ماذا تريد النساء؟ غالبا ما ينكر الكثيرون وجود إجابة واضحة عن هذا السؤال، ويسقطون بأنفسهم في بئر عميق من الحيرة، رافعين رايات الاستسلام لينتهي بهم الأمر إلى اتهام النساء بالجنون والاختلال الهرموني ونقص العقل والدين. الاتهام أيسر من محاولة الفهم طبعًا.
ومن أجل حل هذه المعضلة تخرج علينا آلاف الكتب والمقالات التي تتحدث عن "حاجات النساء المحددة" مؤكدين على هوة الاختلافات بين الجنسين، وعلى رأسها كتاب جون جراي الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، والذي صدر عام 1992 وباع أكثر من خمسين مليون نسخة وترجم إلى عدة لغات.
في كتابه، يحذر جراي من أي محاولة للمساس أو التغاضي عما يسميه "الاختلافات الكبرى والفطرية" بين النساء والرجال، وأن علينا احترام كون الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، وإجادة لغة الجنس الآخر وتفصيل احتياجاتنا على قياس ما يمكن أن يعطيه الطرف الآخر، والالتفات إلى الطريقة التي تفكر بها عموم النساء والتي يعتقد الكاتب أنها تختلف بشكل مطلق عن الطريقة التي يفكر بها عموم الرجال.
في عام 1949، قدمت سيمون دي بو فوار في كتابها الجنس الآخر الذي يتناول تاريخ اضطهاد الرجال والنساء على يد النظام الأبوي، ما يمكن اعتباره نقدًا لما جاء لاحقًا في كتاب المريخ والزهرة، إذ تقول "المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح امرأة"، وذلك في معرض حديثها عن الأدوار الاجتماعية الجاهزة والموحدة التي على الجميع القيام بها وعدم التطلع لتغييرها أو تبديلها.
وعليه، وفقًا لدي بو فوار، ستضيع سنوات كثيرة يظل فيها الجميع محبوسين داخل هوياتهم المعدة سلفًا من قبل المجتمع، غير قادرين/ قادرات على اختراقها أو حتى محاولة مناقشاتها. تدعونا سيمون لتأمل دور الثقافة الذكورية التي صنعت النساء والرجال بالشكل الذي نراه الآن، من أجل نقده وتغييره.
أما إيريك فروم فيقول ساخرًا في كتابه فن الحب الصادر عام 1980 "يخبرنا مستشار الزواج أن الزوج عليه أن يفهم زوجته، يعلق على فستانها الجديد والطبق لذيذ المذاق ويتذكر دائما عيد ميلادها".
ينتقد إيريك هنا تأثير الرأسمالية التي لا تختزل فقط الحب في الهدايا والعطايا، بل تختزل مشاعر النساء والرجال نفسها في لحظات الفرح بهدية أو رحلة سياحية أو الحزن بسبب نسيان مناسبة أو عيد ميلاد، ليصبَّ الأمر برمته في مصلحة الاستهلاك وتحويل وتنميط الرجال والنساء لأشخاص متشابهين أذواقهم موحدة ومستويات رضاهم محددة مسبقًا.
جدليات شهر مارس
في مصر تتوالى أعياد المرأة في مارس/ آذار، بدءًا من اليوم العالمي للمرأة (8 مارس) ثم يوم المرأة المصرية (16 مارس) ثم عيد الأم (21 مارس). خلال هذه الفترة، تتصاعد وتيرة الصراع وتزداد حدة السخرية المتبادلة بين الرجال في جدلية حقوق النساء واحتياجاتهن التي يراها كثيرون قد لبيت تمامًا، بينهما هن غير راضيات دائمًا. بالتالي، يصبح توصيف المرأة المصرية باعتبارها "نكدية" هو الوصف الأكثر قدمًا وتداولًا.
ولكن قبل أشهر من موعد تصاعد الصراع هذا، طرحت مجموعة مغلقة على فيسبوك اسمها BAD MOMS (Mommies Only)-The Official تضم نحو 190 ألف امرأة، مسابقة بعنوان "دعم الزوج". كان موضوع المسابقة أن تشارك النساء تجاربهن عن الأزواج المثاليين، كنوع من تبادل الخبرات والتأكيد على وجود قصص زواج ناجحة ومستمرة بفضل دعم الأزواج، وتربح من تحصل مشاركتها على تفاعل أكثر.
كان مثيرًا بالنسبة لي الاطلاع على قصص النساء الراضيات والمبتهجات بأزواجهن، ومعرفة ما هي الأدوار التي تتمنى النساء من الرجال الالتزام بها، لتساعد على تأسيس حياة زوجية مستقرة حتى ولو نسبيًا.
أستعرض هنا بعض القصص التي التزمت بعدم نشر أسماء من شاركن بكتابتها، التزاما بقواعد المجموعة المغلقة بالحفاظ على سرية بيانات أعضائها وقصصهن.
"داعم وضهر وسند"
عبرت أغلب المشاركات عن دعم الزوج بلفظة "السند"، ودارت معظم المنشورات التي تحدثت عن الزوج الداعم، حول مساندته لزوجة في تحقيق نفسها في العمل، والسماح لها بالاستمرار فيه، وتحمل انشغالها وتقضية وقت أكبر خارج المنزل، وتحدثت أخريات عن دعم مادي حصلت عليه من أزواجهن، لتغطية تكاليف دورات تدريبية وتعليمية من شأنها تحسين مستواهن المهني.
