كان صباحًا هادئًا، يومَ عيد، لا يستيقظ فيه أحد مبكرًا، سوى من كٌتب عليه العمل، استيقظت على مكالمة تحمل خبر زيادة أسعار البنزين، تلقيت الخبر بصدر رحب في البداية، قبل أن يذهب عقلي بعيدًا كم ستؤثر تلك الزيادات على ساندوتش الفول. بعد تفكير ومراجعة للزيادة التي حدثت على سعر الساندوتش بعد الارتفاع والزيادة التي ضربتنا العيد الماضي. تذكرت كيف قفز سعر الساندوتش أكثر من جنيه، تذكرت كلمات البائع عندما استفسرت عن سبب الزيادة "البنزين غلي يا بيه". على الفور بدأت عملية بحث عن كيفية عمل الفول المدمس من المنزل، حتمًا سأوفر الكثير إن استطعت عمل الفول.
كتبت المكونات وجهّزت الأدوات اللازمة، وعرفت طريقة العمل، كل هذا في أقل من نصف ساعة من البحث البسيط تخلله انقطاعات كثيرة لمشاهدة لقطات من مبارايات كأس العالم.
لكن ولأن الحاجة أم الاختراع، ولأن بمحرك جوجل يتعلم الإنسان، ذهب العقل لما هو أبعد من الفول، لماذا أبحث عن حل مشكلة فرعية، بينما استطيع البحث عن حل أساس المشكلة، لماذا أوفر ثمن ساندوتش فول، بينما استطيع توفير ثمن لتر البنزين، حتمًا سأجد لدى جوجل إجابة للسؤال الذي يؤرق الملايين في مصر الآن، كيف توفر في مصاريف البنزين؟
أول ما خطر ببالي للبحث عنه كجواب لهذا السؤال هو طرق التوفير التقليدية كتطوير أبلكيشن لمشاركة السيارات الخاص، أو الاستقالة من العمل والجلوس في المنزل، أو الذهاب للطالب المنوفي لابتكار سيارة تستخدم مياه الصرف الصحي كوقود (نظرًا لارتفاع تعريفة استهلاك المياه)، بالطبع أسهل تلك الحلول وأكثرها فاعلية هو الاستقالة من العمل، لذلك توجب علي التفكير خارج الصندوق.
فكرت أن أُعامل البنزين معاملة الفول، بالتأكيد يمكنني البحث على جوجل عن كيفية وطرق صناعة البنزين في المنزل، الأمر بسيط فالبنزين مركب كيميائي عضوي وبحسب ما أتذكر فهو أبسط مركب في الكيمياء العضوية حيث يتكون من سلاسل هيدروكربونية، ببساطة كل ما في الأمر هو هيدروجين وكربون، لكن كيف لشخص يبحث عن طريقة عمل الفول المدمس تحضير الكربون والهيدروجين منزليًا، يجب أن نحترم الواقع حتى لا نتحطم على صخرته.
ببحث سريع على جوجل باللغة العربية ستجد عددًا من النتائج والفيديوهات التي تشرح كيفية عمل البنزين من الماء، والهواء، وزيت القلي، والبلاستيك، لكن أسهل طريقة لصناعة البنزين منزليًا هو عن طريق تقطير ملح بنزوات الصوديوم مع هيدروكسيد الصوديوم المعروف بالجير الصودي.
إن كنت تود اتباع الخطوات التالية يفضّل ألا تجربها بالمنزل، لأن المواد الناتجة عن التفاعل سريعة الاشتعال.
المكونات: 100 جرام من ملح بنزوات الصديوم، و60 جرامًا من الجير الصودي، ومتعدد رباعي فلورو الإيثيلين أو "تيفلون". يمكن الحصول على هذه المواد بسهولة فهي تستخدم كمواد حافظة ولا يتعدى سعر الكيلو منها أكثر من 20 جنيه.
يتم طحن ملح بنزوات الصديوم والجير الصودي جيدًا قبل خلطهما ببعض، يفضل أن تضعهما في "كيس" وترجه بشدة في عملية الخلط، ثم تأتي بعلبة معدنية "برطمان" مع غطاء، تضع مسحوق البنزوات المخلوط بالجير الصودي بداخل العلبة، ثم تثقب غطاء العلبة ليثبت عليها المحول الزجاجي الذي ستضع به كمية معقولة من التيفلون.
تقفل العلبة بإحكام، وتوصل المحول الزجاجي بأنبوب تكثيف الذي بدوره يتصل بقارورة، ويجب أن يكون نظام التكثيف مغلق بإحكام لأن البنزين مركب عطري سريع التطاير.
يتم تسخين العلبة على نار هادئة ومستقرة، لإنتاج ثاني أكسيد الكربون الذي يتفاعل مع بنزوات الصوديوم، التفاعل الذي ينتج عنه كربونات الصوديوم، والبنزين على هيئة بخار يتم تكثيفه في أنبوب التكثيف.
يتم تجميع سائل البنزين المكثف في القارورة، يؤخذ البنزين السائل من قارورة التجميع وينقل إلى قارورة فصل، ويغسل بالماء لتنظيفه مرتين، بإضافة حوالي 200 ميللي ماء، يوضع الماء في قارورة الفصل، لينظف البنزين وتستقر تحت البنزين لأنها أثقل منه، ومن ثم يتم فصله عن البنزين، وتكرر العملية مرة أخرى.
كمية البنزين الناتج عن هذا التفاعل قليلة، لن تتعدى المئة ميللي لتر، ولكن يمكن زيادة الكمية بزيادة المواد بنفس النسب، بالتأكيد لن يغني ولا يسمن من جوع، لأنه وبحسبة بسيطة قد تنفق حوالي 30 جنيهًا، بخلاف ثمن الأدوات، لإنتاج نحو اللتر، كما أن هذا البنزين بدون أوكتان أو بنسبة أوكتان قليلة.
الأوكتان هو مركب هيدروكربوني يمتاز بقدرته على تحمل الضغط، بالتالي فهو مقاوم للاحتراق، على سبيل المثال بنزين 92 يحتوي على 92% أوكتان، وكلما كانت نسبة الأوكتان عالية، كلما كان تحمله للضغط ومقاومته للاحتراق أعلى.
في النهاية يبدو أن تصنيع البنزين في المنزل مكلف وغير مجد، وبنزين الحكومة أرخص، ربما علينا أن نفكر في حل آخر. يجب أن نبتكر، سوف أبحث في المرة القادمة عن كيفية تصنيع الضرائب في المنزل لمساعدة الحكومة وتخفيف الأعباء عنها.