دخل مشروع قانون الإيجار القديم نفقًا مظلمًا بعد صدور قرار رئيس الجمهورية، أمس، بفض دور انعقاد مجلس النواب قبل التصديق على تعديلاته، وهو ما يفتح الباب أمام "فوضى قضائية" وصراع محتمل بين الملاك والمستأجرين، إذ بات بإمكان الملاك الآن اللجوء لحكم المحكمة الدستورية لزيادة الإيجارات دون التقيد بأي ضوابط قانونية، حسب محامية حقوقية وممثل لرابطة الملاك تحدثا لـ المنصة.
وكان الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قضى بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية في قانون الإيجار القديم، وحدد موعدًا لإعمال أثره المرتبط بوقف العمل بالمادة التي تقرر تثبيت الأجرة، ابتداءً من اليوم التالي لفض دور الانعقاد العادي الحالي لمجلس النواب، وهو يوم الخميس الموافق 10 يوليو/تموز الجاري، حسب القرار الجمهوري المؤرخ بيوم الأربعاء 9 يوليو، رغم نشره أمس بالجريدة الرسمية.
وضع كارثي
يعني هذا الوضع، حسبما قالت المحامية الحقوقية عزيزة الطويل لـ المنصة، أحقية الملاك ابتداءً من ذلك التاريخ في رفع دعاوى قضائية للمطالبة بزيادة القيمة الإيجارية لتتماشى مع سعر السوق الحالي، وهو ما سيفتح الباب أمام "شطط وفوضى في تحديد الإيجارات، دون وجود أي ضابط قانوني يحمي المستأجر"، على حد وصفها.
ولعل ذلك ما جعلها تحذِّر من أن مستأجري الإيجار القديم، وخاصة الفئات الأكثر احتياجًا، يواجهون وضعًا "كارثيًا" ومُهددًا بالتشرد، بعد فض دور الانعقاد البرلماني دون إقرار تعديلات قانون الإيجار القديم.
ولفتت المحامية التي عملت على ملف الحق في السكن إلى أن الوضع الحالي "أسوأ بكثير من العرض الذي كان متاحًا في مشروع القانون"، الذي كان يمنح المستأجرين مهلة انتقالية تتراوح بين 5 و7 سنوات، بالإضافة إلى خيار الحصول على وحدة سكنية بديلة.
وشرحت عزيزة الطويل أبعاد ما وصفته بحالة الفراغ التشريعي الذي يهدد المستأجرين، موضحة أن الحكم الأخير للمحكمة الدستورية ربط نهاية العمل بآلية تثبيت الأجرة بانتهاء دور الانعقاد البرلماني، وبما أن دور الانعقاد تم فضه رسميًا اعتبارًا من 9 يوليو، فإن "نص تثبيت الأجرة أصبح غير دستوري".
وشددت على أن الأزمة ستطول بشكل مباشر "الفئات الأكثر ضررًا والأشد احتياجًا"، مثل المستأجر الأصلي من كبار السن أصحاب المعاشات المحدودة، والأرامل، والمطلقات، وغير القادرين على العمل.
وقالت "إذا كان معاش المستأجر 2000 جنيه، كيف سيتمكن من دفع إيجار قد يصل إلى 5000 جنيه أو أكثر؟ هذا الوضع سيؤدي حتمًا إلى الطرد، ليس بحكم مباشر، ولكن لعدم القدرة على سداد القيمة الجديدة، مما ينقل المستأجر من كونه الحلقة الأضعف إلى حالة من الهشاشة الكاملة".
من جانبه، لم ينفْ مصطفى عبد الرحمن، أحد ممثلي اتحاد ملاك الإيجار القديم، لـ المنصة وجود اتجاه بين الملاك لاتخاذ تلك الإجراءات، عبر إنذار المستأجرين برفع الأجرة ومن ثم اللجوء للمحاكم بموجب تلك الإنذارات والحصول على أحكام برفعها استنادًا لحكم المحكمة الدستورية.
لكن عبد الرحمن، أكد عدم تبنيه شخصيًا ولا اقتناعه بذلك الاتجاه لثقته في رئيس الجمهورية وأجهزة الدولة وتدخلهم لتجنيب البلاد ما سيترتب على ذلك من "فوضى قضائية"، وقال "لا أعتقد أن الرئيس السيسي سيسمح بدخول البلاد في دوامة قضائية ومجتمعية بهذا الحجم، فالدولة تدرك تمامًا أن المستأجرين أنفسهم غير قادرين على تحمل التعديلات الطفيفة التي أقرها البرلمان، فكيف سيتحملون إيجارات السوق الحالية؟"
ودعا عبد الرحمن المُلاك إلى الهدوء وعدم الاستعجال في اتخاذ أي إجراءات قضائية، مبررًا ذلك بعزم القيادة السياسية الواضح على إنهاء أزمة قانون الإيجار القديم، لافتًا إلى أنه لا يستبعد أن يكون رئيس الجمهورية صدق على القانون لكنه لم ينشر حتى الآن مستشهدًا بقرار فض دور الانعقاد البرلماني الذي صدر بتاريخ متأخر عن تاريخ سريانه، مما يترك الباب مفتوحًا أمام احتمالية أن يكون قانون الإيجار القديم قد تم توقيعه بالفعل وينتظر النشر.
