الموقع الرسمي للشركة
شركة أبو قير للأسمدة

بعد شراء الخليج لشركات الأسمدة.. من يحصل على الدعم الحكومي؟ 

منشور الثلاثاء 7 فبراير 2023

قبل نحو عشرة أعوام، كان شعبان عبد الحميد، المزارع بإحدى قرى محافظة الإسماعيلية، يحصل على شكارة السماد وزن 50 كيلوجرامًا مقابل 70 جنيهًا من الجمعية الزراعية؛ لكنه حاليًا بات يشتريها بـ240 جنيهًا، بارتفاع بلغت نسبته أكثر من 300%. 

ارتفع سعر طن الأسمدة من 1400 جنيه عام 2013 إلى 4200 جنيه في الجمعيات الزراعية، بينما يتراوح سعر الطن في القطاع الخاص بين 8 آلاف و8.5 آلاف جنيه.

يقول شعبان، الذي ورث مساحة أقل من فدان عن عائلته، إن تكلفة الأسمدة لم تكن تُشكِّل عائقًا أمامه قبل سنوات؛ لكنها حاليًا باتت عقبة، خاصة أن حصته بعد توزيعها مع إخوته الستة لا تكفي لأرضه. لذا يضطر لشراء شكارتين أو أربع شكائر، حسب نوع المحصول، من تجار القطاع الخاص بسعر أكثر من 400 جنيه (حوالي ضعف السعر الرسمي). 

ويُضيف "معظم قريتي بطلوا زراعة محصول زي الذرة واتجهوا لزراعة الفول السوداني لأنه بيحقق عائد مالي أكبر في البيع"، وذلك بعدما تضاعفت تكلفة زراعة الأرض بسبب ارتفاع أسعار المدخلات.

لم تؤثر آثار ارتفاع أسعار الأسمدة في قرية شعبان فقط، بل تخطت المشكلة حدودها لتشمل مصر كلها. 

على المستوى العالمي، يتوقع  مدير عام البنك الدولي ديفيد مالباس، معاناة البلدان النامية في الحصول على أسمدة. لكنَّ الوضع أكثر تركيبًا في مصر؛ فبسبب أزمة نقص الدولار، باعت الحكومة حصة تصل إلى 41.3% من شركة أبو قير للأسمدة إلى الصندوقين السياديين السعودي والإماراتي. فيما زادت نسبة البيع في شركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو) إلى 45% أيضًا لصالح الصناديق الخليجية. وقد يعني ذلك أرباحًا خيالية للمستثمرين الجدد، لكن فوائد قوم عند قوم مصائب.

ليس شعبان الفلاح الوحيد الذي يعاني؛ حسين أبو صدام، مُزارع من محافظة الجيزة، يشتكي أيضًا من زيادة أسعار السماد الكيماوي، وينتقد منظومة توزيع الأسمدة الكيماوية، مُدعيًا وجود خروقات تسمح للبعض بالحصول على حصة من الأسمدة الكيماوية بحيازات وهمية.

ويُطالب أبو صدام في حديثه الهاتفي مع المنصة، بتحويل الدعم المقدم لمصانع الأسمدة إلى المزارعين، وتحرير أسعار الأسمدة والغاز المقدم لصناعة السماد، بدعوى تحقيق استفادة أكبر للمزارعين الصغار.

لكنَّ نظام الدعم الحكومي يقوم بالأساس على دعم الشركات عن طريق بيع غاز مدعم، ونتيجةً لذلك لا يصل الدعم إلى مستحقيه.

يتفاقم هدر الدعم حين يصبح موجهًا إلى شركات عالمية تصدر منتجاتها وأرباحها إلى الخارج، بعكس الهدف الأصلي، حين كانت الحكومة تساعد الشركات الحكومية على تقديم سماد رخيص للمزارعين المحليين.

تؤثر أزمة ارتفاع أسعار الأسمدة الكيماوية على صغار الفلاحين المصريين، الذين يُشكلون نسبة 75.6% من ملاك الأراضي الزراعية في مصر، إذ يصل عددهم إلى 3.78 مليون مالك تتراوح ملكياتهم بين فدان أو أقل، وفقًا لبيانات نشرة الزمام والملكية الصادرة عن جهاز التعبئة والإحصاء لعام 2018. 

في هذا التحقيق، نوضح مدى تأثير ارتفاع أسعار الأسمدة على الفلاحين المصريين، خاصة بعد استحواذ الصناديق الخليجية على شركتين تنتجا معًا نحو 4.3 مليون طن سنويًا بنسبة 20% من إجمالي إنتاج مصر من الأسمدة والبالغ حوالي 21 مليون طن، وفقًا لرئيس غرفة الصناعات الكيماوية، شريف الجبلي. 

