بعد سبعة أعوام من مذبحة ماسبيرو، ما يزال السؤال حول المواطنة حاضرًا، في ظل تكرار حوادث العنف الطائفي ووقائع "التمييز" ضد المسيحيين، سواء فيما يتعلق بالجانب التشريعي أو فُرص المشاركة في المجال العام، وكذلك حريتهم في ممارسة الشعائر الدينية، على مدار اﻷعوام التالية على 2011 وحتى اليوم، وفق ما رصده حضور ندوة نظمها حزب العيش والحرية- تحت التأسيس، أمس الثلاثاء، بعنوان "عن المواطنة وأوضاع المسيحيين المصريين في ذكرى ماسبيرو".
واستهل "العيش والحُرية" فعاليته، بعرض فيلم "مينا دانيال.. ثائر يحلم بوطن"، والذي وثّق لبعض مواقف وآراء الشاب الذي شارك في مختلف الأحداث المتعلقة بثورة 25 يناير، وظهر في العمل الوثائقي يتحدث عن وطن يسعه والجميع دون تمييز، قبل أن يُقتل هو و24 آخرين- على اﻷقل- بالرصاص ودهسًا تحت المدرعات، وتحوّل اسمه وصورته إلى أيقونة تُخلّد ذكرى "شهداء ماسبيرو".
شددت إلهام عيداروس، وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية تحت التأسيس، في بداية الندوة على ما لـ"ماسبيرو" -دونًا عن غيرها من الاعتداءات الطائفية المتعددة- من "خصوصية ودلالة وخطورة"، تتمثل في أنها الحادث الذي "كان للدولة دور تحريضي واضح وفجّ فيه، ما يجعل منها حدث مهم وكذلك قراءته مهمة، خاصة لو تذكر الجميع المطالب التي خرج من أجلها المسيحيين في المسيرة".
وعود النظام
وتساءلت عيداروس عما تحقق في ملف المواطنة منذ هذا الحادث وعلى مدار أعوام سبع تلته، مشيرة إلى أن السؤال مدفوع بما قطعه النظام الحالي من وعود على نفسه "بين المُبطّنة والصريحة للمسيحيين، فيما يتعلق بالمواطنة، بعد فترة ثورية كانت قاسية عليهم ودفعوا فيها ثمنًا غاليًا".
وذكرت وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية بعضًا من تلك الوعود التي تمثلت في "الحماية من المتشددين، بالإضافة لما ورد في دستور 2014 من مواد مثّلت تغييرات أساسية على طريق الوعد بتحسّن أوضاع المواطنة، من منحهم واليهود حق الاحتكام لمبادئ شرائعهم فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية وشؤونهم الخاصة بنص المادة 3، والنص في المادة 53 على المساواة في الحقوق وإنشاء مفوضية ضد التمييز".
دستور النقطة الوسط
على الرغم مما ذكرته عيداروس بشأن الدستور، إلا أن إسحاق إبراهيم، مسؤول ملف حُرية الدين والمعتقد في المبادرة االمصرية للحقوق الشخصية، نظر للدستور الذي صدر بعد ثلاثة أعوام من الحادث، باعتباره يقف في نقطة وسط بين دستورين.
وقال إبراهيم، خلال الندوة، إن الدستور الحالي الذي كُتِبَ بتوافق ما بعد 30 يونيو، وفيما يتعلق بالمواطنة " أفضل من دستور 2012 الموضوع في عهد الإخوان، لكنه أقل من دستور 1971".
وفصّل الباحث عدد من النقاط الداعمة لوجهة نظره، قائلاً إن الدستور الحالي "جعل المؤسسات الدينية تحتكر مصير الأفراد" وضرب مثالاً على ذلك بقانون اﻷحوال الشخصية للمسيحيين الموجود في يد الكنيسة، وأنه كذلك "خلط بين الشعائر الدينية كحق يُمارس بلا قيود وبين قواعد تنظيمية للمساجد أو الكنائس، ما تسبب في تعدد حالات القبض على مصلين في منزل أو كنيسة قديمة غير مُرخّصة".
وفي هذه النقطة، لفت إبراهيم إلى أن قانون بناء الكنائس الذي أُقر قبل عامين بناءً على مادة دستورية، قانون "طائفي"، خاصة فيما يتعلق باشتراطه موافقة المحافظ على البناء، بينما يقتصر اﻷمر في المساجد على موافقة اﻷوقاف.
وكشف الباحث في المبادرة المصرية عن أنه ومنذ إصدار القانون وحتى اليوم، لم يُنشر في الجريدة الرسمية أية قرار ببناء كنيسة جديدة، مستدركًا "البناء ما يزال يحدث بالطريقة القديمة، الناس تبني وتنتظر التقنين". وطالب الدولة والكنيسة بالإعلان عن قرارات بناء الكنائس الجديدة.
ثقافة المجتمع
اتفقت مع إبراهيم، الكاتبة الصحفية كريمة كمال، التي شددت على أنها كانت ضمن الفريق الذي كان يؤيد إصدار قانون دور العبادة الموحّد لتنظيم بناء المساجد والكنائس، والرافض لقانون بناء الكنائس الذي وافقت عليه السلطات الدينية، متساءلة "بناء الكنائس الجديدة غير سهل، كما أننا لم نرّ أي توفيق لأوضاع الكنائس القائمة. فلماذا تم وضع القانون من اﻷساس؟".
وقالت الكاتبة إن الأزمة تكمن في "الثقافة السائدة في المجتمع، والتي لا يمكن الفصل بينها وبين حالات التمييز أو العنف الطائفي، خاصة بعد أن صار لها رأي مُعلن بدءً من عدم تناول الطعام مع المسيحيين أو تهنئتهم باﻷعياد، وصولاً لأن صار البعض ضد وجودهم باعتبار أن هذه الأرض هي دار الإسلام وعلى المسيحيين أن يغادروها إلى أرض ثانية".
وحمّلت كريمة كمال الدولة المسؤولية، بقولها "هي التي ورّطت المجتمع في هذه الحالة، حينما تركت الملعب مفتوحًا للتيارات المتشددة كي تبثّ أفكارها حتى وصل اﻷمر لحالات رفض أندية الكُرة للأطفال المسيحيين".
وتطرّقت كمال إلى مشكلة أخرى يعاني منها الأقباط، وهي اﻷحوال الشخصية، مُشيرة إلى أن تدخل الدولة فيه ظهر حين ألغى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المحاكم الملّية التي كان اﻷقباط يحتكمون إليها مع لائحة 38؛ وبناءً عليهما كان الطلاق يحدث ولو بصعوبة، لكن بعد الإلغاء تطورت الأحداث بعدها حتى وصل اﻷمر إلى قصر الكنيسة في عصر البابا شنودة للطلاق على علّة الزنا فقط؛ ما فاقم مشكلات الأقباط، خاصة بعد وصول اﻷمر لنزاعات قضائية مع الكنيسة.
وتساءلت كمال عن سر عدم إقرار القانون الخاص باﻷحوال الشخصية الذي اتفق عليه البابا شنوده مع الكنائس اﻷخرى حتى الآن "حتى لو كنا نراه، سيُعقّد مشكلة الطلاق"، مشيرة إلى أن السبب هو "مادة في القانون عن التبني، وهو أمر غير مسموح به في الإسلام"، كما تساءلت عن سر عدم تفعيل الزواج المدني وإحالة توثيق عقود الزواج لموظف حكومي وليس رجل دين، واختتمت بتأكيد ضرورة التوصل إلى حلول جذرية لهذه الأمور العالقة.