شنت إيران، ليل السبت- الأحد ، هجومًا بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل، في أول عملية مباشرة من هذا النوع تشنها طهران ضد الدولة العبرية، وبينما أعلنت تل أبيب "إحباط" الهجوم، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"عدم الرد"، في وقت تزايدت فيه التحذيرات العالمية من اتساع الصراع في المنطقة، وسط دعوات دولية لضبط النفس واحتواء التصعيد بين طهران وتل أبيب.
جاء الهجوم الإيراني، عقب أيام من الترقب والاستنفار الأمني في الولايات المتحدة وإسرائيل، انتظارًا للرد الذي هددت به طهران عقب هجوم طال قنصليتها، وقتل 7 من مستشاريها العسكريين في سوريا مطلع الشهر الجاري.
ووفق مسؤول في البيت الأبيض فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن أبلغ نتنياهو أن "واشنطن لن تدعم أي هجوم عسكري ضد طهران"، ونقل موقع "سي إن إن" عن المسؤول في الإدارة الأمريكية قوله إن "بايدن أخبر نتنياهو بأنه "يجب عليه اعتبار الليلة فوزًا لأن التقييم الحالي للولايات المتحدة هو أن الهجمات الإيرانية كانت غير ناجحة إلى حد كبير وأظهرت القدرة العسكرية المتفوقة لإسرائيل".
وفي الوقت نفسه، حذرت إيران من رد "أكثر حزمًا" إذا ما قامت إسرائيل بأي عمل عسكري ضدها مرة أخرى، كما حذرت الولايات المتحدة من ذلك.
وقال السفير والممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني، في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ورئيسة الدورة الحالية لمجلس الأمن فانيسا فريزر، اليوم الأحد، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الإيرانية إرنا، إن إيران "لن تتردد في استخدام حقها المبدئي في الدفاع المشروع إذا لزم الأمر. وإذا قام الكيان الإسرائيلي بأي عمل عسكري مرة أخرى، فمن المؤكد أن الرد الإيراني سيكون أقوى وأكثر حزمًا".
الأمر نفسه أكده بيان لوزارة الخارجية الإيرانية، فجر الأحد، أكد على التزام إيران بالقانون الدولي الذي يمنحها حق الدفاع عن النفس، محذرًا، وفق إرنا، "إذا لزم الأمر، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات الدفاعية لحماية مصالحها المشروعة ضد أي أعمال عسكرية عدوانية واستخدام غير قانوني للقوة".
كما وجهت إيران تحذيرًا إلى الولايات المتحدة أيضًا من أي دعم ومشاركة في استهداف مصالح إيران، وفق بيان للحرس الثوري الإيراني، أكد أن ذلك "سيؤدي إلى رد حاسم وباعث على الندم".
واستهدفت الضربة الإيرانية، أمس، عدة أهداف من ضمنها قاعدة نيفاطيم الجوية جنوب إسرائيل، والتي تقع في صحراء النقب بالقرب من مدينة بئر السبع، ويبلغ طول مدرجها 3400 متر، وتعد الحظيرة والقاعدة الرئيسية لطائرات إف 35 الإسرائيلية. وتبعد هذه القاعدة عن الحدود الغربية لإيران حوالي 1100 كيلومتر، وفق وكالة الأنباء الإيرانية.
وقال رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، اليوم، إنه ليس لدى طهران أي نية لمواصلة العملية ضد إسرائيل، "العملية انتهت من وجهة نظرنا".
احتواء الرد الإسرائيلي
وتباينت التقديرات الإسرائيلية والإيرانية حول الهجوم، فبينما اعتبرت إسرائيل أنها نجحت في التصدي له، قالت إيران إن هجومها "حقق كل أهدافه"، وفق تصريحات تليفزيونية لباقري، نقلها موقع هسبريس.
وربما كان التقدير الإسرائيلي للنجاح في التصدي للهجوم، دافعًا للاستجابة لمطالب الولايات المتحدة والمناشدات الدولية بعدم الرد، ومن ثم احتواء التصعيد. وهو ما تشير إليه أيضًا مكالمة بايدن ونتنياهو، ليل أمس، بشأن "عدم نجاح الضربات الإيرانية".
