بينما خلت شوارع مدريد من المارة في وقت الظهيرة، كانت الشرطة الهندية تنتشر في شوارع مومباي لتفرض حظر التجول بصرامة وعنف. فيما ظهرت كافة معالم ساحة القديس بطرس في روما بوضوح، بعد أن خوت من روادها الذين كانوا بالآلاف قبل انتشار وباء كورونا. هذه المشاهد وغيرها يرويها مصريون مهاجرون، يعيشون في دول أوروبية وأسيوية متضررة من الإغلاق الكلي أو الجزئي عقب تفشي الجائحة.
حظر تجول بالقوة
وفاء فاروق، 31 سنة، صحفية مصرية مقيمة بولاية مومباي الهندية، توضح للمنصة أن شعورها بمخاطر كورونا بدأ يوم ٧ مارس/ أذار عندما أصدرت الحكومة الهندية، قرارًا بغلق الأسواق التجارية ودور السينما ومعظم أماكن التجمعات، وبعد أسبوع من إصدار القرار فرضت الحكومة حظر تجول كلي علي كامل البلاد، مدّدته حتى 29 أبريل/ نيسان.
توضح وفاء أن الشرطة الهندية تتعامل مع الوضع بكل حزم، حتى إن هناك قرار بالتعامل الصارم الذي وصل حد الضرب والحبس.
ترى وفاء أن الإيجابيات في الأمر هي أن الحكومة توفِّر كافة السلع الغذائية بشكل دوري لجميع المواطنين والأجانب المقيمين، وعلى الرغم من أن بعض الأشخاص يحذِّرون من التعامل مع الأجانب، إلا أنها لم تلمس حالات تنمر أو محاولات تعدٍ على أحد أو على حقوقه في الحصول على احتياجاته، وتقول إن تحليل الكشف عن كورونا شبه مجاني في الهند، ويتم عمله حتى دون الشعور بالأعراض لكل من قام بأي رحلات من وإلى الهند خلال الشهور الثلاثة الماضية.
وفاء التي كانت معتادة على الخروج لإجراء مقابلات تلفزيونية مع مشاهير الفن في بوليوود، صارت مقيمة بالمنزل في حجر صحي اختياري، مع اهتمامها بالمشروبات التي ترفع المناعة؛ "كلنا هنا بنزوِّد من شرب الأعشاب اللي بتقوي المناعة زي الكركم مع اللبن والكمون مع الميه السخنة، وفي هنا مشروب شهير يُباع هنا في كل مكان تقريبًا وهو لبن مُضاف له كمون وكسبرة وجنزبيل وفلفل، وهو ضمن المشروبات الهامة التي تعزّز الصحة بشكل كبير".
الشعب الهندي، بحسب وفاء، حذر تجاه الأمراض عمومًا حتى قبل ظهور كورونا، لذلك فهو يتعامل مع الأزمة بالتزام قرار الحظر وتجنب التلامس حتى مع الأقارب، بالإضافة إلى استعمال المعقمات بشكل منظم، كما أسسوا صندوقًا للتبرعات لدعم أصحاب الدخل اليومي، وخفَّض معظم أصحاب العقارات الإيجارات بنسبة تتراوح بين 30% و50% للمستأجرين.
تصريح خروج
في مدينة فرساي بفرنسا يقيم سعد، 40 سنة، وهو متزوج ولديه طفل، يعمل في إحدى شركات المنتجات الغذائية، ويؤكد للمنصة أن فكرة الرهبة والخوف من الفيروس لا تراوده، موضحًا أن المجتمع الفرنسي كان يتبع إجراءات الوقاية بشكل عام فيما يخص التطهير والنظافة ولكن لم يكن الأمر بطريقة مكثفة مثل هذه الأيام، وخصوصًا ارتداء القفاز والقناع الطبي (الكمامة)، فهذه أشياء مستجدة.
والأمر اللافت للاستغراب بالنسبة لسعد، هو أنه لم يتم تطبيق حظر تجول بشكل كامل، فقد سُمِح لفرد واحد فقط من كل أسرة بالخروج لقضاء احتياجاته كشراء أغراض للبيت على سبيل المثال، وهذا يتمّ من خلال تصريح مكتوب محدد فيه بيانات المواطن ومنطقة سكنه والهدف المراد الذهاب لأجله وتحديد ساعة الخروج، وهذا التصريح يتم إظهاره عند الطلب من الشرطة الفرنسية، وهو شىء لا مبرِّر له على الإطلاق من وجهة نظر سعد.