تصميم: المنصة

ليس هذا فقط، لكنَّ استحواذ الصناديق السيادية الخليجية على حصص بالشركتين يضيف لها حصصًا أخرى بالتبعية في شركات أسمدة أخرى.

تمتلك أبو قير للأسمدة حصصًا في أربع شركات كبرى في إنتاج الأسمدة هي حلوان للأسمدة بنسبة 17%، والإسكندرية للأسمدة بنسبة 15%، والوادي للصناعات الفوسفاتية بنسبة 10%، وأبو طرطور لحامض الفوسفوريك بنسبة 9.5%. فضلًا عن امتلاك شركة موبكو 99% من الشركة المصرية للمنتجات النيتروجينية، التي تعدّ واحدة من كبرى شركات إنتاج اليوريا والأمونيا في مصر.

بذلك، تَملّك الصندوقان السياديان السعودي والإماراتي حصصًا في سبع شركات أسمدة مصرية، من بين تسع شركات تعمل في صناعة الأسمدة النيتروجينية. 

عمليتا الخصخصة الأخيرتان تعززان شكل السوق الذي يتسم بسيطرة عدد قليل من الشركات على معظم إنتاج السوق، أو ما يعرف باحتكار القِلة/الكارتل. وقد يسمح هذا بقدرة كبيرة على التحكم في الأسعار بما يحقق تعظيم أرباح تلك الشركات. وتضاعفت أرباح شركة أبوقير، بدون خصم الضرائب، خلال الفترة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول 2022 إلى 3.5 مليار جنيه بنسبة 113.5%، مقارنة بـ1.6 مليار جنيه خلال الفترة نفسها من عام 2021، وفقًا لآخر إفصاح صادر عن الشركة. 

كما تضاعفت أرباح شركة موبكو بأكثر من ثلاث مرات بعد خصم ضرائب الدخل، لتصل إلى 3.65 مليار جنيهًا بنسبة 252.9% خلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر 2022، مقارنة بـ1.03 مليار جنيه خلال نفس الفترة من عام 2021، وفقًا لآخر تقرير مالي صادر عبر موقع الشركة.

ويلعب نظام تسعير الغاز حتى وقت قريب دورًا في تعزيز تلك الأرباح بدلًا من مساعدة صغار الفلاحين، إذ تدعم الحكومة مصانع الأسمدة بنحو ستة مليارات جنيه، وفقًا للبيان المالي للعام المالي 2021/ 2022، بسبب توحيد سعر الغاز الطبيعي عند 4.5 دولار لكل وحدة حرارية. وهو بمثابة دعم يستفيد من نصفه المزارعون خارج مصر، أو هو دعم مباشر لأرباح تلك الشركات، بدلًا من أن يستفيد منه الفلاح.

وعلى الرغم من ذلك الدعم الحكومي، لم تلتزم شركة أبو قير للأسمدة بتوريد حصتها لوزارة الزراعة والمقدرة بنسبة 55% من إنتاجها، طبقًا لقرارات مجلس الوزراء رقم 170 الصادرة في نوفمبر/ تشرين الأول 2021، ورقم 187 الصادرة في يناير 2022، وفقًا لآخر إفصاح مالي لشركة أبو قير. 

ووردّت أبوقير 231 ألف طن لوزارة الزراعة بنسبة 43.4%، مقارنة بتصدير 261 ألف طن بنسبة 49%، من إجمالي إنتاجها البالغ 532 ألف طن، خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2022، وفقًا لآخر إفصاح مالي قدمته الشركة للبورصة المصرية والمنشور عبر موقعها. 

في حين تفاوضت شركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو)، على تخفيض حصة وزارة الزراعة من الأسمدة إلى 20% فقط، فيما يذهب الباقي (نحو 80%) إلى التصدير، وفقًا لتقرير نشره موقع ناشونال نيوز.  

وتُلزم قرارات مجلس الوزراء شركات الأسمدة بتوريد 55% من إنتاجها البالغ نحو 21 مليون طنًا إلى السوق المحلي، بينما من المفترض أن يذهب الباقي للتصدير. في حين أن استهلاك السوق المحلي أقل من ذلك إذ يبلغ نحو 9.5 مليون طن بنسبة 45.2%، بينما الفائض عن الاستهلاك يصل إلى 11.5 مليون طن بنسبة 54.8%، بحسب رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية، شريف الجبلي.

