طالبت هيئة قضايا الدولة بالنيابة عن وزارة الداخلية، محكمة القضاء الإداري، أمس، برفض الدعوى التي أقامتها زوجة سجين محكوم عليه في إحدى قضايا الإرهاب، والتي تطالب فيها بتمكينها من الحصول على عينة حيوانات منوية من زوجها لإجراء عملية "حقن مجهري"، وأكدت الهيئة في مذكرة دفاع أن هذا الطلب لا سند له في القانون المصري، ويتعارض مع فلسفة العقوبة والنظام العام.
وقررت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، أمس، تأجيل نظر الدعوى لجلسة 6 ديسمبر/كانون الأول المقبل للسماح لدفاع المدعية بالإطلاع والرد على مذكرة دفاع وحافظة مستندات قدمتهما هيئة قضايا الدولة بالنيابة عن وزارة الداخلية.
وتعود تفاصيل القضية إلى دعوى أقامها محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالتعاون مع مكتب المحامي إيهاب الجارحي، نيابةً عن الزوجة، في يناير/كانون الثاني الماضي، طالبوا فيها بتمكينها من إجراء العملية بعد فشل محاولات سابقة للإنجاب، كان آخرها حملًا بتوأم ثلاثي عبر الحقن المجهري، انتهى بالإجهاض إثر ضغوط نفسية صاحبت القبض على زوجها في عام 2015.
إيلام السجناء
لكن وزارة الداخلية وفي أول رد رسمي منها على الدعوى، طالبت برفضها، وفقًا للمذكرة التي حصلت المنصة على نسخة منها، مؤكدة أن قانون تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل ولائحته الداخلية، رغم تفصيلهما لحقوق السجناء من زيارة ورعاية صحية، لم يتضمنا أي نص "يجيز للسجين أو لزوجته الحق في التلقيح الصناعي أو استخدام عينة من السجين لهذا الغرض".
وأضافت أن قبول مثل هذا الإجراء، الذي لم تنظمه التشريعات، سيترتب عليه "آثار خطيرة تمس النظام العام ومفهوم الأسرة وأدلة النسب".
وشددت المذكرة على أن الاستجابة للطلب من شأنها "أن تفرغ العقوبة من أحد أهم عناصرها وهو الإيلام"، مؤكدة "حيث سيُمنح المحكوم عليه في جريمة إرهابية حق الإنجاب وهو في محبسه"، معتبرةً أن ذلك بمثابة "مكافأة له على جرمه"، وأوضحت أن التشريعات المتعلقة بجرائم الإرهاب تتبنى فلسفة عقابية صارمة لا تتناسب مع منح مثل هذه الاستثناءات.
كما تضمنت المذكرة عدة دفوع شكلية مرتبطة بإجراءات إقامة الدعوى، من بينها عدم اختصاص وزير الداخلية بالطلب، مؤكدة أن أي إجراء يتعلق بخروج سجين من محبسه هو من السلطة الحصرية للنيابة العامة، التي لم يتم اختصامها في الدعوى، ورفضت الهيئة الاستشهاد بأحكام قضائية أجنبية أو اتفاقيات دولية، مؤكدة أن النظام القانوني المصري يعطي الأولوية لاعتبارات الأمن والصحة العامة داخل السجون.
ويأتي رد وزارة الداخلية، في أعقاب تقرير قضائي أودعته هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري في الدعوى، أوصت فيه بإصدار حكم يلزم الوزارة بتمكين الزوجة من الحصول على العينات والتحاليل الطبية اللازمة من زوجها، تمهيدًا لإجراء عملية حقن مجهري بهدف الإنجاب، مؤكدة أن السماح بذلك يتماشى مع أحكام الدستور والقانون المصري، ويكفل الحق في الرعاية الصحية والحياة الأسرية للسجناء، ومشددة على أن منع الزوجة من الحصول على العينة المطلوبة يمثل مساسًا بحقها الإنساني والدستوري في الأمومة.
