بعد ساعات قضاها المحامي الحقوقي محمد عيسى أمام محكمة جنايات القاهرة يوم الثلاثاء 5 مايو/ أيار الجاري دون أن يتمكن من الدفاع عن أيٍّ من موكليه أو حتى دخول قاعة المحكمة شبه الخالية إلا من ممثلي الأمن والقضاء، ليكتب عبر حسابه على فيسبوك بنهاية اليوم "لم ينجح أحد. استمرار حبس جميع المعروضين بجلسة اليوم 45 يوم، دون حضورهم ودون سماع محاميهم".
انتهى يوم عيسى بإحباط وخيبة أمل شاركه فيهما بعض من زملائه الذين حاولوا مثله دخول القاعة للترافع عن موكلين، كانت أسرهم بالخارج تلاحقهم باتصالات هاتفية للاطمئنان، ليسمعوا جميعهم عبارة واحدة بقرار واحد لمئات المحبوسين احتياطيًا، وهي تجديد حبسهم 45 يومًا.
الجلسات تعود
أصدر رئيس محكمة استئناف القاهرة قرارًا في 30 أبريل/ نيسان الماضي، يقضي بعودة عمل دوائر تابعة لمحكمة استئناف القاهرة اعتبارًا من الأحد 3 مايو، بعد قرارات التأجيل المتعاقبة خلال الفترة الماضية بسبب فيروس كورونا.
وعلى مدار اﻷسبوع الأول لعودة العمل، خرجت الأخبار من قاعة المحكمة عن صدور قرارات باستمرار الحبس 45 يومًا، لمئات المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة، باتهامات ذات أبعاد سياسية، وكان منهم الصحفيين سولافة مجدي، وحسام الصياد، وخالد داود، وأحمد شاكر، والسيد عبد الله، وهشام فؤاد.
حدث ذلك أمام الدائرة الثانية إرهاب بمحكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار معتز خفاجي، وقد عرض بعضهم عليها باعتبارها أول جلسة تجديد لهم أمام غرفة المشورة.
وبحسب ما يوضحه للمنصّة المحامي الحقوقي إسلام سلامة، فإن "تجديدات غرف المشورة تكون 45 يوم، وتأتي بعد أن تكون النيابة استنفدت فترة تجديداتها المقدرة بـ150 يوم موزّعة على 15 جلسة".
التجديدات لم تكن من نصيب هؤلاء الصحفيين وحسب، بل طالت محامين مثل محمد الباقر وماهينور المصري، وفقًا لما ذكره للمنصّة زميلهما الحقوقي نبيه الجنيدي، الذي تابع مسار الجلسات على مدار الأسبوع، وكانت الأرقام صادمة بالنسبة له "الأحد كان القرار تأجيلات، وبعده بدأت تصدر قرارات التجديد، في يوم الاثنين تم التجديد لـ529 متهم، والثلاثاء لـ719، والأربعاء كان العدد أكثر من 400".
لم يكن الجنيدي وحده من صدمته هذه الأرقام، فزميله محمد عيسى حكى للمنصّة واقعة أصابته بالشعور نفسه "كل ما شهدناه هذا اﻷسبوع لم نشهده من قبل، فعلى سبيل المثال أصدر القاضي على مدار يومي الاثنين والثلاثاء قرارين بتجديد حبس زميلتنا ماهينور، بواقع 45 يومًا لكل قرار، ﻷنه لم يتم التجديد لها قبل شهر ونصف خلال فترة توقف عمل النيابات والمحاكم، فصدر القرار الآن تعويضًا عن تلك المرّة باﻹضافة للقرار الجديد".
هذه الطريقة في تجديد الحبس لم تحدث مع ماهينور المصري فقط، بل ومع كل من الدكتور حازم حسني والصحفي خالد داود، بصورة دعت محاميهما خالد علي إلى تقديم طلب لمجلس القضاء الأعلى، وبلاغ للنائب العام يوم الخميس الماضي، بشأن "نظر قضيتهم مرتين أمام الدائرة نفسها خلال 48 ساعة، وإصدار قرارين باستمرار حبسهما 90 يومًا، كل قرار بـ45 يومًا"، وطالب ببطلان الجلسات وسقوط أمر الحبس.
غير قانوني
التجديد لماهينور والمحبوسين يتم "على الورق" ودون حضورهم من زنازينهم أو الاستماع لدفاع محامييهم، وفقًا لشهادة عيسي والجنيدي، وزميلهما إسلام سلامة الذي يشير إلى عدم قانونية ما حدث.
يقول عيسى "منذ اليوم اﻷول لأزمة كورونا، يتم تأجيل جلسات قضايا الموضوعي (أي المحالة من النيابة للمحكمة لإصدار حكم)، لكن أزمتنا الحالية وشعورنا بالقهر كمحامين سببهما المحبوسين احتياطيًا، ﻷنهم الأشخاص الواجب حضورهم الجلسات، سواء أمام نيابة أو غرفة مشورة بمحكمة، وهو ما لا يحدث الآن".
