عادت قضية المثليين من جديد إلى طاولة الجدل المصري- الأممي، الذي تتخذ فيه الدبلوماسية المصرية موقف الرفض لأي حق تحاول المواثيق أو القرارات الأممية منحه لهم. وانسحب يوم الخميس الماضي ممثل مصر بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان، أثناء اختيار مراقب للمنظمة الدولية ضد العنف المُعادي للمثليين. وهو المنصب الجديد الذي استحدثه المجلس
وقررت مصر، ممثلةً في مندوبها الدائم لدى المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، السفير عمرو رمضان، مقاطعة جلسة فرز الأصوات لاختيار المرشح لتولي منصب مراقب حقوق التوجه الجنسي وحقوق المثليين في المجلس، الهادف إلى حمايتهم من مختلف صور العنف والتمييز، والتي انتهت باختيار أستاذ القانون التايلاندي فيتيت مونتاربورن، والذي تقلّد في السابق مناصب أممية أخرى، منها أول خبير بالمنظمة الدولية للحماية من العنف والتمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسية.
إقرأ أيضًا.. بعد هجوم "أورلاندو": الدول الإسلامية ترى الإرهاب.. وتتعامى عن المثلية
وتتمتع عملية اختيار مراقب حقوق التوجه الجنسي بالشرعية المستندة على إجراءات ومواقف أممية سابقة بشأن الحماية من العنف والتمييز وفقًا للتوجه الجنسي. ولكن رمضان أعلن عن أسباب مقاطعته في خطاب رسمي وجهه لرئيس مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، باعتباره أحد المسؤولين عن اختيار المسؤول الجديد.
طعن مصري في شرعية المنصب
احتوى خطاب الرفض الموجه من الدبلوماسي المصري، ما يمكن أن يكون طعنًا صريحًا في شرعية القرار الصادر باستحداث هذا المنصب، واعتبره يتنافى مع مباديء القانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ أشار إلى "الانقسام غير المسبوق" على المنصب، مستندًا في ذلك لتصويت 19 دولة لصالحه، مقابل رفض 17 أخرى له، وامتناع 6 دول عن التصويت.
وعزز مندوب مصر في المجلس الحقوقي الدولي موقفه الرافض للقرار بالإشارة إلى التعديلات السبعة التي طالبت بها دول إسلامية وأفريقية، بالإضافة إلى روسيا، والتي شددت من خلالها على ضرورة احترام التعددية الثقافية في دعم حقوق الإنسان.
ورأى الدبلوماسي المصري أن المنصب الجديد يتخطى حقوق الإنسان والحريات الجوهرية المعترف بها عالميًا، كما أنه "لا يتسق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والسيادة الوطنية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في سياق احترام القيم الدينية والأخلاقية والثقافية".
واعتبر "رمضان" أن مكافحة العنف والتمييز، "يجرى العمل عليها بالفعل ممن خلال قرارات ومناصب أخرى موجودة"، ما يدحض من وجهة نظره القول بأن منصب الخبير المستقل لشؤون المثليين سيُقيد بمكافحة هذين الأمرين، واعتبره "محاولة من الباب الخلفي لتأسيس حق يُصنف البشر قانونًا وفقًا لميولهم وسلوكياتهم الجنسية".
قناعات "راسخة" ومناخ يعادي المثليين
بالإضافة إلى كل الدوافع السابقة التي ساقها المندوب المصري لرفض المشاركة في اختيار المسؤول الأممي عن حقوق المثليين، هناك سبب آخر لافت للنظر ورد ذكره في الخطاب الموجه لرئيس المجلس الدولي لحقوق الإنسان، إذ قال الدبلوماسي المصري علانية وبوضوح إن القرار المعني بحماية المثليين من العنف والتمييز "ضد قناعاتي الراسخة، والمباديء التي أدافع عنها".
"القناعات والمباديء الراسخة" للدبلوماسية المصرية التي لا تعترف بأي حقوق للمثليين، و"الأعراف والقيم الثقافية المجتمعية" المتعلقة بالقضايا الجنسية، لم تمثل دافعًا قويًا لمصر لتدعم قرارًا يعاقب قوات حفظ السلام المُدانين بارتكاب اعتداءات جنسية بحق مدنيين، إذ امتنعت مصر فقط عن التصويت على مشروع قرار أمريكي بهذا الشأن، حظي في مارس/ آذار الماضي بموافقة 14 عضوًا بمجلس الأمن الدولي من إجمالي 15 عضوًا به.
وفي ذلك الوقت، شدد مندوب مصر لدى الأمم المتحدة، السفير عمرو أبو العطا، على ضرورة عدم عقاب تلك القوات بشكل جماعي عند اتهام أحد أفرادها بالتورط في تلك الانتهاكات.