وحتى في حالة عدم التزام شركات الأسمدة بتوريد الحصة المقررة لوزارة الزراعة، فإن الغرامة المقررة عليها تقدر بنحو 150 جنيهًا فقط (خمسة دولارات) عن كل طن لم تلتزم بتوريده، بحسب تقرير ناشونال نيوز. أي أقل كثيرًا من مكاسب التصدير. 

وتأتي تلك الحصة التي تلزم بها الحكومة شركات الأسمدة، مقابل تخفيض الحكومة أسعار الغاز الطبيعي المُقدَّم لمصانع الأسمدة؛ لكنَّ نسبة الـ55% لا يتم توجيهها إلى الجمعيات الزراعية، بل لا تتجاوز النسبة التي تُوجّه إلى الجمعيات 17% فقط، فيما يُباع الباقي إلى السوق المحلية الحرة (القطاع الخاص)، وفقًا لدراسة أجراها الوكيل الأسبق في وزارة الزراعة، الدكتور عبد التواب بركات.

حين تغيرت المعادلة

لكن، وبعد بيع الحكومة الحصص الأكبر في شركتي أبو قير للأسمدة وموبكو، اتجهت الحكومة في أغسطس/ آب الماضي إلى فرض معادلة سعرية لبيع الغاز لمصانع الأسمدة، حسبما نص قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3221 لسنة 2022، من شأنها رفع سعر الغاز إلى المصانع.

نص القرار  الجديد على أن يُحدد سعر بيع الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة المُنتجة لليوريا على أساس معادلة سعرية تأخذ في حسابها سعر بيع طن اليوريا المورد لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بعد خصم الضرائب، ونسبة التوريد المقررة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، إضافة إلى سعر بيع تصدير طن اليوريا وفقًا لمتوسط سعر النشرات العالمية، إضافة إلى نسبة التوريد المقررة لوزارة الزراعة.

كما ذكر القرار الحكومي، أنه في كل الأحوال لا يجب أن يقل الحد الأدنى لسعر بيع الغاز الطبيعي عن 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، فيما حدد سعر بيع الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة غير الآزوتية بـ5.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. 

هذا في الوقت الذي سجل فيه طن اليوريا وفق متوسطات الأسعار العالمية نحو 700 دولار (حوالي 21 ألف جنيه) في عام 2022، بعدما كان سعره نحو 194 دولارًا في عام 2016، في حين بلغت متوسطات أسعار اليوريا في أوائل العام الجاري نحو 480 دولارًا، وفقًا لموقع Trading economic. وكلما زاد السعر العالمي للأسمدة، كبر الحافز على التصدير، حتى رغم زيادة سعر الغاز.

وتصل معدلات استهلاك مصانع الأسمدة للغاز الطبيعي إلى حوالي 224.5 مليار قدم مكعب بنسبة 3.7% من إجمالي استهلاك مصر للغاز الطبيعي، وفقًا لآخر تقرير للشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) لعام 2020. ويُشكل الغاز الطبيعي أهم مدخل من مدخلات صناعة الأسمدة، وليس مجرد مصدر للطاقة. إذ يُستخدم كمادة خام للتفاعل مع الهواء وإمداد الهيدروجين وكوقود لتوليد الحرارة والضغط اللازمين. ويُمثل هذا ما بين 70 إلى 80% من تكاليف إنتاج الأسمدة المُتغيرة.

إلى ذلك، يُوضح رئيس لجنة الطاقة والبيئة بمجلس الشيوخ، والنائب السابق للهيئة العامة للبترول، عبد الخالق عياد، أنه وفقًا لتلك المعادلة السعرية قد يرتفع سعر الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة إلى 7.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، بحسب أسعار الغاز التي كانت معدّة في شهر أغسطس الماضي، وذلك بدلاً من 4.5 دولار التي كان معمولًا بها في السابق.

وينتقد عياد في حديثه الهاتفي مع المنصة، أداء الحكومة بتصديرها الغاز الطبيعي قائلًا "شوية الغاز اللي الحكومة بتصدرهم هيخلصوا في حدود 10 سنين، وتصديره خام ظلم للأجيال القادمة".

من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة القاهرة الدكتور جمال صيام، أن مسألة ربط سعر الغاز الموّرد لمصانع الأسمدة بنسب التوريد المحلي، وحجم التصدير، إضافة إلى استحواذ صناديق خليجية على نسبٍ أقل قليلًا من 50% من مصانع الأسمدة، ستجعل مسألة التزام المصانع بحصة التوريد المحلي للأسمدة محل شك. 