اعتبرت نساء أخريات أن تمسك أزواجهن بهن وتحمل أعباء مادية والإلحاح على أهل لا يوافقون على إتمام الزيجة، سواء أهله أو أهلها، وأصرارهم على تلبية جميع متطلبات الزواج المادية سواء بالسفر أو العمل المزدوج أو المتوازي مع الدراسة، هو نضال غير منسي في تاريخ علاقتهن بهؤلاء الرجال.
وعبرت إحداهن عن سعادتها بسبب اختيار زوجها بدء حياتهما الزوجية ببساطة ودون تعقيد مادي، و"طلبها بشنطة هدومها"، ثم كافح الاثنان حتى استطاعا بناء وتكوين بيت جيد وصالح لاستقبال ابنتهما التي تبلغ من العمر سنة ونصف.
تقدر النساء أيضًا مشاركة الأزواج في تفاصيل حياتهن اليومية، حيث حظي الزوج البشوش الحنون الذي يستمع لمشكلات زوجته في العمل ويساعدها في الأعمال المنزلية وفي العناية بالأبناء، بالكثير من المديح باعتباره "زوج مثالي".
كما كان التفتح والثقة المتبادلين بين الأزواج والسماح للزوجة بالسفر مع صديقاتها لعدة أيام، ليأخذ الزوجان إجازة تكسر تكرار وملل الحياة اليومية، من أهم وأقل ما أشادت به النساء في المسابقة.
هناك نوع آخر من الأزواج احتفت به المشاركات كما لو كان زوجًا خارقًا، وهو من يقدم الرعاية السريرية لزوجته أثناء مرضها، مثل ذلك الذي حصل على إجازة من عمله بعد ولدت زوجته طفلهما، ليرعاها بدلًا من أمها. حظي هذا بحفاوة لا مثيل لها ولاقى ما فعله تقديرًا كبيرًا من المشاركات.
وأخيرا فقد استحسنت المنشورات التي لها علاقة بالأزواج الذين اختاروا زوجات عانين من الرفض المجتمعي كالمطلقات والمترملات والمعيلات والأكبر سنًا والمعاقات، وانهالت الدعوات من قبل العضوات للزوجين وتحديدا للزوج الذي تحدى المجتمع وقبل بالارتباط أو "التضحية" حسبما ذكرن، منقذًا زوجته من الوصم الذي تتعرض له.
دروس وعبر
تخبرنا هذه المنشورات الكثير عن مطالب النساء المتواضعة في حياة تشاركية، وتلقي ضوءًا على مثابرة النساء في مجتمع أبوي، يتحول فيه الطبيعي إلى غير مألوف والمعتاد إلى فعل خارق.
وتخبرنا أيضًا كيف تعيش النساء حبيسات في القوالب والأدوار الاجتماعية التي رسمت لهن قسرًا، يتربين على ملكية أجسادهن واختياراتهن وأعمالهن من قبل "رجل ما" يتولى مسؤوليتهن، قد يكون الأب أو الأخ أو الزوج. يكتنزن أدوار الرعاية والتربية والأعمال المنزلية ولا يتوقعن المشاركة فيها من الرجال، حيث تعبر ألفاظ مثل "سايبنى أشتغل"، "وافق لي على السفر"، "ساعدني في شغل البيت"، "شالني بعد الولادة"، أشياء غرائبية لا يتوقعها أحد من الرجال، خاصة وأن بعض المجتمعات تشكك في رجولة من يسلك مع زوجته هذا السلوك.
في تصوري أن ثنائية الكفالة المادية للرجال مقابل الرعاية المنزلية للنساء، وتصميم المجتمع على أن تظل الأدوار منفصلة بتلك الحدة، هي السبب الأساسي في انهيار أي شراكة زوجية، حيث يتعين على الرجال بذل كل الجهد لتجهيز مبالغ مهولة لتغطية تكاليف الزواج التي باتت غير محتملة، وبالتالي يخرج الرجل من الدراسة الجامعية وقضاء فترة التجنيد الإجباري محملًا بضغوط الإلزام بالعمل تحت أي ظروف لتكوين نفسه، بمعنىً آخر، تكوين أسرته.
وبعد هذا الإنهاك يتوقع من الزوجة أن ترد الجميل فيلقي على عاتقها أعباء الرعاية المنزلية، فيتحول زر القميص المقطوع أو فردة الشراب الضائعة إلى محور صراع يومي متراكم يفقد الشراكة سعادتها والزواج مغزاه.
على الجانب الآخر فقد اتسعت الأدوار الاجتماعية للأم خلال السنوات الأخيرة، فبالإضافة إلى النزول للعمل الذي اختارته كثير من النساء إما لحاجة مادية أو معنوية، فقد أصبحت الأمومة تشمل الإطعام والتمريض والاستذكار وتوصيل الأطفال إلى النوادي والمراكز الثقافية والمراكز التعليمية المختلفة، ومتابعة مستواهم بكل دقة.
لذا، وبعيدًا عن كل الخطابات التعميمية التي تحل المشكلات الزوجية بالشيكولاته والورد والساعات والمحافظ، فإن على كل زوجين فهم طبيعة شراكتهما، وحفظ فردية كل واحد منهما، وتقدير تغييراتهما الإنسانية وتحدياتهما الاجتماعية، وبناء هذه الشراكة بطريقة تتناسب مع حجم المتغيرات في المجتمع والتي تترك أثرها على أسرتهم، خاصة وأنها -المتغيرات- تتحرك ديناميكيًا من جيل لآخر، بسرعة كبيرة قد يصعب اللحاق بها.