وردًا على تلك التوصية، قالت الوزارة في المذكرة، إن القوانين واللوائح خلت من أي نص يلزمها بالاستجابة لطلبات المدعية، معتبرة أن طلبها يتعارض مع الضوابط الأمنية والصحية، مؤكدة أن إجراء تحاليل طبية، لا سيما المتعلقة بأخذ عينات لإجراء عملية حقن مجهري داخل السجن، يتطلب ترتيبات أمنية معقدة، وقد يُمثل خطرًا على سلامة النزلاء والعاملين، خاصة في ظل أولوية اعتبارات الأمن العام على غيرها من الحقوق في هذا السياق.
فهم قديم
وفي المقابل، أبدى سامح سمير المحامي بالمركز المصري ووكيل المدعية تعجبه من رد وزارة الداخلية على الدعوى، منتقدًا تفسيرها لخلو القوانين واللوائح من نص يجيز إجراء السجناء لعمليات الحقن المجهري باعتباره أمرًا ممنوعًا، في حين أن القاعدة القانونية الراسخة هي أن "الأصل في الأشياء الإباحة"، معلقًا "وما دام القانون لم يجرم صراحة هذا الفعل ولم يمنعه فالأصل هو إباحته".
كما انتقد سمير في تصريحات لـ المنصة مفهوم وزارة الداخلية للفلسفة العقابية للسجناء وربطها حتى الآن بفكرة إيلامهم، معلقًا "الطلبة في الفرقة الأولى بكليات الحقوق على علم بأن فكرة الإيلام والانتقام والمجتمعي هي فكرة عتيقة في الفلسفة العقابية وعفا عليها الزمن ولا ظهير لها في أي دستور ولا قانون، وبالتالي مفيش دولة بتحترم نفسها تعاقب المتهمين بإيلامهم، في حين أن العقاب يستهدف بشكل رئيسي تأهيل المتهمين وحماية المجتمع، وإلا ما كانت الوزارة نفسها غيرت مسمى السجون لـ(مراكز التأهيل)".
كما أبدى تعجبه الشديد من استناد الوزارة في طلبها برفض الدعوى إلى إدانة المتهم في قضية إرهاب، متسائلًا "إيه العلاقة؟! إحنا بنتكلم عن حق من حقوق الزوجة في أن تصبح أمًا، التي لا علاقة لها بزوجها الذي يقضي عقوبته في السجن كعقوبة شخصية لا يمكن أن يمتد أثرها لأسرته بحرمانهم من حقوقهم".
وكانت الزوجة أكدت في الدعوى إنها وزوجها أجريا عملية حقن مجهري حملت على أثرها في ثلاثة توائم لكن ضغوطًا نفسية نتيجة القبض على زوجها في يناير 2015، الذي ظل محبوسًا احتياطيًا على ذمة عدد من القضايا حتى صدور حكم بالسجن 15 عامًا في مارس/آذار 2022، أدت إلى تدهور حالتها وفقدان أجنتها.
وأشارت الزوجة إلى أنها علمت من النيابة العامة أن زوجها لن ينهي فترة عقوبته قبل عام 2037، وهو ما يعني حسب الدعوى "حرمانها من حلم الأمومة إلى الأبد، لكونها تبلغ من العمر 36 عامًا وتظل فرصها في الإنجاب تقل كل يوم".
وذكرت الزوجة أن عملية الحقن المجهري تظل الخيار الوحيد أمامها، مؤكدة "فكرت في أن أتقدم بطلب خلوة شرعية مع زوجي، إلا أن حالتي الصحية لا تسمح لي بالإنجاب بالطريقة الطبيعية ولا بد من التدخل الطبي، فضلًا عن أن تلك الخلوة لم يعد يسمح بها في السجون المصرية، بخلاف ما يحمله الأمر من إحراج وخدش لحيائي لا أطيقه".