
يوميات صحفية برلمانية| "الإيجار القديم".. تعديلات تحت الضغط ومسكنات لن تدوم
ثلاثة أيام من المناقشات ضمن الحوار المجتمعي باللجنة البرلمانية المشتركة التي تناقش مشروع الحكومة بشأن قانون الإيجار القديم، تجعلني أجزم بأن هذا المقترح لن يمر، وأن مجلس النواب سيجري تعديلات جوهرية على بنوده في الاجتماعات المقبلة.
"اجتهاد الحكومة"، كما وصفه المستشار محمود فوزي وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسيى، يصطدم بمصير نحو 6 ملايين مواطن وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ومخاوف النواب من العصف بحقهم في السكن، فضلًا عن الثمن الباهظ الذي لن يتمكن النواب والأحزاب الممثلة في المجلس من تحمله في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعدما وضعتهم الحكومة في مواجهة مع الشارع.
الأغلبية تتحرك
في بداية المناقشات، بدا الموقف الرسمي لحزب مستقبل وطن غامضًا، إلا من بعض المداخلات للنائب أحمد السجيني، القيادي بالحزب ورئيس لجنة الإدارة المحلية، التي أجلت قليلًا من ذلك الغموض، إذ عبَّر عن مخاوفه بشأن رفع القيمة الإيجارية عشرين ضعفًا للأماكن المؤجرة للغرض السكني، وتحفظه على الإخلاء خلال خمس سنوات، فضلًا عن تساؤلاته المتعددة التي فشلت الحكومة في الإجابة عنها بشأن البدائل المتاحة لغير القادرين وخطط التسكين.
ذلك قبل أن يحسم الحزب موقفه رسميًا مطالبًا بمراجعة مشروع القانون، محددًا مشكلتين رئيسيتين فيه؛ الأولى ضوابط ومحددات رفع القيمة الإيجارية، والثانية التحفظ على مدة السنوات الخمس لتحرير العلاقة الإيجارية.
وهو الموقف الذي أعلنه النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، في اليوم الثالث من مناقشات اللجنة البرلمانية، مؤكدًا أن "الحزب ثبت لديه أن النقطتين الأكثر إثارة للغضب في الشارع تتعلقان بزيادة الإيجار وإنهاء العلاقة الإيجارية، وهو ما يتطلب التعامل بحذر شديد، ومراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي للأسر المتضررة".
طرف آخر في العلاقة الإيجارية لا يمكن التغاضي عن شكواه يمثله الملاك
لم يكتف "مستقبل وطن" بموقف الطماوي في اللجنة، بل أعلن في بيان صحفي ضرورة إعادة النظر في مشروع قانون الإيجار القديم "انطلاقًا من المسؤولية الاجتماعية للحزب تجاه المواطنين، خاصة الأسر المتضررة حال الموافقة على مشروع القانون بصيغته الحالية".
هل يمكن تجاوز حكم "الدستورية"؟
طرف آخر في العلاقة الإيجارية لا يمكن التغاضي عن شكواه، يمثله الملاك المتضررون من ثبات القيمة الإيجارية لعشرات السنين، أو إغلاق مستأجرين للوحدات لوجود سكن آخر، بينما يعجز المالك أحيانًا عن توفير شقة لتزويج أبنائه. لكن هل يمكن تجاوز حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية ثبات الأجرة، وإلزامه مجلس النواب بإجراء تعديل للقانون قبل نهاية دور الانعقاد الحالي؟
خلال المناقشات التي جرت في اجتماع اللجنة البرلمانية خاض النائب ضياء الدين داود، والمستشار محمود فوزي، مناقشة قانونية بشأن إجابة هذا السؤال تباينت خلالها الآراء.
ذهب داود إلى عدم اضطرار المجلس لإجراء التعديل التشريعي في هذا التوقيت، فنبَّه فوزي إلى وجود فراغ تشريعي ينذر بأزمة، غير أن داود حذر مرتين من إمكانية نزول الناس للشارع اعتراضًا على القانون، وشدَّد على ضرورة عدم الاستهانة بستة ملايين مواطن قد يتضررون من هذا المشروع، وقال "مليون بني آدم نزلوا الشارع غيَّروا نظام الحكم".
يرى النائب أن الفراغ التشريعي سيدفع المتضررين من استمرار الوضع القائم لإقامة دعاوى قضائية لزيادة الإيجار لعدم دستورية ثباته. وهو هنا يميل إلى إلقاء الأزمة في ملعب القضاء للفصل بين الخصوم بدلًا من توريط مجلس النواب في هذا المشروع.
لكن مثلما لعب داود على خوف الحكومة من نزول المواطنين للشارع، حاول فوزي اللعب على مخاوف داود من تشريد الناس، وذهب إلى أن الفراغ التشريعي قد يعني بالضرورة فسخ العقد وإنهاء العلاقة الإيجارية فور انتهاء دور الانعقاد، وهي المدة التي حددتها المحكمة الدستورية لنفاذ الحكم.
