"الصوت عمل بوووم خفنا وشردنا"، هكذا عبرت الطفلة الغزّية هبة*، عمرها 9 سنوات، عن سماعها القصف الإسرائيلي العنيف الذي استهدف حي الرمال وسط مدينة غزة، بعشرات الصواريخ الإسرائيلية، مساء الاثنين، واستمر حتى فجر الثلاثاء الماضيين.
وتصاعدت الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، فجر اليوم الاثنين، بالطائرات الحربية، مستهدفة عددًا من المناطق شمالًا وجنوبًا، وفي الغرب والشرق والوسط لمدينة غزة بأحزمة نارية مكثفة من الغارات، واستهدفت إحداها مقرًا للدفاع المدني الفلسطيني، مما أدى إلى مقتل 4 منهم، وإصابة آخرين، بحسب مصادر طبية تحدثت لـ المنصة.
مع الخوف الذي شعرت به هبة وعائلتها، اضطروا للنزوح إلى منزل أقاربهم بحي النصر، الذي لا يبعد عن منزلهم أكثر من 2 إلى 3 كيلو مترات، لكنه كان المكان الأكثر أمانًا بالنسبة لهم في تلك الليلة العنيفة، تقول الطفلة "رجعنا على البيت، كان موجود، بس ما فيه قزاز على الشبابيك، كله مكسر، دخلت مع بابا، أخدت ألعابي وطلعنا".
مكثت العائلة يومان لدى الأقارب، حتى قرر الاحتلال الإسرائيلي إخلاء شمال قطاع غزة، وتهجير سكانه إلى النصف الجنوبي للقطاع، مُدعيًا أنها المنطقة الإنسانية الأكثر أمانًا.
اضطرت العائلة إلى النزوح لجنوب القطاع، بعدما شهدت تسوية كل المباني والأبراج والمنازل السكنية في منطقتهم بالأرض، تخيلت العائلة ما قد يحل بمنزلهم، واستقرت في مركز إيواء يتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في وسط مدينة خانيونس.
"أنا هنا بلعب بألعابي مع بنات صحباتي تعرفت عليهم، هُما كمان طلعوا من بيوتهم زيي"، قالتها هبة متمنية "نفسي أرجع على البيت ويكون لسة موجود، وألاقي كل أغراضي وغرفتي وأقدر أتحمم من دون ما أصف في طابور على باب الحمام".
لم تكن عائلة الطفلة هبة وحدها من نزحت نحو الجنوب، مئات العائلات حملت ما استطاعت من أمتعة وقادت سياراتها أو استقلت شاحنات وباصات، ونزحت نحو وسط القطاع وجنوبه.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية "أوتشا"، أن 600 ألف غزّي هُجروا من منازلهم، ونزحوا إلى النصف الجنوبي للقطاع خلال يومين من التهديدات الإسرائيلية، ومن المتوقع أن يرتفع عدد النازحين إلى أكثر من مليون فلسطيني يقطنون في النصف الشمالي للقطاع.
وكان الدفاع المدني الفلسطيني أعلن في وقت سابق، الأحد، عن انتشال طواقمه المدنيين من تحت الأنقاض، جثثًا هامدة، وغالبيتهم من الأطفال، فيما انتشل آخرون بعد أكثر من 24 ساعة تحت الأنقاض، منوهًا إلى أنّ "أكثر من 1000 مفقود تحت الأنقاض لم ينتشلوا بعد بسبب كثافة القصف وعدم توفر المعدات اللازمة لرفع وإزالة الأنقاض".
نزح محمد الحلو، صاحب الـ44 عامًا، من غرب غزة إلى غرب مدينة خانيونس، مع زوجته وأبنائه الأربعة، وقال لـ المنصة "بعد ليلة قصف عنيفة على منطقة سكننا، دمر الاحتلال شقتنا السكنية في عمارة الشمس على دوار أبو مازن، وفقدنا كل مقتنياتنا وعفشنا وذكرياتنا".
في اليوم التالي لاستهداف المبنى السكني بشكلٍ جزئي، وفقدانه لشقته التي آوتهم لسنوات، لم يجد حاجة لاستمرار اقتنائه مفتاح الشقة السكنية، ورماه بجوار البناية السكنية، موضحًا "شقى عمري ضاع وتعب سنين من الكد والعمل كله دفعته مقابلة الشقة، وراحت".
ويشكو الحلو من الافتقار للخدمات الإنسانية الإغاثية العاجلة التي تقدمها "الأونروا" في مراكز إيواء النازحين، خاصة من فقدوا منازلهم وملابسهم، حيث لم يعد لديهم ما يعينهم على الاستمرار، كما يشكو من انقطاع الماء وشح المواد الغذائية والبطانيات في ظل تغير الأحوال الجوية خلال فصل الخريف، وبرودة الأجواء ليلًا.
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، في بيان نشره عبر مجموعة الواتساب، عن تدمير 2185 مبنى وعمارة، تضم 8840 وحدة سكنية، هُدمت بشكل كلي جراء القصف والاستهداف الإسرائيلي، فيما تضررت 83750 وحدة سكنية بشكل جزئي منها 5434 وحدة سكنية غير صالحة للسكن.
وبحسب وزارة الصحة بغزة، وصل عدد الضحايا، مساء الأحد، إلى 2670 قتيلًا، إضافة إلى إصابة أكثر من 9500 آخرين بجراح مختلفة. وقال مدير عام مُجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية، إنّ الطواقم الطبية تعرضت لإنهاك واستنزاف جراء الحجم الهائل من عدد الضحايا والإصابات والاستهداف المباشر لمنازل المواطنين، والمكتظة بالسكان.
واستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي، عددًا من المنازل في النصيرات وسط القطاع، وأكثر من 3 منازل لمواطنين بمدينة خانيونس جنوب القطاع، خلال ساعات الفجر، جميعها دون إنذار مُسبق، وعلى رؤوس ساكنيها، بحسب مراسل المنصة.
ووصل إلى مجمع ناصر الطبي بخانيونس، أكثر من 15 قتيلًا من المدنيين الفلسطينيين، بعضهم أطفال، جراء استهداف المنازل بالمدينة. أحد تلك المنازل، كان يقطنه نازحون من بلدة بيت حانون شمال القطاع، إلى خانيونس بالجنوب، بعد تحذيرات عدة من جيش الاحتلال لسكان شمال القطاع ومدينة غزة، بالإخلاء والمغادرة إلى المناطق التي ادعى أنها آمنة في النصف الجنوبي للقطاع.
* اسم مستعار بناء على طلب المصدر