أظهرت قمة القاهرة للسلام اليوم، التباين الكبير في الخطاب الغربي والعربي بخصوص ما يحدث في غزة، فبينما بدأ العديد من وزراء خارجية الدول الأوروبية كلماتهم بالتأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، و الإدانات الواسعة لحماس وتحميلها مسؤولية ما يواجهه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أدان القادة العرب سياسة "العقاب الجماعي" في غزة، مطالبين بوقف القصف ومحاولات التهجير.
وفي غضون ذلك، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في افتتاحية القمة على رفض مصر تهجير فلسطينيّ غزة إلى سيناء، قائلًا "أكدت مصر، وتجدد التشديد على الرفض التام للتهجير القسري للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضي المصرية في سيناء، إذ أن ذلك ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة".
وأضاف الرئيس خلال القمة التي شاركت فيها 31 دولة في العاصمة الإدارية الجديدة "بتعبير صادق، عن إرادة وعزم جميع أبناء الشعب المصري، فردًا فردًا، إن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل، لن يحدث، وفي كل الأحوال لن يحدث أبدًا على حساب مصر".
وبينما تزامن انطلاق القمة مع وصول أول شحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر 20 شاحنة، وهي الأولى منذ بدء المواجهات الأخيرة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أكد الرئيس المصري أن المعبر سيظل مفتوحًا.
وقال السيسي "إن مصر منذ اللحظة الأولى انخرطت في ضغوط مضنية آناء الليل وأطراف النهار لتنسيق وإرسال المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين في غزة، لم تغلق معبر رفح البري في أي لحظة، إلا أن القصف الإسرائيلي المتكرر لجانبه الفلسطيني حال دون عمله، وفي هذه الظروف الميدانية القاسية، اتفقت مع الرئيس الأمريكي على تشغيل المعبر بشكل مستدام بإشراف وتنسيق كامل مع الأمم المتحدة، ووكالة الأنروا، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وأن يتم توزيع المساعدات بإشراف الأمم المتحدة على السكان في قطاع غزة".
ومن جانبه شدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أن الفلسطينيين لن يرحلوا عن أراضيهم "أيها السيدات والسادة.. لن نرحل.. لن نرحل.. لن نرحل، وسنبقى في أرضنا".
وقال عباس خلال كلمته في القمة، إننا نحذر من محاولات تهجير شعبنا في غزة إلى خارجها، كما نحذر من أي عمليات طرد للفلسطينيين من بيوتهم أو تهجيرهم من القدس أو الضفة الغربية، لن نقبل بالتهجير، وسنبقى صامدين على أرضنا مهما كانت التحديات.
وأدان ملك الأردن الملك عبد الله الثاني الحصار الإسرائيلي الكامل على قطاع غزة، في ظل "الصمت الدولي". وشدد أن "أولوياتنا واضحة وعادلة وهي الوقف الفوري للحرب على غزة وحماية المدنيين وتبني موقف موحد يدين استهدافهم من الجانبين انسجاما مع القيم المشتركة للقانون الدولي، مضيفًا أنه يجب إيصال المساعدات الإنسانية والوقود والغذاء والدواء بشكل مستدام للقطاع.
وأكد ملك الأردن الرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين أو التسبب بنزوحهم "فهذه جريمة حرب وفقا للقانون الدولي وخط أحمر بالنسبة لنا جميعًا"، مضيفًا أن إسرائيل تقوم بتجويع المدنيين في غزة حرفيًا.
في غضون ذلك، غادر أمير دولة قطر، الأمير تميم بن حمد، القاهرة عقب مشاركته في افتتاح قمة السلام. ونشرت وكالة الأنباء القطرية خبرين يفصلهما ثلاث ساعات، الأول عن مشاركة حمد في القمة والآخر بمغادرته القاهرة بعد المشاركة فيها. وكان لافتًا مغادرة الأمير القطري قبل إدلائه بكلمة باسم بلاده. وتلعب قطر دورًا في المفاوضات غير المباشرة بين حماس والولايات المتحدة وإسرائيل، إذ أفرجت حماس أمس عن رهينتين أمريكيتين بعد توسط قطر.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إنه "من الصعب تصديق ما حدث في قطاع غزة"، مشددًا أنه على إسرائيل التوقف عن عملياتها العدائية ووقف المذابح فورًا، موضحا أن إسرائيل استغلت الدعم الغربي في ارتكاب هذه الاعتداءات.
واعتبر أن إسرائيل استفادت من إخفاقات المجتمع الدولي ومواقفه، وذكر أن إسرائيل تزعم بأن لديها تسامح ديني لكن هذا الأمر غير حقيقي. وأشار إلى سجن إسرائيل مئات الآلاف في قطاع غزة، وتسمي ذلك حماية لهم من الإرهاب. وحذر من امتداد الأزمة لنطاق إقليمي، مع ضرورة إيجاد حل للأزمة بشكل قاطع.
إدانات لحماس.. وتبرعات
وغربيًا، ركزت كلمات وزراء الخارجية والوفود على إدانة حماس والتشديد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وفي الوقت ذاته دعوات لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مع استعراض فاتورة التبرعات.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد ما أسمته "إرهاب حماس" مع الالتزام بالقانون، مؤكدة التزام بلادها بحماية أمن إسرائيل الذي وصفته بأنه غير قابل للتفاوض.
