كشفت الوزارة عن اتساع النطاق الجغرافي للكائن البحري، إذ امتد مؤخراً إلى الساحل الشمالي الغربي، بعد أن كان يتركز على سواحل العريش وبورسعيد ودمياط.
بالتزامن مع توافد مواطنين مصريين على شواطئ البحر الأبيض المتوسط لقضاء إجازة عيد الفطر، انتشرت أسراب من حيوان قنديل البحر على مدار اليومين الماضيين، بطول ساحل المتوسط بدءًا من بورسعيد شرقًا ووصولاً إلى منطقة الساحل الشمالي في أقصى غرب مصر، وفق ما أفادت به مواقع إخبارية.
وأثارت الأنباء والصور نقاشات واسعة بين مرتادي فيسبوك وتويتر، إذ حوّل البعض الأمر لدعابة، بالحديث عن وصفات طعام بقنديل البحر. لكن الجدل تجلّلى في انقسام المهتمين بظهور القناديل إلى فريقين، أحدهما يؤكد أنه وجود طبيعي يتكرر سنويًا، والآخر استدعى مقالات ودراسات نشرتها صحف عالمية إبان الإعلان عن مشروع توسعة قناة السويس؛ تنبأت بتغيُّر النظام البيئي للبحر المتوسط إثر توسعة القناة.
وهناك فريق ثالث شكك في صحة وجود وانتشار القناديل، حتى خرجت وزارة البيئة ببيان رسمي تقطع فيه بصحة وجودها وانتشارها.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fpermalink.php%3Fstory_fbid%3D1397989536975644%26id%3D604877002953572&width=500
"البيئة" تؤكد
بالتزامن مع أنباء عن انعقاد اجتماع برئاسة وزير البيئة، اليوم، لدراسة التأثيرات البيئية لقناة السويس، بعد عامين من افتتاح توسعتها، ذكرت وزارة الدولة للبيئة في بيان نشرته بصفحتها الرسمية على فيسبوك، أن نوع القناديل البحرية المتسبب في هذه الظاهرة يُسمى Rhopilema nomadica -القنديل الهائم، وأنه "من اﻷنواع المُسجلة في البحر المتوسط منذ عقود". مشيرة إلى أنه تم تسجيل انتشار هذا النوع خلال هذا العام في موسم الشتاء، في لبنان وإسرائيل وقبرص، ما وصفته بأنه "ظاهرة غير مسبوقة".
وكشفت الوزارة عن اتساع النطاق الجغرافي للكائن البحري، إذ امتد ظهوره مؤخرًا إلى الساحل الشمالي الغربي، بعد أن كان يتركز في سواحل العريش وبورسعيد ودمياط، وهي كلها سواحل شرقية. ما اعتبرته الوزارة "ظاهرة تستدعي مزيد من الدراسة على مستوى إقليم البحر المتوسط".
أشارت الوزارة، في بيانها التفصيلي عن قناديل البحر، إلى أن من بين آثار وجودها في الشواطئ، "إلحاق أضرارٍ بالمنشآت الصناعية الشاطئية، مثل محطات توليد الكهرباء وغيرها".
و يتماشى ما ورد في بيان الوزارة، مع ما أعلنه موقع "يورونيوز"، من أن أسراب من "القنديل الهائم"، كادت تُعطّل المحطة الرئيسية لتوليد الطاقة الكهربائية "أوروت رابين" شمال تل أبيب، بعد اصطدامها بنظام توربينات المحطة، وأنها عادة ما تصل الشواطئ كل عام، في يوليو/ تموز، بفعل سخونة الماء، لتغادرها بعد أسابيع قليلة مختفية من المنطقة الشرقية نحو أعماق المتوسط.
قناة السويس "المُتهمة"
يشير موقع Invasive Species Compendium، وهو موسوعة معنية برصد فصائل الكائنات الغازية (الخارجة عن بيئاتها الأصلية)، إلى أن الموطن الأصلي للقنديل الهائم Rhopilema nomadica هو المحيط الهندي وأن انتشاره الأصلي يمتد من شبه القارة الهندية وحتى السواحل الإستوائية للبحر الأحمر.
في 30 أغسطس/ آب 2015، نشرت شبكة CNN الأمريكية خبرًا عن تعرض البحر الأبيض المتوسط، لغزو من أسراب من فصيلة القناديل نفسها التي أعلنت عنها وزارة البيئة، وأنها وصلت سواحل إسرائيل. وكانت هذه مناسبة للتذكير بالأثر الذي أحدثته قناة السويس على البيئة البحرية للمتوسط. فقد نقلت الشبكة الإخبارية الأمريكية عن عالمة الأحياء البحرية بالمعهد الإسرائيلي الوطني لعلوم البحار، بيلا جليل، أن هذه اﻷسراب أتت من بيئتها اﻷصلية في المحيط الهندي، عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، واستوطنت مياهه.
وتوقعت الباحثة أن تزداد مشكلة الخلل البيئي في المتوسط سوءًا بعد توسعة قناة السويس عبر التفريعة الجديدة، التي جرى افتتاحها في 2015. خاصة مع زوال البحيرات المرة التي كانت تشكل حاجزا طبيعيًا قبل توسعة القناة، "بسبب ملوحة مياهها مقارنة ببقية مياه القناة، لكن أعمال التطوير والحفر اﻷخيرة دمرت الحاجز الطبيعي هذا؛ فسهّل مرور الكثير من الحيوانات البحرية- بعضها خطير- إلى البحر المتوسط".
