أظهرت آخر بيانات للبنك المركزي انخفاض حجم تمويلات محفظة منتج التمويل الأقل من 3 آلاف جنيه المعروف بـ"النانو فاينانس" في 2023 بنحو 95.5% مقارنة بالعام السابق، بينما لا تظهر بيانات محدثة عن هذا النشاط في تقارير هيئة الرقابة المالية عن النصف الأول من العام الجاري ما يشير إلى هذا التراجع الشديد.
ويقدم المنتج الذي تم إطلاقه في أعقاب جائحة كورونا عام 2020 تمويلات بحد أقصى 3 آلاف جنيه، بإجراءات بسيطة تعتمد على مستندات تحقيق الشخصية، وفترة سداد لا تتجاوز 90 يومًا، مع إتاحة عدة أنظمة قصيرة الأجل للسداد أسبوعيًا أو كل أسبوعين أو شهريًا.
وقال البنك المركزي في تقرير الاستقرار المالي الصادر الأسبوع الماضي إن حجم تمويلات النانو بلغت العام الماضي نحو نصف مليون جنيه مقارنة بـ 10.1 مليون جنيه في العام السابق، وبرر البنك ذلك بانخفاض عدد الشركات التي تروج لهذا المنتج.
سياسة خاطئة لإدارة المنتج
"ارتفاع تكلفة التمويل خلال الفترة الأخيرة لم يخلق بيئة مواتية لنجاح النانو فاينانس، فهو مصمم لاستهداف فئات تتسم بمحدودية الدخل وتحتاج تمويلًا صغيرًا وسريعًا مع السداد في فترة قصيرة"، كما تقول العضو المنتدب لشركة الخير للتمويل متناهى الصغر هناء الهلالي، لـ المنصة.
وتبنى البنك المركزي سياسة للتشديد النقدي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بهدف كبح التضخم الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، ما ساهم في رفع فائدة الإقراض لدى البنك المركزي من 9.25% في فبراير/شباط 2022 إلى 28.25% في الوقت الراهن.
"لم تخاطب الشركات الفئات المستهدفة من البداية حيث عملت على جذب أصحاب المشروعات متناهية الصغر على الرغم من أن مبلغ التمويل ضئيل للغاية مقارنةً بحجم أعمالهم"، يقول مسؤول بارز في الاتحاد المصري لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لـ المنصة.
ويرى مسؤول في شركة أمان للتمويل متناهي الصغر، إحدى الشركات الحاصلة على ترخيص تقديم النانو فاينانس، طلب عدم نشر اسمه، أن هذا النشاط يواجه حالة من "الكساد" في الوقت الحالي بسبب الفائدة المرتفعة، التي تتراوح من 31 إلى 32%، كانعكاس لأسعار الفائدة التي يقرها البنك المركزي.
وتضيف الهلالي أن مستويات التضخم الأخيرة ساهمت في تقليص القيمة الحقيقية للنانو فاينانس ما جعله غير مناسب حتى للاحتياجات التمويلية الصغيرة "3 آلاف جنيه باتت لا تتناسب إطلاقاً مع الزيادة الكبيرة في أسعار مختلف المنتجات والخدمات".
وعلى الرغم من اتجاه معدلات التضخم للانخفاض منذ مارس/آذار الماضي، لكنها ظلت فوق مستوى الـ25%، وارتفعت في آخر شهرين إلى 26%، متأثرة بإجراءات لرفع أسعار الطاقة طالب بها صندوق النقد الدولي.
"التغيرات التي طرأت على البيئة الاقتصادية من ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم أفقدت المنتج أساسيات الاستدامة ما بين تكلفة تمويل مرتفعة وقيمة لا تلبي متطلبات العملاء"، كما يقول مسؤول في شركة "أموال" لتمويل المشروعات متناهية الصغر لـ المنصة.
مخاطر مرتفعة للغاية ووقف تراخيص
بجانب مصاعب التضخم والفائدة، يلفت المسؤول في "أمان" إلى المخاطر الحادة التي تتحملها الشركات المقدمة للتمويل، "يحصل العملاء على التمويل المطلوب بمقتضى صورة البطاقة فقط من خلال التطبيق الإلكتروني، دون تخصيص مندوب لكل منطقة للتأكد من صحة البيانات بسبب الهامش المنخفض للعائد الذي تُحصَله الشركات، ما تسبب في صعوبة التواصل مع العملاء وامتناع العديد منهم عن السداد".
ويضيف أن "أمان" خلال الفترة الماضية لم تلجأ إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد العملاء المتعثرين، نتيجة ارتفاع تكلفة هذه الإجراءات مقارنةً بقيمة التمويلات وهامش ربحها "لذلك اتجهت شركتنا لقصر هذه التمويلات على العملاء الذين يتمتعون بجدارة ائتمانية فقط".
وبسبب المخاطر المرتفعة لهذا النشاط، يشير مسؤول في الاتحاد المصري لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لـ المنصة، طالبًا عدم نشر اسمه، إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية اتجهت إلى إلغاء تراخيص منح تمويلات النانو فاينانس لدى العديد من الشركات خلال الفترة الماضية مثل شركتي "ثقة" و"إيزي كريدت".
ويوضح المسؤول أن الشركات المقدمة لهذه التمويلات تنحصر في الوقت الحالي في ثلاث شركات هي "أمان" و"تساهيل" و"كاشات".
وأجرت المنصة اتصالًا بخدمة عملاء شركة تساهيل لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر للاستفسار عن منتج النانو فاينانس، وجاء الرد بأن المنتج غير متوفر حاليًا ولا توجد معلومات واضحة عن موعد إتاحته مرةً أخرى، بينما لم تعلن الشركة رسميًا إيقاف هذا النشاط التمويلي حتى الآن.
اجتماع مرتقب لمناقشة الأزمة وحلول مقترحة
ويكشف المسؤول في الاتحاد المصري لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة عن التحضير لاجتماع مع هيئة الرقابة المالية قبل نهاية العام الحالي لبحث المشكلات التي أدت للتراجع الحاد لمنتج النانو فاينانس، وطرح حلول لمعالجتها وضوابط تقديم الخدمة من أجل ضمان استدامة المنتج.
وبرأيه، يجب دراسة تجارب الدول الناجحة في تمويلات النانو فاينانس والاقتداء بها مثل كينيا وماليزيا والفلبين ونيجيريا، ودراسة فئات العملاء وقيمة التمويل والتكلفة المناسبة، وكيفية التعامل مع المخاطر التشغيلية.
ويقترح المسؤول في "أموال"، تعاون الشركات مع هيئة الرقابة المالية في دراسة حالات العملاء وتحديدًا المتعثرين منهم، للتوصل لطبيعة التحديات التي واجهتهم، فضلًا عن إقامة حوار مع الشركات ومساندتهم والعمل على جذب شركات أخرى لهذا النشاط لأن "العدد الحالي لا يسمح بإقامة سوق للتمويل الأصغر".