التقديرات نفسها رددتها إسرائيل في بيانات عدة. وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر إكس، إنه "من أصل أكثر من 120 صاروخًا باليستيًا، اخترق عدد ضئيل جدًا الحدود الإسرائيلية بينما تم اعتراض باقي الصواريخ".
وأضاف المتحدث باسم جيش الاحتلال "هذا العدد الضئيل سقط في قاعدة لسلاح الجو في نيفاطيم وألحقت أضرارًا طفيفة لبنية تحتية. القاعدة تواصل عملها ومهامها".
وعلق "إيران فكرت أنها ستشل عمل القاعدة الجوية وستضر بقدراتنا الجوية لكنها فشلت حيث تواصل الطائرات الحربية الهبوط والإقلاع داخل القاعدة الجوية والانطلاق إلى مهام دفاعية وهجومية بما فيها طائرات الشبح F-35".
وفي بيان آخر قال أدرعي إن الهجوم الإيراني أُحبط، "إيران ارتكبت عملًا خطيرًا وتدفع الشرق الأوسط نحو التصعيد. نعمل كل ما يلزم لحماية أمن مواطني إسرائيل".
لكن تقارير إعلامية أشارت إلى أن عدد الصواريخ التي أطلقتها إيران أضعاف ذلك. فأشارت صحيفة نيويورك تايمز نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين، لم تسمهم، أن إيران اطلقت 185 طائرة بدون طيار "مسيرة" و36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض أرض، وأن الهجوم استمر 5 ساعات، وفق ما أورده موقع سكاي نيوز.
استئناف الطيران
واستأنفت العديد من الدول حركة الطيران، التي كانت قد علقت لساعات، أمس، إثر الهجوم الإيراني على إسرائيل، وفق موقع الحرة.
وأعلنت الأردن قُبيل الهجوم مساء أمس "إغلاق الأجواء أمام جميع الطائرات القادمة والمغادرة والعابرة مؤقتًا". وقالت وكالة الأنباء الأردنية إن هيئة تنظيم الطيران المدني أعلنت تمديد إغلاق الأجواء حتى الحادية عشرة صباحاً بالتوقيت المحلي، وفق موقع الشرق.
وبالمثل، أغلقت لبنان مجالها الجوي، وقالت في بيان وفق الوكالة الوطنية للإعلام، مساء أمس، إن "الأجواء اللبنانية قد أغلقت أمام جميع الطائرات القادمة والمغادرة والعابرة للأجواء اللبنانية ، وذلك بشكل موقت واحترازي ،اعتبارًا من الساعة الواحدة من فجر اليوم الأحد الواقع في 14/4/2024 لغاية الساعة السابعة من صباح هذا اليوم".
كما أعلنت وزارة النقل العراقية، أنها أغلقت الأجواء، وأوقفت حركة الملاحة الجوية، بعد رصد مسيرات فوق الأجواء العراقية في طريقها إلى إسرائيل. ثم أعلنت مصر تعليق رحلاتها الجوية إلى الأردن والعراق ولبنان، "نظرًا لإغلاق المجال الجوي أمام حركة الطيران فى كلٍ من الأردن والعراق ولبنان بسبب الأحداث الإقليمية في المنطقة" حسب بيان لشركة مصر للطيران على إكس، قبل أن تعلن استئنافها من جديد صباح اليوم. وأوقفت الكويت رحلاتها إلى الدول التي أغلقت مجالها الجوي، واستمرت باقي رحلاتها بشكل طبيعي.
ردود الفعل
ويعقد مجلس الأمن اجتماعًا طارئًا، اليوم الأحد، بناء على طلب من إسرائيل لإدانة الهجوم الإيراني عليها وتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، حسب سكاي نيوز.
وكان الأمين العام لمجلس الأمن أدان، في بيان أمس، الهجوم الإيراني على إسرائيل، داعيًا إلى ضبط النفس والوقف الفوري للأعمال القتالية، حسب المصدر نفسه.