وأضاف "حتى لو لجأ البعض للقضاء، فإن أي إجراءات سيستغرق وقتًا طويلًا، وسيكون القانون قد صدر بالفعل، مما يبطل أي دعاوى. لا داعي للاستعجال، فالإجراء الذي يمكن اتخاذه اليوم يمكن اتخاذه بعد شهر أو شهرين".
وتابع "نحن على ثقة تامة بأن الدولة، بكافة أجهزتها الأمنية والمخابراتية، ترصد المشهد وتدرك حساسيته، ولن تسمح بحدوث كارثة مجتمعية، الموضوع سينتهي بشكل يرضي الجميع، وهناك حلول شاملة ستوفرها الدولة مثل منصة الإسكان البديل، ودعم المستأجرين عبر الصندوق الاجتماعي".
مخاوف الزيادات "كلام فارغ"
في المقابل، رفض رئيس اتحاد مستأجري مصر شريف الجعار، بشدة المخاوف التي وصفت وضع المستأجرين بـ"الكارثي"، مؤكدًا أنها "كلام فارغ جملةً وتفصيلًا"، وأن وضع المستأجرين ليس مهددًا.
وطمأن الجعار، في تصريحات لـ المنصة، المستأجرين، بأن "فض دور الانعقاد لا يعني حل المجلس"، لافتًا إلى أن المسار القانوني لا يزال يصب في مصلحتهم، وأوضح أن "رئيس الجمهورية أمامه مهلة 30 يومًا للتصديق على القانون، وفي حال رفضه، سيعود للبرلمان القادم".
وحول لجوء الملاك للمحاكم، أكد الجعار أن هذا المسار لا يدعو للقلق، قائلًا "إذا لجأوا للقضاء، وهو ما نتمناه، فالمحكمة إما سترجئ البت في القضية لحين صدور القانون، أو ستحيلها لخبير".
وشدد على أن النقطة الجوهرية تكمن في أن أي خبير أو قاضٍ لدى تقريره زيادة للقيمة الإيجارية، سيكون ملزماً بنص حكم المحكمة الدستورية العليا، الذي اشترط أن تكون أي زيادة في الأجرة "بدون غلو أو شطط".
وأضاف "الخبراء لا يمكنهم تقدير الإيجارات الجديدة بناءً على أسعار السوق الحالية، لأن العقارات القديمة بُنيت بمواد مدعمة من الدولة وكانت معفاة من الضرائب، وهو ما لا ينطبق على العقارات الحديثة".
ويعول الجعار على نص المادة 14 من قانون الإيجار القديم رقم 49 لسنة 1977 التي لا تزال سارية في ضبط تحديد تلك القيم بعيدًا عن القيم السوقية، لافتًا إلى أن هذه المادة تضع الأسس والمعايير التي تُبنى عليها أي زيادة في الأجرة، مما يمنع أي تقديرات عشوائية.
واختتم حديثه برسالة حاسمة "في كل الأحوال وضعنا غير مهدد بحول الله، ما يُقال هو مجرد أماني وأحلام لبعض الكتائب الإلكترونية. ونحن كمستأجرين سنواجه أي محاولة للمساس بحقوقهم عبر كافة الوسائل الدستورية والقانونية المتاحة".
الحلول الممكنة للأزمة
ولا تقتنع المحامية عزيزة الطويل بحديث الجعار، وترى أن الأزمة المرتقبة تتطلب تدخلًا لحلها عبر عدة مسارات، منها أن يصدر رئيس الجمهورية تعديلات قانون الإيجار القديم المحالة إليه من مجلس النواب لتفادي ما قد يترتب على الفراغ التشريعي الحالي، أو أن يعد قانون آخر من البرلمان القادم بأثر رجعي، أو أن يتم الطعن مجددًا أمام المحكمة الدستورية على الوضع الجديد.
واختتمت حديثها بالقول "في ظل مشروع القانون الذي لم يصدر، كان أمام المستأجر مهلة آمنة، وفرصة للتفاوض، أو الحصول على بديل، أما الآن، فقد تُرك وحيدًا في مواجهة مطالب تفوق قدرته المالية بكثير، مما يجعله مهددًا بشكل حقيقي وفوري".
ومطلع يوليو الماضي، وافق مجلس النواب بشكل نهائي على مشروع القانون الذي أثار جدلًا كبيرًا خلال الأيام الماضية، بعد أن أقر فترة انتقالية لسبع سنوات، تنتهي بعدها العلاقة الإيجارية في الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغرض السكن، وخمس سنوات لغرض غير السكن، مع إلزام المستأجر بإخلاء العين المؤجرة وردها إلى المالك بنهاية هذه الفترة.
ويلزم القانون الحكومة بتوفير بدائل سكنية للمستأجر الأصلي وزوجه/زوجته قبل عام على الأقل من تاريخ انتهاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها في القانون.