باتريك كوبيرن
ترجمة عن الإندبندنت
يُعدّ الجيش السوري وحلفائه من الميليشيات القادمة من العالم الشيعي هجومًا مضادًا لقطع الممر المفتوح مؤخرًا الذي يصل بين شرق حلب ومنطقة المتمردين. قَصَف الطيران السوري والروسي حطام هذا الجانب من حلب الذي يمثل أيضًا طريق الإمداد الرئيسي إلى الجانب الغربي من المدينة الذي تسيطر عليه الحكومة.
في المعركة الجارية تتبدى نقاط القوى والضعف عند كل الأطراف في الحرب السورية. في البداية حققت قوات الرئيس السوري بشار الأسد انتصارًا، أدى إلى قطع خط إمدادات العدو إلى شرق حلب في 28 يوليو/تموز. ولكن بعد عدة أيام عاد التوازن بعد نجاح المتمردين في منطقة أخرى من المدينة، هذا الذي يُظهر أن الطرفين متساويين. تتهافت مزاعم الانتصارات الحاسمة في المعارك الداخلية لأن لا أحد من الطرفين قادر على الحفاظ على الزخم بعد التقدم الأولي. كل طرف لديه عدد محدود من الجنود الأكفاء، ولا يستطيع أحد فيهما تحمل فقدان الكثير منهم. قيل إن المتمردين فقدوا 500 شخص في هجومهم الأخير.
رد فعل كل طرف على أي تراجع على أرض المعركة هو طلب مساعدات أكبر من داعميه الأجانب. في تلك الحالة تطلب الحكومة السورية من روسيا وإيران والميليشيات الشيعية القادمة من لبنان والعراق الدعم والغارات الجوية. وكما أظهروا بشكل متكرر منذ عام 2011، فليس من بين هؤلاء الحلفاء مَن يتحمل هزيمة الأسد، ويعتمدون بشكل كبير على بقائه في السلطة. فوجيء هؤلاء الحلفاء في 1 أغسطس/آب باختراق جماعة جيش الفتح المتمردة - والتي تضم جماعات أخرى، ومن عناصرها المحاربة الرئيسية جبهة النصرة السلفية الجهادية - للخطوط الحكومية في جنوب غرب حلب. كان المحاربون المتمردون، الذين يتراوح عددهم بين 5,000 و10,000 فرد، مدعومين من السعودية وقطر وتركيا. تراجع الجيش السوري، الذي تضرر بشكل بالغ من المفجرين الانتحاريين، وأقيل قائده.
لقد شهدنا ذلك من قبل؛ يملك الجيش السوري قوات كافية في المعارك؛ قادرة على القيام بهجمات ناجحة مدعومة بالقصف الجوي، ولكنه لا يملك قوات مشاة قادرة على الحفاظ على موقع ثابت. وعادة لا يقوم جنود المشاة لديه بحماية المواقع الهامة، بقدر ما يعتدون على المدنيين ويبقون بعيدًا عن الخطر. كانت هذه هي سمة الحرب منذ عام 2012، ومن المذهل أن لا ترى عددًا كبيرًا من الوحدات العسكرية على الطرق وحتى على جبهات القتال، هذا الذي يجعل كلا الجانبين معرضين للهجمات المفاجئة.
قيل إن القوات الموالية للأسد دُعمت بـ 2000 مقاتل من حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية، وهم ذوو خبرات وتدريب عسكري وروح معنوية تجعلهم متفوقين على الجيش النظامي. إذا لم تستطع تلك الوحدات، المدعومة بالقصف الجوي الثقيل، أن تستعيد الأرض الصغيرة، ولكنها الهامة، التي فُقدت في بداية هذا الشهر، فسوف يُظهر هذا أن نظام الأسد أضعف مما كنا نعتقد، ولكن هذا لا يعني أنه موشك من الهزيمة.
يتبدى مأزق هذه الحرب بحقيقة أن شرق حلب من جهة، وغرب حلب الذي تسيطر عليه الحكومة من جهة أخرى، كلاهما مُحاصَر؛ إمدادات الماء نادرة ولا يمكن الحصول سوى على طعام قليل من الخارج. ذكرت منظمة يونسيف في 11 أغسطس/آب أن "مليوني شخص في حلب ليس لديهم القدرة على الوصول إلى المياه الجارية مع تزايد عمليات القتال". لا أحد يعرف تمامًا كم عدد الناس المتبقين في حلب، ولكنهم حوالي 250,000 في الجزء الذي يسيطر عليه المتمردون في المدينة، والباقين يعيشون في الجانب الحكومي.
من المذهل أن نعرف أن التغيير الحقيقي على الأرض في غرب سوريا منذ نهاية عام 2012 تغيير محدود. هذا يتناقض مع المساحات الواسعة قليلة السكان في شرق سوريا التي قام فيها تنظيم الدولة الإسلامية والأكراد السوريون بتقدم كاسح.
