شهدت مناطق متفرقة من أنحاء البلاد، أمس الثلاثاء، حالة من عدم الاستقرار الجوي وطقس سيئ استمر لفترة لم تتجاوز الساعات الستة، أسفر عن سقوط 7 قتلى، بينهم 3 أطفال، بجانب ارتباك شديد في حركة المرور، لاسيما في منطقة شرق القاهرة، وكذلك ارتباك في حركة الملاحة الجوية.
وأطلقت هيئة الأرصاد الجوية، في وقت سابق من هذا الأسبوع، تحذيرات من عدم استقرار الأحوال الجوية اعتبارًا من يوم الاثنين وحتى نهاية الأسبوع، ويتمثل أبرز مظاهره في "سقوط اﻷمطار الغزيرة والرعدية، والتي قد تصل حد السيول على السواحل الشمالية".
وأعلن محافظ القاهرة في 16 سبتمبر/ أيلول الماضي، استعداد أجهزتها لموسم الشتاء، من خلال "البدء في تطهير بالوعات الأمطار، ومخرات السيول"، وهو ما أعاد المحافظ التأكيد عليه يوم اﻷحد الماضي، بإعلان استعداد القاهرة منذ أكثر من شهر، بمراجعة جميع بالوعات صرف الأمطار بالقاهرة، البالغ عددها أكثر من 21 ألف بالوعة، وتوزيع أكثر من 80 عربة شفط بالقرب من أماكن تجمعات مياه الأمطار، وإجراء اختبارات لها".
لكن التجهيزات وكذلك التحذيرات المبكرة لم تثمر عن إجراءات وخطط واضحة لمواجهة الأمطار وتأثيراتها على مختلف القطاعات، ما أسفر على مدار ساعات الأمس عن وقوع خسائر كان على رأسها سقوط قتلى.
قتلى وأطفال عالقون
لقي طفل مصرعه بقرية سملا، التابعة لمركز قطور بالغربية صعقًا بالكهرباء، بسبب هطول الأمطار، وهو ما وقع أيضًا لطفلة في مدينة العاشر من رمضان أثناء عودتها من المدرسة، بجانب سقوط 3 قتلى آخرين ﻷسباب اختلفت بين الصعق بالكهرباء أو أثناء محاولة التخلص من آثار الأمطار، ومصرع رجل ونجلته ذات الـ 13 عامًا في شمال سيناء.
أمام سوء اﻷحوال الجوية، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قرارًا بتعطيل الدراسة اليوم الأربعاء بجميع المدارس والجامعات في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية.
وصدر القرار الحكومي بناءً على تقارير تلقاها مدبولي من هيئة الأرصاد تنبئ باحتمالية تكرار سقوط الأمطار الغزيرة، والتي كان لها تأثيرات سلبية أخرى بخلاف الوفيات، أبرزها تعطل حركة المرور في مناطق مختلفة، بصورة أثرت حتى على أتوبيسات المدارس.
كانت الصحفية علياء طلعت محظوظة مقارنة بأمهات أخريات تعرّض أبنائهن لمشكلات بسبب الأمطار، إذ وصلت ابنتها لمى من المدرسة إلى البيت في وقت مبكر بفضل قرب المسافة بينهما، وذلك على عكس طلاب آخرين ظلوا عالقين على الطريق حتى المساء "دون مياه أو طعام، مثلما حدث في أتوبيسين تابعين للمدرسة نفسها طيبة الدولية"، وفقًا لما رصدته على مدار ساعات متابعتها لهذه المشكلة.
تقول علياء التي تابعت المشكلة عبر جروب مجمع ﻷولياء أمور مدرسة ابنتها للمنصّة "عرفت في البداية من الجروب، وكان الكلام عن طفل في نفس فصلها اتأخر عن البيت والمفروض معاد خروجهم 2 ونص الضهر، فضلنا بنتابع مع والدته لحد البيت، وبعد كده انتشرت أخبار مشكلات المواصلات والمطر على السوشيال ميديا".
وﻷن الصحفية من ساكني مدينة العبور القريبة من المدرسة الموجودة على طريق القاهرة الإسماعيلية وصلت ابنتها في توقيتها، على عكس أطفال آخرين. "فيه أتوبيس تابع للمدرسة مساره اتجاه القاهرة؛ فاﻷولاد منهم اللي وصل البيت 9 مساءً، وبعضهم وصل الساعة 12 بالليل تقريبًا، وفيه أولياء أمور اضطروا يتحركوا مشي لمكان الباص وياخدوا أولادهم، ومنهم اللي أخد زملاء ولادهم بحيث يفضلوا معاهم في البيت لحد ما أهاليهم تستلمهم" بحسب علياء.
على مدار تلك الساعات، تلقت اﻷم وأولياء اﻷمور "استغاثات" من مشرفات الأتوبيسات المدرسية "موبايلاتهم كانت بتفصل ﻷن جالهم مكالمات كتير من اﻷمهات، ده تقريبًا كان في حدود الساعة 9، وجالنا استغاثات من بعض أمهات الأولاد الموجودين في الأتوبيسات المتعطلة في الزحمة إنهم محتاجين مياه وأكل، وبدأنا نحاول نجيب أرقام تليفونات السواقين ﻷن تليفونات المشرفات كانت فصلت أو قربت تفصل شحن".