واتضح من حيثيات "أبوالعطا" للامتناع المصري المنفرد عن التصويت على القرار، أن أسبابه إجرائية، إذ قال في حديث مع إذاعة الأمم المتحدة، إن مصر تُصرّ على أن مجلس الأمن لا دخل له في هذا الموضوع الذي يتبع الجمعية العامة، وأن الانتهاكات الجنسية لا تدخل في موضوع السلم والأمن الدوليين، وبالتالي لا دخل لمجلس الأمن بهذا الموضوع.
وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 15 أبريل/ نيسان 2003، قرارًا برقم 57/306، يقضي بمطالبة السكرتير العام باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للحيلولة دون ارتكاب قوات حفظ السلام اعتداءات جنسية.
وشدد الدبلوماسي المصري على ضرورة وجود بعض المعايير المعينة للحفاظ على مصداقية القوات "التي تضحي بنفسها وبحياتها، وتركت ديارها وحياتها للحفاظ على السلم والأمن، معرضة حياتها للخطر"، وأكد على أهمية أن تشعر تلك القوات بوجود "نوع من العدالة".
يصدر موقف موظفي السلطة التنفيذية- وزارة الخارجية المصرية- تحت حكم نظام يعادي المثليين جنسيًا صراحة، كما بدا في حكم صدر عام 2015 عن محكمة القضاء الإداري، يُلزم الحكومة بطرد الأجانب المثليين جنسيًا من الأراضي المصرية "حماية للمصلحة العامة، والقيم الدينية واﻻجتماعية، ومنع انتشار الرذيلة بين فئات المجتمع".
المثليون في مصر.. "مجرمون" بلا نص قانوني
على الرغم من عدم سنّ المُشرع المصري في قانون العقوبات أو الدستور المصري، موادًا تُجرّم المثلية الجنسية صراحة، وتُعاقب المنضوين تحت إطارها، إلا أن السجّل المصري يوثّق حالات قبض على مثليين ومحاكمتهم، وفقًا لمواد وردت في "قانون مكافحة الدعارة" رقم 10 لسنة 1961.
وكانت التهمة التي تُساق لمحاكمة المثليين أو "المتهمين" بالمثلية الجنسية هي "ممارسة الفجور"، مثلما وقع بحق 26 رجلًا في قضية "حمام باب البحر" (حمام عمومي بالقاهرة) في مطلع عام 2015، تمت تبرئتهم، لكن بعد تعرّضهم للتشهير، بسبب التصوير بكاميرا برنامج تليفزيوني.
وفي عام 2001، دخل ساحة محكمة أمن الدولة العليا، 50 مواطنًا في القضية الشهيرة "كوين بوت"، ليحاكموا بـ"ممارسة الفجور"، وفقًا لقانون الطواريء.
ووردت تهمة "الفجور"، في القانون سالف الذكر، باعتبارها وصفًا للممارسات الجنسية التي تتم بالتراضي بين أبناء الجنس الواحد، وهي التهمة التي أدانت بموجبها محكمة جنح قصر النيل عدد من المواطنين في قضية "مرضى الإيدز" التي نظرتها عام 2008.
في مرمى الانتقادات الحقوقية
وتُوجه إلى مصر انتقادات تتعلق بما ترتكبه إزاء المثليين والمتحولين جنسيًا، ومن تشتبه السلطات في كونهم ينتمون إلى أي من الفئتين، خاصة مع دأب أجهزة الأمن على تعقُّب المواطنين لمجرد الاشتباه في سلوكهم.
وسجلت منظمات حقوقية محلية ودولية ارتكاب الأجهزة الأمنية المصرية "انتهاكات جنسية" ضد المثليين أو من يشتبه في كونهم من ذوي الميول المثلية، إذ يتعرضون للتنكيل والفحوص الشرجية على يد أجهزة الأمن أو أجهزة الفحص القضائي، ممثلة في الطب الشرعي.
وأعربت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مركز حقوقي)، في بيان صادر عنها في الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2015، عن قلقها إزاء رصدها خلال الأشهر الأخيرة من عام 2013، إلقاء قوات الشرطة القبض على أكثر من 150 شخصًا بتهم "ممارسة الفجور والفعل الفاضح"، وطالبت بالتوقف عن تعقب الأشخاص على خلفية ممارساتهم الشخصية.
وكان من بين منتقدي النظام المصري منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وذلك في أكثر من منشور صادر عنها. في أحد تلك البيانات طالبت مصر بالتوقف عن "الإيقاع بذوي الميول الجنسية المثلية"، واصفة تهمة الفجور التي توجه للمتهمين بـ"الملفقة".