وما بين فوزي وداود، حذَّر النائب عمرو درويش، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين عبر صفحته على فيسبوك، من خطورة مطالبة الحكومة بسحب مشروع القانون "اللي بيطالب الحكومة، إجمالًا، بسحب مشروع قانون الإیجار القدیم المحال للبرلمان مش مدرك إنه لو لم يقم البرلمان على الأقل بتعديل القانون تنفيذًا لحكم الدستورية، ستحدث أزمة كبيرة وفراغ تشريعي، هيتوجه، بسببه، ملايين المصريين، تاني يوم نهاية دور الانعقاد الحالي للمحاكم".
غير أن النائب سليمان وهدان، أمين الشؤون البرلمانية والنيابية لحزب الجبهة الوطنية، طالب في كلمته خلال اجتماع اللجنة البرلمانية، بإرجاء مشروع القانون للدورة البرلمانية المقبلة.
ما البدائل؟
مع تعقيد الوضع وضرورة نفاذ حكم المحكمة الدستورية وفي الوقت نفسه رفض مشروع الحكومة، حاول عدد كبير من النواب تقديم بدائل وحلول للأزمة،ليس من بينها الإخلاء القسري للمستأجرين، مع ضبط آليات رفع القيمة الإيجارية.
اعتبرت النائبة أميرة صابر، عضو المجلس عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، سريان القواعد نفسها والمساواة بين سكان المناطق الراقية وغيرهم غير منطقية، وكذلك الأمر بالنسبة للمساواة في الزيادة بين أصحاب العقود المستمرة منذ الستينيات وحتى منتصف التسعينيات.
اقترحت أميرة صابر تحديد نسب الزيادات حسب زمن تحرير العقود، فالإيجار تنظمه ثلاثة قوانين "نضع زيادة للعقود المحررة من سنة 1965 حتى 1981، ونِسَب للعقود المحررة من 1981 إلى 1996".
بعد كل هذه الاعتراضات والموقف الرسمي لحزب مستقبل وطن لم يعد مشروع القانون على أرض صلبة
أما النائب عاطف المغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، فاقترح زيادة القيمة الإيجارية عبْر شرائح، في تناسب عكسي، فكلما انخفضت الأجرة ارتفعت نسبة الزيادة، والعكس.
وبشأن الإخلاء وتحرير العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات، رفَض النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، الإخلاء الجبري واقترح التشجيع على التفاوض بين المالك والمستأجر، في الوقت نفسه مراجعة شروط وضوابط وتسهيلات التمويل العقاري والتأجير التمويلي، لتشجيع المستأجرين على ترك الوحدات.
وقدَّم أستاذ القانون المدني، الدكتور محمد سعد خليفة، طرحًا في إطار التفاوض أيضًا بين المالك والمستأجر، مشيرًا إلى إمكانية النص على حق المستأجر في الحصول على 50% من قيمة العقار حال تركه للمالك، وأشار خليفة إلى أن المادة 20 من القانون 136 لسنة 1981 تنص على حق المالك في نسبة 50% حال قيام المستأجر بالتنازل للغير، وتساءل "ألا يجوز قياسًا أن المستأجر يحصل على نفس النسبة".
كان النائب إيهاب رمزي، عضو المجلس عن حزب الشعب الجمهوري، طرح خلال اليوم الأول للمناقشات فكرة مشابهة، مقترحًا النص على حصول المستأجر على تعويض 25% من قيمة الوحدة حال إنهاء العلاقة الإيجارية بالتراضي.
سيناريو المستقبل
بعد كل هذه الاعتراضات، وعقب إعلان الموقف الرسمي لحزب مستقبل وطن، لم يعد مشروع القانون على أرض صلبة، لا أتوقع رفضه أو سحب الحكومة له، وإنما ستجري تعديلات جوهرية على الأقل في المادتين المتعلقتين برفع القيمة الإيجارية 20 ضعفًا، وإنهاء العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات من إصدار القانون.
من خلال تجارب سابقة، يهدأ حزب مستقبل وطن، يترقب ويقيس ردود الأفعال في الملعب والمدرجات، حتى يتحرك في اللحظة الأخيرة بركلة مباغتة ويحرز هدفًا. حدث هذا في عدة مشروعات سابقة منها تجاوبه مع تعديلات قانون المسؤولية الطبية.
لم يطرح حزب مستقبل وطن رؤيته لمشروع القانون بعد، لكن من دروس الماضي يمكن توقع تعديل يلعب على زيادة مدة إنهاء العلاقة الإيجارية سبع أو عشر سنوات، أو فتح المجال لإضافة مدة جديدة، كما سيعيد النظر في ضوابط رفع القيمة الإيجارية إما بتعديل نسبة العشرين ضعفًا أو تعديل نسبة الزيادة السنوية 15%.
رغم ذلك، لن تنتهي بنا محطة التعديلات لمشروع قانون يرضي جميع الأطراف، فمع غياب الدارسات الدقيقة والأرقام الحديثة، وعدم القدرة على وضع خطط وبدائل لغير القادرين أو المسنين، ستكون التعديلات المرتقبة مجرد مسكنات تسحب أثر الصدمة التي أحدثتها الحكومة، وستبقى الساحة مهيأة لصدامات اجتماعية وقانونية متكررة.