أخفت علياء تلك التفاصيل عن لمى، وأبدت امتنانًا لقرار الإجازة التي ستمنحها بعض الوقت للهدوء من "الضغط العصبي" الذي تعرّضت له أمس، وإن كان ما يزال لديها تخوف من احتمالية وصول أنباء الزملاء العالقين لطفلتها؛ وما قد يسببه لها من انزعاج وقلق.
المطار يتأثر
شهدت مناطق حيوية في محافظة القاهرة تكدّسًا مروريًا بسبب اﻷمطار، من بينها مدينة نصر والأتوستراد ونفق العروبة في مصر الجديدة، وغيرها من الطرق بصورة أثّرت على الحركة المرورية، وفقًا لما رصدته المنصّة من شكاوى موثّقة بالصور والفيديوهات عبر فيسبوك، فيما عاد محافظ القاهرة بتصريحات أخرى تبرر ما وقع، قائلاً إن "جميع أجهزة الأحياء كانت مستعدة، لكن كمية الأمطار التي سقطت لم تستوعبها شبكات الصرف الصحي"
واعتذر محافظ القاهرة عما وقع للعاصمة، قائلًا في بيان رسمي اليوم، "جميع أجهزة الأحياء كانت مستعدة، لكن كمية الأمطار التي سقطت لم تستوعبها شبكات الصرف الصحي، مما أدى لغرق بعض المناطق".
وخصصت المحافظة أرقام طوارئ في عدد من أحيائها للإبلاغ عن أي مشكلات بسبب اﻷمطار، حاولت المنصّة التواصل مع اثنتين منهما إلاّ أن الرد من مسؤوليها كان برفض إعطاء أية معلومات عن حجم اﻷزمة وعدد البلاغات أو كيفية التعامل معها، محيلين اﻷمر إلى رؤساء الأحياء.
بعيدًا عن طرقات العاصمة، شهد طريق الفيوم الإقليمي وقوع انهيار أرضي جرّاء تجمعات مياه الأمطار، ما أحدث فجوة فيه بطول 150 مترًا وعرض 30 مترًا وعمق 30 مترًا.
على عكس تصريحات الجاهزية التي خرجت من محافظ القاهرة، كشف مجلس الوزراء عن عدم جاهزية المدن المصرية للأمطار، بالقول "لا توجد شبكة تصريف أمطار في مدننا المختلفة، فمدننا القائمة تم تخطيطها بدون هذه الشبكة، نظراً لأن بلادنا من البلاد الجافة، وأيضاً لأن إنشاء شبكة منفصلة لتصريف الأمطار يتكلف مليارات الجنيهات، وإمكاناتنا المالية لم تكن تسمح بذلك".
ولم يكن مطار القاهرة بمعزل عما وقع مع الطرق، إذ تأثرت صالة الوصول رقم 2 بمبنى الركاب رقم 1، لدرجة اتخذت معها وزارة الطيران المدني قرارًا بإغلاقها حتى انتهاء كافة أعمال التطوير بالمبنى، بعد تسرب مياه الأمطار إليها.
بجانب صالة الركّاب، تأثرت قرية البضائع أيضًا بما حدث، حسبما كشف للمنصّة أحد العاملين بها، رامي توفيق*، واصفًا الوضع أمس بـ"السئ للغاية"، سواء على مستوى رحلته الشخصية بين المطار والمنزل، والتي "استغرقت 4 ساعات كاملة بسبب ازدحام الطرق وتوقف بعضها الآخر لدرجة لجوء بعض السيارات للسير العكسي في عدد من الشوارع الرئيسية بمنطقتي مصر الجديدة ومدينة نصر".
وعما حدث داخل المطار وفي محيطه، ذكر رامي من مشاهداته أن "عشرات المسافرين دخلوا المطار بحقائبهم سيرًا على اﻷقدام، بسبب الزحام وارتباك حركة المرور، والذي تسبب في تأخير موعد وصول فريق عمل الوردية المسائية بقرية البضائع؛ ما أدى إلى مد ساعات عمل الفريق الصباحي وتأخر انصرافهم".
أمام هذا الارتباك، أعلنت شركة مصر للطيران الحكومية أنها "تعفي عملائها المتأخرين عن رحلات اليوم من غرامات تغيير الحجز"، فيما طالبت المسافرين في بيان لاحق بالتواجد في المطار "قبل موعد إقلاع رحلاتهم بثلاث ساعات علي الأقل، وذلك لضمان الوصول في الموعد المحدد لانهاء إجراءات السفر".
على مستوى سير العمل أيضًا، لم يكن للأمطار تأثير كبير على منشآت قرية البضائع، وفقًا لرامي، الذي ذكر أن "التأثير كان واضحًا في تأخر وصول بضائع لساعات بعد موعد تسليمها الأساسي؛ ما تسبب في تراكمها وبالتالي استمرار العمل على كميات أكبر من المعتاد خلال الوردية الليلية وحتى السادسة صباحًا".
وكشف الموظف بالمطار عن أن إدارته لم تبلغهم بأية تحذيرات خلال الأيام الماضية أو تفرض إجراءات وتدابير احترازية أمام هذه الأمطار، وأن هذا هو ما يحدث بصورة عامة، سواء على مستوى الحركة أو حتى بتخصيص يونيفورم "ملابس خاصة" للتعامل في مثل هذه الظروف.
وتوقع توفيق أن يمتد أثر أمطار الأمس حتى يومين قادمين، بسبب ارتباك حركة الطيران أمس وحتى يتم إعادة ضبط موعد الرحلات التي شهدت تأخيرات.
* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر