جامعة ستانفورد
نقاط التعرف على الوجه في تقنية للذكاء الاصطناعي

ستارجيت.. الطريق من تجارب "الوسطاء النفسيين" إلى حرب النجوم الجديدة

منشور الأربعاء 14 مايو 2025

تصاعدُ التوتراتِ الاقتصادية العالمية رمى بالعوائق في طريق ستارجيت/Stargate Project ليتراوح المشروع بين الطموح السياسي والمخاوف الواقعية من الانكماش والتكاليف المتصاعدة.

خطة سوفت بنك/SoftBank وOpenAI لضخ استثمارات فورية بقيمة 100 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة بدت للوهلة الأولى كأنها إعلان دخول رسمي في عصر جديد، لكنها سرعان ما اصطدمت بجدران من الشكوك التنظيمية والاقتصادية، أبرزها ما تفرضه إدارة ترامب من رسوم جمركية صارمة تهدد برفع تكاليف إنشاء مراكز البيانات العملاقة اللازمة لتشغيل المشروع.

هذا إلى جانب التحفّظات التي أبدتها العديد من المؤسسات المالية الكبرى، بسبب مخاطر السوق والتغيرات الجيوسياسية، وبروز نماذج منافسة مثل DeepSeek الصيني، الذي أثبت قدرته على تحقيق نتائج متقدمة بكُلف أقل.

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في يناير/كانون الأول 2025 عن إطلاق ستارجيت، في تعاون مشترك بين الشركة الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي OpenAI المملوكة لرائد الأعمال سام ألتمان، والشركة الرائدة في مجال قواعد البيانات Oracle الأمريكية، ومجموعة SoftBank اليابانية التي تمتلك أكبر صندوق لرأس المال الاستثماري في العالم في مجال التكنولوجيا، وMGX وهي ذراع استثمارية تقنية للحكومة الإماراتية. 

يهدف مشروع ستارجيت الجديد لتوظيف أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستخلاص أنماط ومعارف من كميات ضخمة من البيانات غير المنظمة، المنتشرة في مواقع متباعدة، وهو ما سيعظم من القدرة على التنبؤ وصنع القرار، ليس فقط في المجالات العسكرية بل أيضًا في الاقتصاد والطب والتخطيط الاستراتيجي.

هذا الطموح الكبير اصطدم بالواقع، وتراجعَ الحماسُ الذي تلا الوعود الاستثمارية الهائلة التي تُقدَّر بـ500 مليار دولار على مدار أربع سنوات التي أطلقها ماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لـ SoftBank مع سام ألتمان، الشريك المؤسس لـOpenAI، عقب إحاطة في البيت الأبيض بعد تنصيب ترامب.

تجنيد الوسطاء النفسيين

في هذا السياق المشحون، يبرز مشروع ستارجيت باعتباره أكبر من مجرد استثمار ضخم في مجال الذكاء الاصطناعي. إنه علامة فارقة في تشكُّل البنية التحتية للتفوق التكنولوجي العالمي ونقطة التقاء بين الطموح السياسي الأمريكي في عهد ترامب، وتوجهات رأس المال التكنولوجي العالمي ممثلًا في تحالف بين OpenAI وOracle وSoftBank وMGX الإماراتية.

ويكتسب المشروع دلالاتٍ رمزيةَ تتجاوز اسمه، إذ يشير إلى مفهوم ستارجيت المرتبط تاريخيًا بمحاولات الجيش الأمريكي منذ سبعينيات القرن الماضي استكشاف القدرات الخارقة لتجميع المعلومات عن بُعد والتنبؤ بالمستقبل.

يحمل اسم المشروع بعدًا رمزيًا مستمدًا من برنامج سري حمل الاسم نفسه أطلقه الجيش الأمريكي بالتعاون بين وكالة الاستخبارات الدفاعية ومعهد ستانفورد للأبحاث في 1978، وأُعيد هيكلته ووضعه تحت إشراف وكالة الاستخبارات الدفاعية بشكل مباشر في عام 1991.

هدف هذا المشروع في وقتها لدراسة إمكانية استخدام ما يُعرف بـ"الوسطاء النفسيين"، وهم أشخاص يُعتقد بقدرتهم على رؤية أماكن وأحداث بعيدة بدقة نسبية، من أجل توظيفهم في العمليات الاستخباراتية والعسكرية للتنبؤ بخطوات العدو أو كشف معلومات غير متاحة عبر الوسائل التقليدية.

طموح أبعد بكثير من ChatGPT؟

يعتمد مشروع ستارجيت على إنشاء شبكة واسعة من مراكز البيانات الضخمة في الولايات المتحدة، تبدأ بولاية تكساس نقطة انطلاق، مع خطة للتوسع إلى ولايات أخرى خلال السنوات المقبلة لبناء 20 مركز بيانات جديدًا، هذه المراكز تمثل العمود الفقري للبنية التحتية الرقمية التي ستمكّن من تشغيل وتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

تأخذ مراكز البيانات هذه شكل مستودعات عملاقة تحتوي على آلاف الرقائق الحاسوبية عالية القدرة، وهي وحدات أساسية لتطوير وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، خصوصًا تلك التي تتطلب كفاءة حسابية هائلة مثل النماذج اللغوية التوليدية.

ستُقدّم شركات رائدة في قطاع التكنولوجيا، مثل Nvidia المتخصصة في تصميم معالجات الرسوميات، وArm المصنّعة لأشباه الموصلات، إلى جانب OpenAI وأوراكل، البنية التقنية اللازمة لتشغيل هذه المراكز بكفاءة.

