انتقدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مشروع قانون المسؤولية الطبية الجديد، المعروض حاليًا على مجلس النواب للمناقشة، مؤكدة أنه يحمل انعكاسات "سلبية" على الأطباء ومقدمي الخدمات الطبية والمنظومة الصحية بشكل عام.
ووافقت لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب مطلع يناير/كانون الثاني الماضي نهائيًا على مشروع القانون بعد حذفها عقوبة الحبس من الخطأ الطبي، والاكتفاء بتوقيع الغرامة فقط، وأقرت عقوبة الحبس في حالة الخطأ الجسيم، حيث أعلن مجلس النواب وقتها أن ذلك يأتي استجابة لنحو 95% من مطالب الأطباء.
وعرفت اللجنة الخطأ الطبي بأنه "كل فعل يرتكبه مقدم الخدمة أو امتناع عن إجراء طبي يجب عليه اتخاذه وفقًا لأحكام القانون لا يتفق مع الأصول العلمية الثابتة أو آداب وتقاليد المهن الطبية الصادرة وفقًا لأحكام النقابات الطبية أو المواثيق الأخلاقية المهنية التي يصدرها المجلس الطبي المصري حسب الأحوال".
كما عرفت الخطأ الجسيم بأنه "الذي بلغ حدًا من الجسامة بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققًا ينشأ عن إهمال أو رعونة أو عدم احتراز، أو ينشأ إن كان مقدم الخدمة مخدرًا أو مسكرًا عند ارتكابه".
وأكدت المفوضية المصرية، في بيان لها أمس، أن مشروع القانون حتى بعد تلك التعديلات ما زال لا يلبي تطلعات مقدمي الخدمات الطبية في الحماية والإنصاف بشكل كافٍ "بل يضعهم تحت ضغوط كبيرة قد تعوق أداءهم لوظائفهم، وما قد يسببه من ضرر للمواطنين".
وتابعت "على الرغم من مطالب الأطقم الطبية دومًا بقانون لحمايتهم، إلا أن المشروع المطروح حاليًا يركز فقط على تحديد مسؤوليات الأطقم الطبية دون ضمان الحماية المرجوة لهم، عكس ما طالبت به النقابات الطبية خلال الفترة الماضية".
من جانبها، ذهبت وكيلة نقابة الأطباء الأسبق منى مينا، في تصريحات لـ المنصة حول مشروع القانون، إلى ما هو أبعد مما تضمنه بيان المفوضية، لتؤكد أن "هذه التعديلات لا يمكن اعتبارها من قبيل الإصلاحات من الأساس".
وأوضحت منى مينا أن "تعديلًا كحذف الحبس الاحتياطي لم يتبعه إدخال نص على المشروع يحظر حبس الطبيب احتياطيًا على ذمة اتهامه بالخطأ الطبي، والشيء الذي لا يتم النص عليه في القوانين الخاصة كقانون المسؤولية الطبية، يتم الرجوع فيه إلى القانون العام وفقًا للقواعد القانونية المستقرة، وبالتالي سيظل الحبس الاحتياطي مطبقًا حال الاتهام بالخطأ الطبي تنفيذًا للقوانين العامة التي لا تحظر ذلك".
أما التعديل الآخر المرتبط بإلغاء توقيع عقوبة الحبس جراء الخطأ الطبي واستبداله بالغرامة، فقالت عنه منى مينا إن النص بعد تعديله أصبح يجيز توقيع غرامة على الطبيب تصل إلى مليون جنيه، متسائلة "مين معاه من الأطباء الشباب يسدد غرامة مليون جنيه لو تم اتهامه بالخطأ الطبي، علمًا بأن مبلغ الغرامة يذهب في هذه الحالة للخزانة العامة للدولة ولا يسدد كتعويض للمريض المتضرر، ما يعني أن الطبيب سيكون معرضًا للحكم عليه بمبلغ تعويض آخر إلى جانب الغرامة".
وشددت منى مينا على خلو القانون حتى الآن من تعريف واضح لمفهوم الخطأ الطبي الجسيم سوى أنه "التعامل برعونة وعدم احتراز"، مؤكدة أنها "كلمات فضفاضة جدًا وتحتمل أن يعتبر القاضي أي تصرف من الطبيب هو رعونة وعدم احتراز"، لا سيما أن النص يمنح سلطة تقديرية للقاضي فيما إذا كان الخطأ الطبي جسيمًا من عدمه.
ودفعت تلك "التعديلات المزعومة" منى مينا إلى التأكيد على أن قانون العقوبات يظل أفضل حال تطبيقه على الأطباء من نصوص مشروع القانون "لأن مصطلحات الرعونة وعدم الاحتراز موجودة بشكل أو بآخر في مواد القتل الخطأ، إلا أن الغرامات في قانون العقوبات تظل أقل".
وإلى ذلك، طالبت المفوضية المصرية بضرورة الأخذ بباقي مطالب النقابة العامة للأطباء بما يشمل إلغاء عقوبة الغرامة في حالات الخطأ الفني الوارد حدوثه والاكتفاء بـ"التعويضات" لجبر الضرر، بما لا يخل بالجزاء الإداري وفقًا للقوانين واللوائح المنظمة لممارسة المهنة بالنقابات المختصة في كل حالة، فضلًا عن إعادة صياغة تعريف الإهمال الطبي الجسيم بشكل واضح.
كما طالبت بضرورة إحالة الشكاوى المتعلقة بالمسؤولية الطبية من جميع جهات التحقيق إلى اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، على أن يتحمل صندوق التأمين كامل التعويضات وليس المساهمة فيها فقط، مشددة على أنه لا يجوز حبس مقدم الخدمة احتياطيًا في حالات الخطأ الطبي، ولا يجوز التحقيق معه إلا بعد إخطار النقابة واللجنة العليا للمسؤولية الطبية.
ونوهت إلى ضرورة أن يتماشى مشروع القانون مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق العاملين في القطاع الصحي، لا سيما المبادئ الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي ينص على حق العاملين، بما في ذلك الأطباء، في ظروف عمل عادلة وآمنة، تحميهم من المخاطر المهنية، وتضمن لهم أجورًا عادلة تكفل حياة كريمة لهم ولأسرهم، بالإضافة إلى فترات راحة وإجازات مدفوعة الأجر.
وحذرت المفوضية المصرية من عدم تلبية مشروع القانون الحالي لهذه المعايير، وهو ما عدته انتهاكًا لالتزامات مصر الدولية بموجب العهد.
ودعت المفوضية إلى ضرورة استمرار الحوار والتشاور مع النقابات والجهات الطبية المتخصصة لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق المرضى والأطباء، محذرة من أن يؤدي الضغط المستمر على الأطقم الطبية وعدم توفير بيئة عمل سليمة لهم، إلى زيادة هجرتهم إلى الخارج.