شوارع خاوية
تصاعدت وتيرة الإصابات بشكل غير مسبوق في إسبانيا، ما جعل منها بؤرة جديدة للانتشار، وعن هذا تقول شيماء بكر، صحفية مصرية، مقيمة بالعاصمة مدريد "الجميع هنا سواء مقيمين أو مواطنين لم يتوقعوا وصول الأمر لهذا السوء في إسبانيا، كان الوضع يسير بشكل تقليدي، ولكن مع ظهور أول حالة إصابة في جزر الكناري يوم 3 مارس ثم تزايد الحالات، بدأ الأمر يأخذ منحى جديدًا فبدأ النزول للشارع يقل وبدأ الاحتكاك بالآخر يقل أيضًا، وبدأ الوضع يتفاقم وتظهر حالات إصابات بالآلاف ووفيات بالمئات وهنا انتشرت حالة من الذعر والرعب الشديدين والصدمة، نظرًا لأن إسبانيا من الدول المعروفة باتباعها الأنظمة الصحية والمواظبة على التمارين الرياضية، وتتميز مستشفياتها بالنظافة الشديدة كما لو أنها فنادق ذات خدمات عالية".
"كان عندنا ثقة كبيرة في قدرة الحكومة على احتواء الأمر، ولكن بعد كده اكتشفنا وجود مشاكل كبيرة في القطاع الصحي من قلة طواقم طبية ونقص أدوية"، تقول شيماء للمنصة "وما زاد من تعقيد الأمور أكثر هو إصابة أكثر من 5400 من العاملين بالمجال الطبي في إسبانيا بفيروس كورونا، وانتقالهم من صفوف الأطباء إلى صفوف المرضى وهو ما أضعف المنظومة الطبية أكثر فأكثر".
ترى شيماء العادات اليومية اختلفت تمامًا بعد انتشار المرض، ولم يعد مسموحًا سوى لفرد واحد فقط بشراء مستلزمات المنزل أو الأدوية، مع فرض غرامات على المخالفين من 100 حتى 1500 يورو، والجميع ملتزم بتعليمات الحكومة الإسبانية التي أقرتها من يوم 12 مارس وحتى الآن، ومع إعلان حالة الطوارئ التزم الجميع منازلهم بشكل شبه تام.
شيماء أم لطفلين، الأول يبلغ ثلاث سنوات ونصف والصغير لم يكمل عامين بعد، وكانت لأسرتها، قبل كورونا، عادة محددة وهي الخروج يوم الجمعة من كل أسبوع إلى متنزه كبير للترفيه وإمتاع الأطفال، وهي عادة طبعًا انتهت تمامًا، حيث أصبحت الأسرة كلها حبيسة المنزل، كما تتذكر شيماء حياتها ما قبل الوباء، فتقول "كنت بخرج دايمًا مع صاحباتي في أماكن قريبة من البيت، نتكلم ونهزر ونغير جو، طبعًا دلوقتي مابنشوفش بعض أبدًا".
كما تتحدث عن الاختلاف الهائل في الوضع الراهن مقارنة بقبل الأزمة، من حيث الازدحام وازدهار السياحة، وهو ما يعبّر عنه بوضوح أهم شارع سياحي في مدريد وهو الجران بيا gran vía، الذي تحوّل من حالة الاكتظاظ الهائل بالسائحين والمارة وأجواء الاحتفالات، إلى مكان لوضع نعوش لضحايا كورونا.
وسجّلت أعداد السائحين الزائرين لإسبانيا رقمًا قياسيًا في عام 2019، فبلغت 83.7 مليون سائح، كان نصيب مدريد منها 7.64 مليون زائر، وكانت الدولة تنظر لعام 2020 بعين التفاؤل لمواصلة الازدهار، ولكن باتت الشوارع خالية بعد الإغلاق العام.
الشعب الإسباني بطبعه مُحب للرياضة، وكان مشهد خروج العشرات في السادسة صباحًا لممارسة رياضة الجري، أمر دارج جدًا، فضلًا عن حبهم الشديد للحيوانات، خاصة كبار السن الذين كانوا كثيرًا ما يخرجون للتمشية مع حيوانتهم الأليفة، ولكن هذا المشهد اختفى تمامًا، مع العديد من مظاهر الحياة التي تلاشت من الشوارع، كما اختلفت معالم المناطق السياحية بشكل كبير جدًا؛ "لما ببص في البلكونة بشوف فراغ كبير بيملى الشوارع، وكأن أهالي مدريد اختفوا في غفلة من الزمن".
حياة إلكترونية في ألمانيا
حسين عبدالفتاح، مصري مقيم في برلين بألمانيا، في الأربعينيات من العمر، يؤكد للمنصة أن الوضع بعد كورونا اختلف تمامًا عما كان عن ذي قبل، فمثلًا يقف أفراد أمن على أبواب المتاجر ، ليُجبروا الناس على استخدام عربة تسوق للحفاظ على المسافة الآمنة بين الأشخاص، التي لا تقل عن مترين، كما أنه من الممنوع أن يسير شخصان معًا في الشارع أو أي مكان خارج المنزل، وحال وُجِد مُخالف فإنه يدفع غرامة.
