أمر النائب العام المستشار محمد شوقي، أمس، بالتحقيق في "بلاغات تلقتها النيابة العامة من العديد من الأشخاص" بشأن نشر ديوان شعري يتضمن عبارات تحمل اعتداءً على الذات الإلهية وازدراء للأديان.
وفيما لم تسمِّ النيابة الشاعر أو الديوان، فهناك مؤشرات أن المقصود هو الناشط السياسي أحمد دومة، خاصة بعد الجدل الذي حول ديوانه "كيرلي" في يوليو/تموز الماضي، بالتزامن مع إعلان دار المرايا الصادر عنها الديوان تأجيل حفل توقيعه، عقب حملة اتهمته بـ"الإساءة إلى الذات الإلهية". إذ قال مدير الدار يحيي فكري لـ المنصة، وقتها إن التأجيل بسبب "الحملة التكفيرية ضد الديوان".
وكان الشيخ خالد الجندي علَّق على إهداء الديوان للجمهور، قائلًا "هذا تعدٍ على الذات الإلهية وكفر بواح وصريح.. هنا على القول وليس على القائل، وعلى المكتوب وليس الكاتب". بينما قال أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أحمد كريمة إن قصائد الديوان فيها "جنون وشطط"، مطالبًا بمصادرته.
وهو ما اعتبره دومة، في حديث لـ المنصة، وقتها "استخدام للدين في التصفية السياسية، و دعشنة تعرض حياته للخطر"، مشيرًا إلى أنه سيلجأ للقضاء مختصمًا هؤلاء "الشيوخ الرسميين"، على حد وصفه.
وبعد 75 يومًا تقريبًا من الأزمة، ذكرت النيابة العامة في بيانها أمس أنها طالعت ديوان الشعر، عبر الإنترنت، و"توصلت لاحتوائه على تلك العبارات".
وقالت النيابة إنها طلبت تحريات الشرطة حول الواقعة، وكلفت لجنة من المختصين بالأزهر الشريف بفحص عبارات ذلك الديوان، مؤكدة استكمال التحقيقات.
وتعليقًا على ذلك، قال دومة لـ المنصة، إنه ضد أي محاكمة أو تقييم غير إبداعي لأي عمل إبداعي، لأن مثل تلك الأعمال لا بد وأن يظل تقييمها بين المبدع والمتلقي و"ربما يدخل فيها الناقد من باب الإزعاج أحيانًا، غير كدا فأي شيء تاني غير مقبول أيًا ما كانت الجهة سواء قانونية أو شرعية أو غيره".
وردًا على تحرك النيابة العامة بعد شهرين ونصف، قال دومة "الموضوع مالوش علاقة ولا بالديوان ولا بمحتواه، وإنما مجرد استكمال لتصفية وعقاب على موقف أو رأي أو مجمل أعمال حتى أيًا كان، لكن هي دي التلكيكة اللي الدولة بتقرر تصفي بها حساباتها مع الناس".
ولم يستبعد دومة أن يكون منعه من الاحتجاج على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سببًا في إصدار بيان النائب العام، قائلًا "الإجراء جاء الساعة 12 بالليل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول بيوم"، إذ سبق لدومة المشاركة في أكثر من وقفة على مدى السنة الماضية تندد بالعدوان الإسرائيلي وتنتقد الموقف الرسمي المصري من الأحداث، أبرزها وقفة كانت أمام نقابة الصحفيين في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويعتبر دومة التحقيق معه، إن كان هو المقصود بالبيان، محاولة "تصفية حسابات" خاصة أن تحريك البلاغ أيضًا جاء "بعد تعليقي على صفقة رأس الحكمة بيوم".
وكان دومة نشر بوست على صفحته بفيسبوك، أول أمس، بالتزامن مع تسليم الإمارات أراضي المرحلة الأولى من مشروع رأس الحكمة قال فيه "تذكير: الإمارات مش مجرّد متخاذل أو مطبّع أو حتى عميل؛ الإمارات عدو .. لبلادنا وللقضيّة ولثوراتنا ولينا".
ويعتبر دومة السببين السابقين مؤشرًا واضحًا وحاسمًا لـ "ليه حاجة زي دي بتحصل دلوقتي، مع إنه الديوان مش موجود أصلًا وبقاله شهور مش موجود في أي مكان، وأنا شخصيًا ما عنديش نسخ منه لا ليا ولا للناس، ومش قادرين بسبب الأمن نعمل منه أي طبعة".
دومة ليس الشاعر الوحيد الذي طالته اتهامات الإساءة إلى الذات الإلهية، فسبق وتعرض الشاعر الراحل حلمي سالم إلى الاتهام ذاته بعد نشر قصيدة "شرفة ليلى مراد" بمجلة إبداع عام 2007، وتقدم مجمع البحوث الإسلامية بتقرير إلى النيابة يتهمه فيه بأن القصيدة تحمل كفرًا وزندقة.
كما سبق وواجه الروائي السوري حيدر حيدر الموقف ذاته بعد إعادة نشر روايته وليمة الأعشاب البحر في مصر عام 2000 ومنعها الأزهر بدعوى الإساءة إلى الإسلام. غير أن الحادثة الأشهر هي محاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ بعد نشره رواية أولاد حارتنا.
يذكر أن دومة سُجن نحو 10 أعوام، منذ 2013، وحتى أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي عفوًا عنه في أغسطس/آب 2023 بعد الحكم عليه بالسجن المشدد 15 عامًا في قضية أحداث مجلس الوزراء، وقضى دومة سنوات في حبس انفرادي، كتب خلالها قصائد الديوان.