في السابع والعشرين من يوليو/ تموز 2017، وافق مجلس النواب التونسي، بإجماع آراء أعضائه، على مشروع قانون للقضاء على كل أشكال العنف ضد النساء، على أن يدخل حيّز التنفيذ بعد 6 أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وقابلت شخصيات سياسية وبرلمانية تونسية القانون الجديد بالترحيب، باعتباره سيؤثر إيجابيًا في "تعزيز حماية الضحايا، واجتثاث أحكام قانونية اُعتبرت رجعية"، خاصة بعد إلغائه المادة 227 مكرر من القانون الجنائي، التي كانت تُسقط الملاحقة القانونية للمغتصب، إذا ما تزوج ضحيته، وهي مادة سائدة في قوانين دول عربية عديدة.
وبعد أسبوعين على صدور التشريع، تعهد الرئيس الباجي قائد السبسي، خلال مشاركته في الاحتفال بعيد المرأة التونسية، الذي يوافق 13 أغسطس/ آب، بأنه سيعمل على إيجاد صيغة قانونية تساوي بين المرأة والرجل في الميراث، كما أشار إلى أنه طلب من الحكومة إلغاء منشور يمنع زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين.
ولاقت تصريحات الرئيس التونسي، مباركة وترحيبًا من أشخاص وجهات، كان أبرزها ديوان الإفتاء (دار الإفتاء الوطنية)، الذي قال في بيان قال فيه إن هذه الخطوات " تدعيما لمكانة المرأة، وضمانا وتفعيلا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات"، وشكرت عليه الرئيس.
وبهذه التشريعات، سواء التي صدرت أو التي ما زالت في طور الصياغة والتشكيل، تسجل تونس انتصارًا جديدًا، في قائمتها القانونية الداعمة لنسائها، منذ منتصف القرن الماضي حين تولى رئاسة الدولة الحبيب بورقيبة، في وقت ما زالت تشريعات دول عربية أخرى تُميّز ضد مواطناتها.
نصوص تمييزية
للمفاجأة، فإن مصر رفعت غطاء الحماية عن المغتصب، قبل 18عامًا من إقدام تونس على هذه الخطوة، حين ألغت المادة 291 من قانون العقوبات، التي تعفي مرتكب جريمة الاغتصاب من العقوبة، في حال تزوج الضحية.
علاوة على ذلك، توجد مواد في القانون المصري تُنزل عقوبات مُشددة ضد جرائم ترتكب بحق النساء، مثل الخطف والاغتصاب، مثل المادة 290 عقوبات، التي تنص على أن "كل من خطف بالتحايل أو الاكراه أنثى أو بواسطة غيره، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة. ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوفة بغير رضائها".
لكن موقع "محاماه. نت" ذكر في مقال شارح لجريمة الاغتصاب وعقوبتها في القانون المصري، ما يمكن اعتباره فرصة للمتهم للإفلات من العقوبة، إذ أن الجريمة إن لم تقترن بظرف يشدد العقوبة، فيمكن الحكم على مرتكبها بالسجن المؤبد أو المشدد، وذلك "دون الإخلال بسلطة القاضي في تخفيف العقوبة، استنادًا إلى المادة 17 من قانون العقوبات".
وأشارت مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، في تقرير سابق لها، أنه لوحظ استخدام المحاكم المصرية للمادة 17، في كثير من قضايا الاغتصاب وهتك العرض.
ومع هذا فإن الرأفة بالمغتصب، ليس كل أو جلّ ما تتعرض له المرأة المصرية من تمييز، إذ يشير تقرير منظمة العفو الدولية السنوي عن مصر 2016/2017، فيما يتعلق بحقوق المرأة إلى أنها "تفتقر إلى الحماية الكافية من العنف الجنسي والعنف بسبب النوع، وظلت عرضةً للتمييز بسبب النوع في القانون والممارسة الفعلية، وخاصة بموجب قانون الأحوال الشخصية الذي ينظم أمور الطلاق".
ويمتد التمييز القانوني ضد المرأة المصرية، ﻷمور أخرى، كان منها مثلاً "الزنا"، إذ جاءت مواد قانون العقوبات من 274- 277 تمييزية لصالح الرجل، الذي لا يعاقب على "الزنا" إلا بالسجن 6 أشهر، وبشرط أن يكون داخل منزل الزوجية، فيما تعاقب عليه المرأة بالسجن سنتين، وذلك سواء كان الفعل تم في منزل الزوجية أو خارجه.
كما يفتح القانون نفسه- بحسب تقرير نظرة للدراسات النسوية- ثغرة لارتكاب العنف ضد المرأة، حين نص في مادته رقم 60 على أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملًا بحق مقرر بمقتضى الشريعة. وأشارت "نظرة" إلى أن هذه المادة "تُستخدم بشكل كبير في قضايا ضرب الزوجات، مما يساعد كثير من الأزواج علي الإفلات من العقاب".
معارك تشريعية
قبل أشهر من اجتماع البرلمان التونسي لإقرار تشريع يناصر التونسيات، كان نظيره المصري يشهد معركة بسبب مشروع قانون الرؤية، بسبب ما به من مواد رأتها سيدات، خاصة المطلقات الحاضنات، مجحفة بحقهن.
وعلى الرغم من وجود العديد من المواد الدستورية "الجيدة"، بحسب وصف الناشطة النسوية مُزن حسن لـ"المنصّة"، والتي يمكن اتخاذها كقاعدة انطلاق للعمل عليها من أجل تشريعات أفضل للمرأة، إلا أنه حتى هذه اللحظة لا يوجد قانون مصري صريح لمواجهة العنف ضد المرأة.
وذكرت الناشطة ما كان قبل أعوام، من حملة طرحت عبر مراكز حقوقية، بقيادة مركز "النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب"، مشروع قانون لمكافحة العنف ضد المرأة.
لكن مشروع "النديم" لم يخرج للنور أو يجد صدى لدى النظام، وفقط مع بداية هذا العام، بدأت الأخبار تتناقل عن مشروع آخر قدمته نائبة إلى المجلس، لقانون مكافحة العنف ضد المرأة.
مقارنات مشروعة
في منتصف القرن الماضي، صار تعدد الزوجات أمرًا محظورًا في تونس، بموجب قانون الأحوال الشخصية، الذي منح المرأة في هذه الحالة حق تطليق زوجها، لتتمتع التونسيات بأمور تفوق ما يتسنى لقريناتهن في الوطن العربي، ممن يعانين التمييز والعنف ضدهن.
فعلى سبيل المثال، ما زالت السعوديات محكومات بقوانين وأعراف تُحرّم عليهن الخروج أو السفر ضد ولي، وتجعل من قيادتهن للسيارات حلمًا بعيد المنال، هذا بخلاف خضوعهن لأحكام هيئة اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تتدخل حتى في ملابسهن.
واليوم، بينما تونس التي تساوي بمواد دستور 2014 بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، تضيف لرصيدها الحقوقي النسوي نقطة جديدة، بإلغاء حماية المغتصب، ما زالت دولًا عربية أخرى، من ضمنها جارتها الجزائر، وكذلك سوريا والعراق وفلسطين وليبيا، على قناعاتهن بحماية المغتصبين، فقط لو تزوجوا ضحاياهن، رغم النداءات الحقوقية المتكررة ضد هذه القاعدة.