"كل المصالح اتقفلت، التعامل كله بقى بالبريد والإيميل"، يوضح حسين لافتًا إلى شعور الألمان بحالة من الهلع نظرًا لشعورهم بأن الفيروس وانتشاره أمر مُخيف لا يجوز الاستهانة به، وفي نفس الوقت هناك حالة من الرضا عن النظام الصحي الألماني الذي يتعامل بفعالية شديدة مع الأزمة.
بين ماليزيا وإندونيسيا
تتنقل منى، 35 سنة، مصورة مصرية، ما بين ماليزيا وإندونيسيا، وتلفت في حديثها للمنصة إلى أن عادات الشعوب الأسيوية متقاربة، إلا أنه مثلًا في ماليزيا "الناس كلهم قريبين من بعض والبيوت قريبة، وعادات الأكل تعتمد على الأكل من الشارع في كل حاجة، يعني طبيعة الماليزيين قريبة من المصريين في المناطق العشوائية"، ولكن بعد الفيروس ظهرت حالة من التباعد الاجتماعي ولكن بدون إغلاق رسمي للمؤسسات الحكومة، فالجميع هنا ورغم عدم صدور إجراءات موثقة إلا أنهم في انتظار الانفجار الكبير، نظرًا لمتابعتهم الوضع عالميًا وتوقعهم بمشاكل محتملة فيما يخص حصر أعداد المصابين وبالتالي الوفيات".
أما في إندونيسيا، فهناك أصدرت الحكومة قرارها بإغلاق الدوائر الرسمية، وسط انتشار أمني مكثف في جميع الأمكان، مع منع الاحتفالات وغلق البازارات وهي عبارة عن أسواق مفتوحة للأكل تتم بإشراف حكومي، لذا فالوضع هناك يتميز بصرامة أكبر مع وعي بالإجراءات الضروري اتباعها.
مدينة أشباح
تعد إيطاليا بؤرة مرعبة لانتشار كورونا التي تحمل الكثير من التفاصيل المؤلمة مثل اضطرار الأطباء للاختيار بين الحالات الأولى بالرعاية، ووجود المرضى بين ممرات المستشفيات نظرًا للعجز الكبير في الطواقم الطبية، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في حالات الإصابة والوفيات، حتى أن البعض وُجِد ميتًا وحده في منزله.
ومن هناك يعبِّر الصحفي محمد يوسف المقيم، عن حزنه لتحول روما إلى مدينة أشباح على وقع الأحداث الأخيرة، فالشوارع أصبحت خالية من الناس وهناك حالة خوف وهلع كبيرة بين المواطنين، "الناس بقت تخاف تقرب من بعض، ومسافات الأمان جعلت الطوابير على السوبر ماركت ضخمة جدًا"، بحسب ما سرده للمنصة.
لدى محمد ابنتان من زوجته الرومانية، وعنهما يقول إنه مع بداية أزمة الفيروس وقبل الاجتياح العظيم، قررت الزوجة الذهاب بابنته الصغرى إلى مسقط رأسها رومانيا للاطمئنان على والدتها العجوز، بينما مكث محمد بابنته الكبرى التي تدرس بجامعة إيطالية في روما، وبشكل مفاجىء تدهورت الأوضاع كثيرًا وفُرض حظر على التنقل، ليصبح كل طرف حبيس موقعه، ولكنه يشعر بالاطمئنان نظرًا لأن زوجته حريصة جدًا بتعليمات المكوث بالمنزل، لذا فهو لا يخشى عليها من الوباء، وهو يُعير ابنته الكبرى عناية كبرى، لذلك فالوضع بالنسبة له آمن.
وبحسب محمد فقد زادت حالة الرعب حينما خرج رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي للتصريح بأن إيطاليا لم ترَ بعد الأسوء، وأنه مضطر لسن قانون في البرلمان يُجرَِم نزول الناس من بيوتها مع فرض غرامة تصل إلى 300 يورو، وحينما وجد أن الشعب لم يهتم أعلن زيادة الغرامة إلى ألفي يورو.
"الشعب الإيطالي بطبيعته طيب، هو أطيب شعوب أوروبا وعاداته تشبه عاداتنا كمصريين، إلا أن الأزمة صحّت فيه روح التعاون الجماعي اللي كان مفتقدها مؤخرًا"، يقول محمد متذكرًا الوضع ما قبل انتشار كورونا ومقارنته بالوضع الراهن، من خلال صورة للمركز الإسلامي الشهير التقطها محمد يوم جمعة، وهو اليوم الذي من المفترض أن يكون فيه المركز شديد الازدحام، ليس هو فقط فكما قال محمد " كل الأماكن السياحية أصبحت صحراء جرداء".