًا إلى قاعة جانبية.

بعيدًا عن الغطرسة

"كنا على شفير أزمة كبرى بين إيران والوكالة" قال مصدر مصري رفيع قريب من المفاوضات لـ المنصة، طالبًا عدم نشر اسمه، مؤكدًا أن "مصر تمتلك مصداقية حقيقية داخل معاهدة عدم الانتشار، ولها علاقات جيدة مع مختلف الأطراف، وإيران تعرف تمامًا أننا نتحرك من موقع مبدئي وهو ما جعل وساطتها في هذا الملف تحظى بقبول واسع، وتمنحها موقعًا مركزيًا في مشهد إقليمي مضطرب".

ويوم 13 يونيو/حزيران الماضي، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا على إيران مثّل بداية لحرب دخلت فيها أمريكا على الخط بقصف طال ثلاث منشآت نووية إيرانية هي فوردو ونطنز وأصفهان في 22 يونيو الماضي، قبل أن يُعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق وإنهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا.

وإثر الحرب الإسرائيلية على إيران، توقفت المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي عُقدت سابقًا بوساطة سلطنة عمان، بسبب خلافات بشأن تخصيب اليورانيوم والضمانات الأمريكية لرفع العقوبات.

وفي يوليو/تموز الماضي صعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس من لهجته تجاه إيران، مشيرًا إلى "احتمال تجدد الحملة ضدها"، وسط تحذيرات من استئناف طهران برنامجها النووي، ما رد عليه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بقوله "نحن مستعدون لأي عمل عسكري إسرائيلي، وقواتنا جاهزة لضرب عمق الأراضي المحتلة من جديد".

يشرح مصدر مصري مطلع على ملف الوساطة لـ المنصة كيف تطورت الوساطة المصرية، موضحًا أن عدم التوصل إلى اتفاق كان سيعني احتمال صدور تقرير من الوكالة يؤكد عدم امتثال إيران بشكل كامل فاتحًا الباب أمام إحالة الملف إلى مجلس الأمن وفرض عقوبات جديدة، دافعًا واشنطن لاتخاذ مواقف أكثر تشددًا وهو ما يتعارض مع رؤية مصر القائمة على خفض التصعيد.

وقال دبلوماسي مصري مطلع على الوساطة لـ المنصة طالبًا عدم نشر اسمه إن التوترات بدأت تتصاعد خلال الفترة الماضية ورأى عبد العاطي أن جمع الأطراف حول طاولة واحدة قد يكون لحظة حاسمة.

وأضاف "لم تكن حالة التأزم قد بلغت ذروتها، لكننا كنا على أعتاب إعلان سلبي ضد إيران".

من جهته، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية تميم خلاف لـ المنصة أن السياسة الخارجية للقاهرة ترتكز على دعم الاستقرار والأمن، وهو ما جعل الوساطة مع إيران والوكالة خيارًا طبيعيًا.

وأكد أن التقارب الملحوظ في العلاقات المصرية الإيرانية خلال العام الماضي لعب دورًا أساسيًا في تمكين القاهرة من ممارسة هذا الدور، مضيفًا "شهدت علاقاتنا مع إيران تطورًا كبيرًا، وكان تجاوب جروسي لافتًا".

وكانت القاهرة وطهران قطعتا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979، بعد اندلاع الثورة الإسلامية بها ووصول الإمام الخميني لسدة الحكم، وهروب الشاه محمد رضا بهلوي إلى القاهرة، التي كانت المكان الوحيد الذي وافق على استقباله، وبعد 11 عامًا، تم استئناف العلاقات لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح.

وطبع التوتر العلاقات بين البلدين لسنوات، وعقب ثورة 25 يناير، بدأت بوادر تقارب مصري إيراني بزيارة وفد شعبي مصري لطهران، وعام 2012 زار الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، طهران، لحضور الجلسة الافتتاحية لقمة منظمة دول عدم الانحياز. وفي 2013، زار الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، مصر، في أول زيارة لرئيس إيراني للقاهرة منذ 1979، وكانت في إطار حضور فعاليات قمة الدول الإسلامية.

وشهدت الأشهر الماضية لقاءات بين وزراء مصريين وإيرانيين في مناسبات عدة، لبحث إمكانية تطوير العلاقات بين البلدين. 

أدوات القاهرة

وسط هذه الأجواء تقاربت القاهرة وطهران أكثر. وجددت القاهرة تحذيرها من مخاطر انزلاق المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتوتر ولم تُخف قلقها من احتمال توسيع رقعة الصراع، إذ لم يخلُ بيان أو تصريح صادر عن الرئاسة أو الخارجية منذ اندلاع الحرب على غزة من التحذير من التداعيات على أمن واستقرار المنطقة.

ومنحت هذه الوساطة مصر ورقة قوة جديدة. يقول المصدر الرفيع "مصر دولة إقليمية معنية بأمن المنطقة. كان لنا لجان وساطات مصغرة في سوريا، وكنا ولا نزال لاعبًا مركزيًا في لبنان. الدول في الإقليم ساحات ولاعبون، ومصر حتى في أضعف لحظاتها ظلت دائمًا لاعبًا".

كافة المصادر التي تحدثت إليها المنصة أكدت أن أحد العوامل الأساسية التي دفعت بالقاهرة لتولي هذه الوساطة يرتبط بسياستها في مجال منع الانتشار النووي ونزع السلاح.

"هذا ركن أساسي من أركان السياسة الخارجية منذ عام 1974. إذ تعتبر القاهرة أن إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي هدف استراتيجي راسخ" يقول تميم خلاف.

وينص الاتفاق الذي أعربت مصر عن أملها في أن يمهد إلى مسار جديد في المفاوضات حول برنامج إيران النووي على خطوات عملية لإعادة تفعيل عمليات التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر.

وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، قال وزير الخارجية المصري إن الاتفاق "رسالة أمل للمجتمع الدولي أن الحوار ما زال ممكنا في أكثر الظروف تعقيدًا. حلول دبلوماسية بعيدًا عن منطق غطرسة القوة"، وأضاف أن القاهرة "ستظل ملتزمة بدورها في دعم الاستقرار بالعمل على خفض التصعيد وتحقيق التهدئة".