وقال بايدن، في بيان أصدره البيت الأبيض، إنه سيجتمع مع قادة مجموعة السبع، الأحد لـ"تنسيق رد دبلوماسي موحد على الهجوم الإيراني الوقح". وأضاف "سوف يتواصل فريقي مع نظرائهم في جميع أنحاء المنطقة، وسنبقى على اتصال وثيق مع قادة إسرائيل"، حسب موقع سي إن إن.
ودعت إيطاليا، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، اليوم إلى اجتماع عبر الفيديو لزعماء دول المجموعة، لبحث الهجوم الإيراني على إسرائيل. وقالت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجا ميلوني، عبر إكس "نعبر عن قلقنا العميق من مزيد من الاضطرابات في الوضع في المنطقة ونواصل العمل لتجنب ذلك".
وأدانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هجوم إيران غير المسبوق على إسرائيل، ودعت جميع الأطراف إلى توخي الحذر. وقالت فون دير لاين، على إكس، "أدين بقوة هجوم إيران الصارخ وغير المبرر على إسرائيل. أدعو إيران ووكلاءها إلى وقف تلك الهجمات على الفور"، حسب الشرق الأوسط.
وأضافت "يجب على جميع الجهات الفاعلة الآن الامتناع عن مزيد من التصعيد والعمل لاستعادة الاستقرار في المنطقة".
وعبرت مصر والسعودية والإمارات وقطر وعمان والكويت عن القلق من التصعيد العسكري في المنطقة، داعين في بيانات منفصلة، إلى احتواء الموقف وضبط النفس.
وقالت الصين إنها تشعر بقلق بالغ بشأن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. وشكلت الضربات الإيرانية أول هجوم مباشر منها على إسرائيل مما فاقم خطر اتساع الصراع في منطقة تسعى فيها الصين للعب دور الوسيط وترتفع وارداتها من الطاقة القادمة منها بشكل متزايد، حسب ما نشره موقع سويس إنفو عن وكالة رويترز.
واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الهجوم الإيراني "غير المسبوق" على إسرائيل "يهدّد بزعزعة الاستقرار في المنطقة"، مشيرًا إلى أن بلاده تعمل مع شركائها على خفض التصعيد وتدعو الى ضبط النفس، في وقت وصف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الهجوم الإيراني بـ"الطائش"، حسب الشرق الأوسط.
كما دعت الخارجية الروسية إلى "ضبط النفس"، قائلة في بيان "نحضّ كل الأطراف المعنيين على إظهار ضبط النفس. نحن نعوّل على الدول الإقليمية لحلّ المشاكل الراهنة بوسائل سياسية ودبلوماسية".
في غضون ذلك، دعت الأردن خلال اجتماع للحكومة اليوم "مختلف الأطراف إلى ضبط النفس والتعامل بانضباط ومسؤولية مع التوترات التي تمر بها المنطقة وعدم الانجرار نحو أي تصعيد ستكون له بلا شك مآلات خطيرة"، وفق وكالة الأنباء الأردنية بترا.
وقال رئيس الوزراء بشر الخصاونة "جرى التعامل مع بعض الأجسام الطائرة التي دخلت إلى أجوائنا ليلة أمس، والتصدي لها للحيلولة دون تعريضها لسلامة مواطنينا والمناطق السكنية والمأهولة للخطر"، مشيرًا إلى أن "شظايا قد سقطت في أماكن متعددة خلال ذلك دون إلحاق أي أضرار معتبرة أو أي إصابات بين المواطنين".
والأحد، ضرب جيش الاحتلال الإسرائيلي عدة أهداف في لبنان. حيث دمر مبنى في بعلبك وفق الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام. كما شن طيران جيش الاحتلال "غارات عنيفة" في النبطية فجر اليوم، "وألقت الطائرات المغيرة عددًا من الصواريخ الثقيلة التي أحدث انفجارها دويًا هائلًا في المنطقة، وتسبب في تحطيم الزجاج في عشرات المنازل والمحال في بلدة جباع".
وتجدر الإشارة إلى أن الهجمات الإسرائيلية على لبنان ودمشق ليست بالجديدة، إذ تتواصل منذ شهور، مع تبادل التصعيد بين حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ردًا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.