وأشارت بيريوك في كلمتها إلى أن كل المدنيين يجب حمايتهم على حد سواء، موضحة أن هذه المعاناة يجب أن تنتهي فورًا، قبل أن تعود وتؤكد أن "حماس تحض على الكراهية، وتريد إحداث المزيد من التقسيم في المنطقة"، داعية لاستمرار الحرب ضد حماس، مع الأخذ في الاعتبار الوضع الإنساني.
وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، إن الأوضاع في عزة يجب احتواءها ومنع التصعيد، لكنه اعتبر أن ذلك أمرًا "حركة حماس لا ترغب فيه".
وذكر خلال كلمته في القمة، أن إسرائيل لديها حق الدفاع عن نفسها وتحرير الرهائن من قبضة حماس، لكنه دعا للعمل على التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، مشددًا على "ضرورة احترام القانون الدولي وحماية المدنيين، مع ضرورة ضمان التعايش السلمي في فلسطين وإسرائيل".
وقالت وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا، إن حركة حماس أرادت القضاء على إسرائيل في هجمات 7 أكتوبر، مشيرة إلى أن أن هناك 32 فرنسيًا قُتلوا في الهجوم، بجانب 7 مفقودين.
وأشارت كولونا إلى أن إسرائيل لها حق الدفاع عن نفسها وضمان عدم تكرار الهجمات، مع ضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني. ولفتت إلى أن المواطنين في غزة "غير مسؤولين عن أفعال حركة حماس التي لا تمثلهم".
من جانبها قالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، إن دولة بلدها حريصة على وصول المساعدات إلى الجانب الفلسطيني؛ "أعلن رئيس الوزراء الكندي، التبرع بقيمة 10 ملايين دولار من أجل المساعدات الإنسانية، فضلا عن 50 مليون دولار كمساعدات للأمم المتحدة".
وأوضحت جولي أن كندا تعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مطالبة في كلمتها، حركة حماس باحترام التعامل مع الرهائن وتسليمهم للجانب الإسرائيلي "حريصون على عدم تصعيد الموقف، خاصة في ظل دعم إيران لحماس؛ الأمر الذي يشكل خطرًا على المنطقة، في ظل أن هناك جماعات تعمل على الدعم من الخفاء".
وقالت وزيرة الخارجية اليابانية يوكو كاميكاوا، إن بلادها تدين ما أسمته "هجمات حركة حماس الإرهابية على إسرائيل" في السابع من أكتوبر، داعية لعدم تسامح المجتمع الدولي مع هجمات حماس، والعمل على إطلاق سراح الرهائن، مع العمل على وقف التوتر لمنع انتشاره وتهدئة الموقف.
وأشارت إلى أن بلادها نسقت مع فلسطين وإسرائيل ودول عربية وإيران في إطار جهود حل الأزمة، مشددة على ضرورة الاهتمام بالوضع الإنساني في غزة، والعمل على توفير المياه والكهرباء والوقود والأدوية، داعية لإجلاء الرعايا الأجانب من القطاع.
وأشارت إلى أن بلادها خصصت 10 ملايين دولار كمساعدات للفلسطينيين في قطاع غزة بشكل فوري، مثمنة الجهود المصرية في إدخال المساعدات الإنسانية لغزة.
المنظمات والمؤسسات الدولية
في غضون ذلك، طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، المجتمع الدولي العمل في مسارين بالتوازي "التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووضع حد للقصف الوحشي الإسرائيلي ضد أهالي القطاع من المدنيين، وثانيًا فتح ممر آمن على نحو عاجل لإيصال المساعدات الإنسانية للسكان في قطاع غزة بالكامل مع تأمين استمرار إمدادات الغذاء والدواء والمياه والطاقة لأهل القطاع هذه الأولوية القصوى".
وأشار أبو الغيط، خلال كلمته في قمة القاهرة، إلى أن استمرار الوضع الحالي يندرج في إطار المخالفة الصريحة والفادحة للقانون الدولي الإنساني من جانب إسرائيل القوى القائمة بالاحتلال، مؤكدًا أن الجامعة العربية ترفض كافة أنواع العنف والاستهداف ضد المدنيين دون تمييز، ولا يوجد مدنيون ذوو درجة أعلى وآخرون بدرجة أدنى، فكل المدنيين متساوون، والنفس البشرية لها قدسيتها.
فيما قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، إن الاتحاد الاوروبي يشجب هجوم حركة حماس على إسرائيل، مشددًا على حق الأخيرة في الدفاع عن نفسها. وأشار ميشيل خلال كلمته بالقمة، إلى التعاون مع مصر لحصول الفلسطينيين على المساعدات.
في غضون ذلك طالب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، بتخفيف المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، "بالأمس ذهبت إلى معبر رفح حيث شاهدت حالة من التناقض"، مشيرًا إلى أنه شاهد أزمة إنسانية تحدث من ناحية وأشخاص بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء، ومن ناحية أخرى مئات الشاحنات المحملة بالمؤن الغذائية والمواد الطبية.
وشدد أن "شعب غزة بحاجة إلى الالتزام بالمزيد والمزيد لتقديم كل المساعدات الإنسانية لكل القطاع"، و"نعمل مع كل الأطراف المعنية لحل هذه المشكلة". وأضاف أن معاناة الشعب الفلسطيني يجب أن تنتهي لأن قضيتهم عادلة وشرعية، و"هذا الصراع الذي دام أمده على مدى 65 عامًا، يجب أن ننحيه".