ويقول الجنيدي "قبل أزمة كورونا لم يكن يتم الاستماع للنيابة، أما الآن فانضم إليها المتهمون الغائبون والمحامون أيضًا، وصار التجديد على الورق"، يصف زميله سلامة هذا اﻷمر بقوله "قرار التجديد بهذه الصورة عبث غير قانوني بالمرّة. فحتى لو فرضت الظروف تعذّر حضور المتهمين، كان من الممكن توفيق اﻷوضاع، وعلى اﻷقل سماع مرافعة دفاعهم".
وتنص المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "يجب على قاضي التحقيق قبل أن يصدر أمر بالحبس أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم".
وتنص المادة 143 من القانون نفسه على أنه "إذا لم ينته التحقيق، ورأى القاضي مد الحبس الإحتياطى وجب إحالة الأوراق إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة لتصدر أمرها بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم بالحبس مدد متعاقبة لا تزيد كل منها عن 45 يومًا".
محاولات وإحباطات
على مدار جلسات الأسبوع الماضي، سعى المحامون للخروج من الجلسات بأقل الخسائر، وفقًا لما حكاه محمد عيسى "بمجرد بدء استئناف الجلسات يوم اﻷحد، توجهنا لمقر انعقاد الدائرة الثانية بغرفة المشورة، وسجلنا أسمائنا للحضور، وفوجئنا بالتأجيل، في اليوم التالي سجلنا أسامينا لكن لم يحضر المتهمين ولم نتمكن من الدخول، وصدر قرار بالتجديد".
يتابع المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قائلاً "اﻷمر نفسه تكرر في الأيام التالية، بننتظر خارج قاعة المحكمة لحوالي 4 أو 5 ساعات. ولمرّة واحدة فقط تمكن اثنين من زملائنا من دخول القاعة، وقبل ما يتكلموا القاضي قال لهم خلاص أنا أصدرت قرار التجديد 45 يوم".
ويعلّق عيسى بقوله "كيف لي كمحامي أن أترافع عن متهم غير موجود في المحكمة وغير معلوم مصيره لي؟ ماذا لو كان ميتًا؟".
تلك الوقائع وغيرها مما يشهده المحامون كانت سببًا في إصابتهم بمشاعر عجز وإحباط، وصفها نبيه الجنيدي "بقينا عارفين إن القرارات هتبقى تجديدات، ففيه زملاء بطلوا يروحوا الجلسات، وأنا عن نفسي يوم الخميس ماروحتش، ﻷني عارف إنه القرار تجديد على الورق".
الإحباط داخل قاعة المحكمة يضاف إليه شعور العجز خارجها، وبمجرد التواصل مع أهالي المتهمين، وفقًا لجنيدي "إحنا بنواجه أسئلة كتيرة من الأهالي اللي عايزين يتطمنوا على أولادهم. وبقيت مضطر أقول لهم ولادكم هيتجدد لهم. شيء صعب الإحساس بإني مش قادر أعمل حاجة. وده سبب إني ماحضرتش يوم الخميس. هروح ليه طالما مفيش أمل؟".
اقتراحات ومخاوف
لا يختلف عيسى في مشاعره عن الجنيدي، خاصة حين يُضطر للتعامل مع اﻷهالي، وإن اختلفت طريقة تعامله معهم "بنحس بخيبة أمل، لكن بتعامل مع الأهالي زي تعامل الأطباء مع الحالات الميئوس منها، مفيش في إيدي غير عبارات التطمين بعد ما استنفدنا كل اللي في إيدينا، خاصة وإننا من أول أزمة كورونا بنطالب بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا ولو بتدابير احترازية، لكن بلا استجابة".
لا استجابة لمطالب عيسى، الذي أعرب عن أمله في تطبيق تجارب دول مجاورة تسهيلاً لعقد الجلسات "في المغرب عملوا تجربة جيدة حفاظًا على التباعد الاجتماعي وصحّة المسار القانوني في الوقت نفسه، بيستعينوا بشاشتين، واحدة في الزنزانة للمحبوس، وواحدة في قاعة المحكمة، وبيتم عقد الجلسة. ممكن نعمل ده هنا".
يعرب عيسى عن أمله في تطبيق هذه التجربة، وعن مخاوفه من اﻵتي لو استمر سير الجلسات على هذه الصورة "حاليًا عندي تخوف إن بعد انتهاء أزمة كورونا يصبح الوضع الاستثنائي الحالي من التجديد للمتهمين دون حضور أو سماع مرافعة محامييهم هو القاعدة".
أما زميله نبيه الجنيدي، فيتمنى على المستوى القريب أن يتحسن الوضع "بنتمنى اﻷسبوع ده اﻷوضاع تتحسن مع وجود دائرتين لنظر التجديدات وليس دائرة واحدة مثل الأسبوع الماضي"، وهو أمل يراود زميله إسلام سلامة الذي اختتم بقوله "نأمل أن تتغير اﻷمور ونتمكن من الدفاع، خاصة وأن اﻷعداد ستنقسم على دائرتين، فتخفف الضغط العددي".