ويقول في حديث هاتفي مع المنصة، إن المعادلة السعرية للغاز ستشجع المصانع على التصدير، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في ضوء خفض سعر الجنيه، وارتفاع أسعار الأسمدة عالميًا، لافتًا إلى أن الحكومة قد تحتاج إلى تقديم مزيد من التنازلات لمصانع الأسمدة، مثل زيادة سعر طن التوريد المحلي.

كما توقع صيام ارتفاع سعر طن السماد المورد محليًا خلال الفترة المقبلة بين 6 آلاف جنيه إلى 8 آلاف، وذلك لتغطية تكلفته التي قد تصل إلى نحو 6 آلاف جنيه في المتوسط. 

وفي عالم ترتفع فيه أسعار الأسمدة، تضاعفت صادرات الأسمدة خلال السنة المالية 2021/ 2022 إلى نحو 2.1 مليار دولار، مقابل 1.2 في السنة السابقة، وفقًا لبيانات النشرة الشهرية للبنك المركزي. وفي محاولة من الحكومة لإبطاء عملية تصدير الأسمدة إلى الخارج، ضاعفت الرسوم المفروضة على تصدير الأسمدة النيتروجينية حوالي 5 مرات خلال 2022، حيث رفعت وزارة التجارة والصناعة رسوم تصدير الأسمدة النيتروجينية إلى 2500 جنيه بدلاً من 550 جنيه في بداية العام.

يأتي هذا في الوقت الذي توقعت فيه وكالة التصنيف الائتماني فيتش في تقرير صادر نهاية عام 2021، أن الإنتاج والتصدير في قطاع الأسمدة سيستمر في الزيادة وحتى العام 2025، ومن المرجح أن تُعزز مصر من مكانتها التصديرية، بفضل استقرار الاستهلاك المحلي وزيادة الإنتاج.

على الجانب الآخر، يعتقد أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة بجامعة عين شمس، الدكتور حمدي سالم، بضرورة تحرير أسعار الأسمدة وتعويض الفلاحين بصرف بدل نقدي يتم توزيعه عليهم، بدلًا من تقديم الدعم لمصانع الأسمدة.

ويُضيف في حديث هاتفي مع المنصة، أنه بغض النظر عن مالكي مصنعي الأسمدة، فإن العمل بالسعر العالمي هو الأفضل للحكومة، حيث تقدم الغاز بمتوسطات الأسعار العالمية، ومن ثم تسمح لمصانع الأسمدة ببيع منتجاته بالسعر العالمي الذي يضمن تحقيق أرباح.

ويتفق عضو جمعية منتجي الأسمدة، محمد أبو زيد، مع هذا الطرح، قائلًا إن "عملية تحرير أسعار الأسمدة قادمة لا محالة، لكنها ستتم بمراحل، حيث سيتم زيادة سعر الطن حتى يصل إلى 8 آلاف جنيه".

لكنَّ أحمد أبو ستيت، وهو مزارع من كفر الشيخ، يقول إن أي ارتفاع في أسعار الأسمدة "هيكون كارثة على الفلاحين". ويُضيف للمنصة، "دا هيؤدي لزيادة تكلفة الزراعة، وبالتالي ممكن تحصل خسائر الفلاح مش هيقدر يتحملها". 

أبو ستيت، الذي يعول خمسة أفراد، يقول إنه ترك أرضه بورًا هذا العام، رغم أنه قبل سنوات كان يستصلح تلك الأرض بعد حصوله عليها من إحدى جمعيات الاستصلاح. ويختم حديثه "الفلاح خربان بيته". كما اضطر المزارع شعبان عبد الحميد في الإسماعيلية، لتقليل استخدام الأسمدة الكيماوية، واتجه لاستخدام الأسمدة البلدية في محاولة للتغلب على ارتفاع الأسعار، أو زراعة المحاصيل التي لا تحتاج إلى الأسمدة. 

وبشكل عام، انخفض استهلاك الأسمدة في مصر من متوسط 563.7 كيلوجرامًا لكل هكتار من الأراضي الزراعة إلى متوسط 473.4 كيلوجرامًا للهيكتار، بنسبة انخفاض نحو 19%، وفقًا لبيانات البنك الدولي. والهكتار وحدة قياس تعادل نحو 2.5 فدان. 

فهل ستغير المعادلة الجديدة وضع صغار المزارعين إلى الأفضل؟ هذا ما سوف يتضح خلال العام 2023.


أُنتج هذا التحقيق برعاية مؤسسة رويترز ضمن ورشة عن الأمن الغذائي والتنمية الريفية.