لكن هل التوسعة مسؤولة عن غزو القناديل؟
لم يرد في بيان وزارة البيئة نفيًا أو تأكيدًا لمسؤولية التوسعة عن انتشار القناديل، وإن ألمحت في البيان إلى أن التوسعة (ما يسمى قناة السويس الجديدة) ليست مسؤولة على الإطلاق عن وصول القنديل الهائم إلى البحر المتوسط من بيئته الأصلية في المحيط الهندي. وأوضحت أن انتقال قناديل البحر، على مستوى بحار ومحيطات العالم، "ظاهرة طبيعية، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات المناخية والتلوث والصيد الجائر للأسماك والسلاحف البحرية"، وسردت وقائع سابقة لهذا اﻷمر.
وفي هذا لم تخالف وزارة البيئة المعلومات العلمية المثبتة التي تسجل أول ظهور لقنديل البحر الهائم في بيئة البحر المتوسط، خلال سبعينات القرن الماضي. وأن انتشاره وصل حتى شواطئ تركيا واليونان خلال صيف السبعينات. ويحوي أرشيف الصحف الغربية على الإنترنت أخبارًا متعددة عن غزو القناديل الهائمة لشواطئ المتوسط الشرقية، ووصولا إلى تونس شرقًا وإيطاليا شمالاً وغربًا، في سنوات تمتد من 2002 وحتى 2014، ما قبل توسعة قناة السويس وحفر تفريعتها الجديدة. وهو ما يرصده موقع "خطر القناديل" المتخصص في رصد تهديدات حيوانات قنديل البحر على الشواطئ الأوروبية.
وذكر بحث منشور عام 2013 في دورية Bioinvasions Records، وهي مجلة دولية للبحوث الميدانية على الغزوات البيولوجية، إلى وجود فعلي لفصيلة القناديل البحرية Rhopilema nomadica في مياه البحر المتوسط، عن طريق قناة السويس، وأنها شوهدت في خليج قابس التونسي عام 2008.
وزارة البيئة في معرض إجابتها عن سؤال من أحد المعلقين على بيانها، عن قناة السويس وعلاقتها بانتشار القناديل، قالت نصًا: "هناك بعض الجهات التي تحاول الترويج أن توسعة قناة السويس هي السبب في ظاهرة القناديل، لأغراض سياسية بعكس الحقيقة المعروفة بأن القناديل منتشرة بجميع البحار والمحيطات على مستوى العالم، وأنها منتشرة بالبحر المتوسط منذ أواخر السبعينات".
لكن أبحاثًا علمية متعددة، تؤكد مسؤولية قناة السويس الأصلية -التي جرى افتتاحها نهايات القرن التاسع عشر- عن تغير النظام البيئي للمتوسط، وأنها المسؤولة الأولى والوحيدة عن وصول هذه القناديل إلى المتوسط خلال سبعينات القرن الماضي.
لكن القناة لا تزال في دائرة الاتهام
فور إعلان مصر، في أغسطس/ آب 2014، عن بدء أعمال مشروعها الطموح، تحت مُسمّى "قناة السويس الجديدة"، والذي يهدف لتعميق المجرى الملاحي للقناة، فضلاً عن مد ممر موازٍ لها، بطول 35 كيلومترًا؛ خرج تحذير عن علماء وأكاديميين في مجال علوم البحار، من مغبّة توسعة القناة، إذ ذكروا أنه "قد يتسبب في إلحاق أضرار جسيمة بأنماط الحياة البحرية، والنشاط الاقتصادي في البحر الأبيض المتوسط".
وأعاد نشر حديث العلماء والأكاديميين المنتمين لجامعات عالمية، عدد من المواقع الإخبارية، ومنها صحيفة "الجارديان" البريطانية، وموقع geographical.UK.
وفي المقابل، لم تدخر القاهرة جهدا في دفع التهم عن المشروع المصري، عبر مقالات من باحثين مصريين وتقاير صحفية تُعظّم في اﻷثر الإيجابي للقناة، وتصريحات من مسؤولين سياسيين وباحثين، ركزوا على صدور التحذيرات من القناة عن "باحثين إسرائيليين"، وهو ما كانت تتوقعه "جليل"، التي أكدت في تصريحات نشرها موقع "دويتش فيله" في وقت سابق، أنها ليست ضد المشروع المصري، وفقط تُطالب بإجراء دراسات الأثر البيئي له.
وعلى الرغم من ذلك الدفاع المستميت، إلا أن ورشة عمل عقدها المعهد الوطني لعلوم المحيطات ومصايد الأسماك، في فبراير/ شباط 2015، لمناقشة "الأثر الإيكولوجي لمشروع تنمية قناة السويس"، انتهت إلى اعتراف بوجود احتمالية لتأثير على بيئة البحر المتوسط.
وكان من بين ما خلص إليه العلماء والباحثون المشاركون في الورشة، أن "الأنشطة البشرية والضغوط على البيئة البحرية، من أهم العوامل التي تساعد على انتشار الأنواع الغريبة، وتسهّل عملية الغزو سواء في البيئات التي تخضع لضغوط بشرية قوية أو البيئات التي تتغير باستمرار وغير مستقرة من قبل طبيعتها"، وإن كان ما ضربوه من أمثلة كان في مناطق بعيدة عن قناة السويس.
وقال الباحثون "إن عدد الأنواع التي غزت البحر الأبيض المتوسط من البحر الأحمر، وتسببت في ضرر، قليلة جدا إذا ما قورنت بالأنواع الأخرى التي غزت واستقرت هناك وكانت لها منافع اقتصادية، وإن تقارير انتشار قناديل البحر في البحر الأبيض المتوسط القادمة من البحر الأحمر ليس لديها أدلة علمية جوهرية".