أحد العوامل الأخرى التي تزيد من تعقيد المأزق في الحرب هو أن جل القتال في العراق وسوريا يقوم به – لدى كل الأطراف – قادة حرب مجرمون لا يبالون بمعيشة السكان المدنيين أو حتى بنجاتهم من الموت. ولكن هذه المفارقة، رغم أنها واقعية في أغلب الأحيان، يمكن أن تكون مضللة لأنها تعزز القناعة بأن لا أحد من الأطراف المتحاربة يضم بين جنباته المؤمنين الراسخين الذي سيقاتلون حتى النهاية.
أي قتال في سوريا يحدث وسط مشاهد سياسية وطائفية وعرقية واجتماعية متمايزة لدرجة تُكذّب التعميمات المتعلقة بمسار المعركة. يؤكد فابريس بالونش، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، على أنه "في حلب، فالانقسام الرئيسي بين المتمردين والفصائل الموالية للحكومة ليس مبنيًا على المواجهة الطائفية – باستثناء الأقلية المسيحية الموالية للحكومة – ولكنه مبنِ بشكل أساسي على الانقسامات الطبقية الاجتماعية والشقاق الحضري-الريفي التاريخي. بالتالي ففرص حدوث انتفاضة ضد الأسد في غرب حلب غير موجودة. إذا أراد المتمردون غزو الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة في حلب، ستكون هذه معركة قاسية".
ولكن بالونش يشير إلى أن أي حصار تقوم به الحكومة لشرق حلب سيكون صعبًا وممتدًا أكثر من حصار المدينة القديمة بحمص الذي امتد لثمانية عشر شهرًا. في حمص كان هناك ألف متمرد يحتلون نصف ميل مربع من المباني المحطمة، بينما في شرق حلب هناك حوالي عشرة آلاف مقاتل متمرد يسيطرون على ثمانية أميال مربعة. بالإضافة إلى ذلك "تقع حلب في منطقة عربية سنية معادية بشدة لنظام الأسد"، بينما تحيط بحمص مناطق ريفية موالية في أغلبها للنظام لأن سكانها من المسيحيين والعلويين والشيعة، ولأن حزب الله كان قادرًا على غلق الحدود مع لبنان.
الفصائل الأهلية في سوريا لن تنهي الحرب سوى بانتصار على أرض المعركة وهذا يحتاج إلى وقت طويل. ولكن الصراع تم تدويله بشكل متسارع منذ بدأت الولايات المتحدة حملتها الجوية ضد الدولة الإسلامية في سبتمبر/أيلول 2014، وقيام روسيا بالشيء نفسه بدفاعها عن الأسد في العام التالي. هل يمكن أن تنقلب البيئة الجيوسياسية على المتمردين بعد التقارب بين روسيا وتركيا؟ الدعم أو التسامح التركي كان أساسيًا لدعم موقف المتمردين. ولكن اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين في 9 أغسطس أشعل التوقعات بأن تُغيّر تركيا من موقفها في سوريا، وأن تتصالح مع بقاء الأسد في السلطة، وأن تتخلي عن مدعوميها من المتمردين المعادين للأسد.
ليس هذا هو المرجح تمامًا. صحيح أن سياسة تركيا في سوريا منذ عام 2011 كانت كارثية، وفشلت في إزاحة الأسد وتأسيس نظام سني، ولكنها فتحت الباب إلى ظهور الدولة الكردية السورية التي فرضت نفسها والتي يحكمها الفرع المحلي لحزب العمال الكردستاني، والتي تحارب أنقرة ضدها في حرب عصابات ممتدة منذ عام 1984. والأسوأ من ذلك هو أن الأكراد السوريين هم الحليف العسكري الرئيسي للولايات المتحدة في سوريا.
الأرجح أن تركيا ستنغمس في شؤونها الداخلية في أعقاب الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز. ولكن تغيير المواقف في سوريا ـ حتى إذا كان ممكنًا سياسيًا - لن يعني بالضرورة أن يحصل إردوغان على العديد من الأصدقاء بينما سيُبعد عنه السعودية وقطر، ولكن ربما سيعني أن قدرة تركيا واستعدادها لمساعدة المتمردين على الأسد سيصيران محدودين في المستقبل. يأمل المتمردون أن لا يحدث ذلك، وسينتظرون ليروا إذا كانت رئاسة هيلاري كلينتون ستنقذهم. كلينتون التي تحمل وجهة نظر أكثر قسوة تجاه الأسد من الرئيس أوباما، ربما تغير وجهتها ولا تعطي الأولوية لتدمير تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن الأرجح هو أن تحافظ على سياسات أوباما.