لا يقتصر المشروع على توفير البنية التحتية، إذ يتبنى رؤيةً أكثر طموحًا تتمثل في دفع حدود البحث في مجال الذكاء الاصطناعي نحو تطوير ما يُعرف بـالذكاء الاصطناعي العام/AGI بهدف الوصول إلى مستوى معرفي مشابه للقدرات العقلية البشرية، مثل التفكير المجرد وحل المشكلات غير المتوقعة والتعلّم الذاتي.

يتبنى المشروع رؤيةً أكثر طموحًا تتمثل في دفع حدود البحث في مجال الذكاء الاصطناعي نحو تطوير ما يُعرف بـالذكاء الاصطناعي العام

يختلف الذكاء الاصطناعي العام عن النوع المستخدم حاليًا في تطبيقات معروفة مثل شات جي بي تي، المسمى بالذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يعتمد على تحليل كميات هائلة من النصوص بهدف فهم اللغة البشرية والرد عليها بشكل منطقي وطبيعي. يمكن لهذا النوع من الذكاء توليد محتوى مكتوب، مثل المقالات والقصائد، والدخول في محادثات بلغة قريبة من أسلوب البشر.

أما الذكاء الاصطناعي العام، فيطمح إلى ما هو أبعد، كأن يتمكن من تحليل ملايين الأبحاث المنشورة بلغات متعددة، وتوليد فرضيات جديدة، بل ومحاكاة النتائج المحتملة لأي قرار أو إجراء.

وتشمل التطبيقات المستقبلية المتوقعة لهذا النوع من الذكاء الاصطناعي مجالات حساسة مثل السيارات ذاتية القيادة، والروبوتات المتقدمة، حتى التشخيص الطبي، كما أشار لاري إليسون، كبير مسؤولي التكنولوجيا في Oracle، إلى أن المشروع سيسهم في رصد الخلايا السرطانية مبكرًا عبر اختبارات دم متقدمة، تمهيدًا لتصميم لقاحات شخصية خلال أقل من يومين.

التكنو-سياسة ترسم ملامح القوة

غير أن هذا الطموح لا يخلو من المخاطر. إذ يحذِّر كثيرون من احتمال تطور هذه الأنظمة إلى ما يُعرف بـالذكاء الاصطناعي الفائق، وهو مستوى من الذكاء قد يتجاوز قدرة البشر على الفهم أو السيطرة، خصوصًا في حال اقترن باستخدام عسكري. مثل هذا السيناريو، الذي يبدو مستبعدًا لكنه غير مستحيل، يعيد إلى الأذهان تحذيرات أفلام الخيال العلمي من أن تتحول التكنولوجيا إلى قوة مدمرة خارجة عن السيطرة.

تمنحنا أفلام الخيال العلمي صورًا تخيليةً متقدمةً لما يمكن أن تؤول إليه تطبيقات الذكاء الاصطناعي الفائق، وهي نماذج تبدو أقرب مما كنا نعتقد. من الروبوتات المتحدثة والمفكرة في سلسلة أفلام حرب النجوم/Star Wars، إلى المساعدات الرقمية فائقة الذكاء في فيلم Her، أو الحاسوب HAL في 2001: A Space Odyssey الذي يتحكم بشكل كامل في مركبة فضائية، جميعها تثير سؤالًا جوهريًا حول ما إذا كانت الآلات قد تتمكن من تجاوز الإنسان، ليس فقط في الحساب بل في الوعي واتخاذ القرار.

من اللافت أن اسم المشروع بما يحمله في طياته من إشارة تاريخية يعيد إلى الأذهان استراتيجية حرب النجوم التي أطلقها الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في 1983، في إطار المواجهة التكنولوجية مع الاتحاد السوفياتي، التي استهدفت إقامة مظلة دفاعية عبر الفضاء لحماية الولايات المتحدة من أي هجوم نووي سوفيتي. المشهد ذاته يعاد إنتاجه اليوم، ولكن بأدوات مختلفة.

فالصين دخلت سباق الذكاء الاصطناعي بقوة عبر نموذجها DeepSeek، الذي أثبت قدرة مبهرة في فترة زمنية قصيرة، ونافس أدوات أمريكية مثل ChatGPT وGemini. هذا التصعيد لا يعكس فقط تقدمًا تقنيًا، بل تحوّل في موازين القوة العالمية.

لكن الاختلاف الجوهري اليوم يكمن في ساحة المواجهة. لم تعد الصراعات محصورة في الحدود الجغرافية أو ميزان القوى العسكري، بل باتت تدور حول التفوق التكنولوجي، أو ما يمكن تسميته بـالتكنو-سياسي/Techno-Politics، حيث تصبح السيطرة على الذكاء الاصطناعي مرادفًا للهيمنة الجيوسياسية.

في هذا السياق، تتخذ المنافسة بين أمريكا والصين بعدًا أعمق مما يبدو. فهي ليست مجرد سباق نحو نموذج لغوي أكثر تطورًا، بل صراع على تحديد شكل النظام العالمي المقبل: هل هو عالم تحت سيطرة رأسمالية تكنوقراطية تتجلى في نموذج فوكوياما لـ"نهاية التاريخ"؟ أم أننا أمام بدايات تحوّل أكثر جذرية، تتفوق فيه الآلات على البشر، وتعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والمعرفة والقوة؟

هذا الاحتمال الأخير، مهما بدا بعيدًا، لم يعد يُطرح فقط في روايات الخيال العلمي، بل في تقارير ومداولات مختبرات الذكاء الاصطناعي ذاتها.